المشهد اليمني الأول/
كتب جاكسون ديل مقالة في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية رأى فيها أن إرث السياسة الخارجية الأكثر إيجابية للرئيس دونالد ترامب سيكون في الشرق الأوسط الكبير وهو: اتفاقيات التطبيع بين “إسرائيل” وثلاث دول عربية؛ احتلال الأراضي التي كانت تسيطر عليها “داعش” في سوريا والعراق، واتفاقية السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية.
وقال الكاتب إن حملات “الضغط الأقصى” لنزع سلاح كوريا الشمالية وإضفاء الطابع الديمقراطي على فنزويلا قد فشلت. كما فشلت محاولة استخدام التعريفات لإجبار الصين على التخلي عن المذهب التجاري، والعلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة المقربين في أوروبا في حالة خراب.
وأضاف: لكن حتى في الشرق الأوسط، هناك قصة أكبر وأكثر سلبية. تم الكشف عن المحصلة الحقيقية لسياسات ترامب هناك، ليس في حفل البيت الأبيض المضخم في أيلول / سبتمبر الذي ضم قادة إسرائيليين وبحرينيين وإماراتيين، ولكن في اجتماع في المكتب البيضاوي قبل 10 أيام، حيث سأل الرئيس ترامب مستشاريه عن قصف إيران. فقد أظهر اقتراحه – الذي رفضه فريق الأمن القومي بسرعة – كيف أدت الاستراتيجية الشاملة التي اتبعها ترامب على مدى السنوات الأربع الماضية إلى طريق مسدود كارثي.
ففي جوهرها، كانت مقامرة ترامب في الشرق الأوسط هي السير بالولايات المتحدة بإحكام على خطى “إسرائيل” والسعودية والدول العربية السنية الأخرى، ثم الانضمام إليها في حملة لا هوادة فيها ضد إيران الشيعية. كان ترامب عازماً على التنصل من الاتفاق النووي مع “الجمهورية الإسلامية”، لأنه كان إنجازاً بارزاً في السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما؛ فقد تم إغراؤه في رحلته الأولى إلى الخارج من قبل القادة السعوديين الذين افترض خطأً أنهم سيشترون مئات المليارات من الأسلحة الأميركية. وكان ترامب حريصاً على إرضاء المسيحيين الإنجيليين الأمريكيين، الذين تعتبر “إسرائيل” بالنسبة لهم قضية مقدسة.
واعتبر الكاتب أن هذه السياسة قد فشلت من جميع النواحي. فعلى الرغم من العقوبات الشديدة واغتيال أعلى جنرالاته، أي الفريق قاسم سليماني، “لم ينهر النظام الإيراني ولم يقلل من عدوانه في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كانت ميليشياتها لا تزال تطلق الصواريخ على السفارة الأميركية في بغداد الأسبوع الماضي”.
وأضاف: بعد إلغاء ترامب للاتفاق النووي، كثفت طهران إنتاجها من اليورانيوم المخصب ولديها الآن مخزون 12 مرة أكثر مما كانت عليه عندما تولى ترامب منصبه – وهو ما يكفي لزوجين من الرؤوس الحربية النووية. وهذا ما دفع ترامب إلى البحث غير المجدي بشأن قصف إيران، والذي أخبره مستشاروه أنه قد يشعل حرباً إقليمية خلال أيامه الأخيرة في منصبه.
وقال الكاتب إن انحياز ترامب الشديد للسعوديين قد أدى إلى تبرير اعتدائهم الخارجي المتزايد والقمع الداخلي، من القصف الإجرامي للمدارس والأسواق في اليمن إلى قتل وتقطيع الصحافي المنفي جمال خاشقجي. لقد دفعه دعمه المطلق لرئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو إلى تأييد “خطة سلام” أحادية الجانب، أي “صفقة القرن”، بشكل غريب لـ”إسرائيل” والفلسطينيين، والتي لم تؤد إلا إلى قطع العلاقات بينهما.
ولعل الأهم من ذلك أن ترامب حقق عكس ما قال إنه يريده عندما ترشح للرئاسة وهو: إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط و”حروبها التي تنتهي”. كان لأوباما نفس الهدف، وكان الاتفاق مع إيران جزءاً لا يتجزأ منه: كانت الفكرة هي إحباط أكبر تهديد محتمل للولايات المتحدة و”إسرائيل” – أي وجود ترسانة نووية إيرانية – ثم تعزيز التوازن في المنطقة بين الشيعة بقيادة إيران والسنة بقيادة السعودية.
لكن ترامب قد أعاد تهديد السلاح النووي الإيراني، وشجع الحرب الطائفية التي أرادها المتطرفون السنة والشيعة، ثم جعل الولايات المتحدة تتحالف بشكل كامل مع الجانب السني، مما جعل فك الارتباط عن المنطقة مستحيلاً، بحسب الكاتب. وانتهى به الأمر بإرسال آلاف من القوات الأميركية إلى الشرق الأوسط للدفاع عن حقول النفط وناقلات النفط من الهجمات الإيرانية، وعلى الرغم من تقليص القوات الذي استمر 11 ساعة، فقد اضطر إلى ترك القوات الأميركية في العراق وسوريا.
واعتبر الكاتب أن “الاتفاقات بين إسرائيل والدول العربية كانت هي الجانب المشرق لهذه الكارثة: فقد جمع التحالف المناهض لإيران المدعوم من الولايات المتحدة الدولة اليهودية والدول العربية معاً.
لكن حتى لو ترامب الولايات المتحدة على الهامش، فكان من المحتمل أن يحدث هذا التقارب بينها على أي حال. فقد اقتربت الدول العربية من “إسرائيل”، القوة العظمى المحلية، على وجه التحديد للتحوط من انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة”.
وتساءل الكاتب جاكسون ديل: إذن ماذا يفعل الرئيس المنتخب جو بايدن بهذه الفوضى؟ وقال إن عليه أولاً تذكر الأخطاء التي ارتكبها هو وأوباما في عهدهما، أي الحكم بشكل خاطئ بأن قيام اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني هو مفتاح المنطقة، وجعله أولوية على الرغم من عدم رغبة القادة الحاليين في ذلك.
ولكن بعد ذلك يجب على بايدن إحياء استراتيجية التوازن لأوباما، والتي تسمح للولايات المتحدة بأخذ موقف من العدوان وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل كل من إيران والسعودية، مع جعل محور سياساته بعيداً عن الشرق الأوسط الذي سعى إليه الرئيسان السابقان.
وختم الكاتب قائلاً إن الخطوة الأولى هي: لا تقصفوا إيران. ففي الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن طهران ستعود للالنزام بالقيود السابقة على نشاطها النووي “بلا مفاوضات و. . . لا شروط إذا رفع بايدن العقوبات التي فرضها ترامب. وقال الكاتب: هذا أمر يستحق الاستكشاف.