المشهد اليمني الأول/
يترّقب العالم والشرق الأوسط ضمناً، الاستحقاق الرئاسي الأمريكي الذي قد يقلب الموازين رأساً على عقب، في ظلّ تفاقم الفوضى والحروب في دول عدّة.
مع اقتراب يوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالاً يتحدث عن حسابٍ قادمٍ للبلدان التي وضعت رهانات كبيرة، مؤيدة أو مخالفة، للرئيس دونالد ترامب. وبالنسبة لبعض الرؤساء الذين سايروا ترامب وازدهروا خلال فترة رئاسته، يذكر المقال أن “هناك خطراً محتملاً عليهم إذا خسر ترامب أمام منافسه جو بايدن، أما بالنسبة لأولئك الذين تحدوا ترامب، فهناك فرصة لهم”.
وبين وعود ترامب وخطابات بايدن، ينتظر الشرق الأوسط نتيجة الانتخابات حتى يبني توقّعات وآفاقاً لمصيره في السنوات الأربع المقبلة. فكيف ستكون سياسات كلٍ من الرجلين حال فوزه؟
ترامب سيتجنب مسار الحرب في الشرق الأوسط
“إن محور السياسة الخارجية والمصالح القومية الأميركية في الشرق الأوسط في عهد ترامب كانت تمر عبر منظور إسرائيلي، بفعل نفوذ اليمين المسيحي في وزارة الخارجية”.. هذا ما قاله الأستاذ في العلاقات الدولية الدكتور حسام مطر.
وفي حال فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية المرتقبة، وهو احتمال مستبعد بحسب مطر، فإن “المرشح الجمهوري سيواصل السير في نهجه السابق في العموم مع محاولة كسر حلقة التصعيد مع إيران من خلال اتفاق جديد يتضمن توافقات حول قضايا إقليمية إضافة للمسألة النووية”.
وأشار مطر إلى أن هذا التفاوض مرتبط بشكل أساسي بخوف ترامب من تدحرج الأمور في حال لم يكن هناك صفقة جديدة مع إيران، وبحاجة ترامب للتركيز على ملفات خارج الشرق الأوسط، لا سيما الصين.
فحتى يتجنب ترامب مسار الحرب، “يسعى ليكون جاهزاً لمقاربةٍ تحاول التوصل إلى تسوية بالموضوع النووي، يراعي فيها المصالح الاسرائيلية وبعض الهواجس الخليجية ولكن هذا لا يعني أنه سيخفف الضغط عن حلفاء إيران”، وفقاً لمطر.
هذه التسوية، من منظار ترامب، من شأنها أن تضمن عدم وصول إيران للسلاح النووي، إضافةً إلى الإتفاق على بعض القضايا الإقليمية في المنطقة، من أجل تهدئة بعض الملفات الإقليمية قدر المستطاع، ولكي يسجل ترامب لنفسه صفقة جديدة في الشرق الأوسط”.
ويذكّر الأستاذ في العلاقات الدولية أن مقاربة ترامب الكبرى للشرق الأوسط تقوم على مزيد من التحلل من الالتزامات الأميركية المكلفة، نحو مزيدٍ من سياسات المصلحة الذاتية بدل العمل، من خلال محاولة قيادة النظام الإقليمي أو تعزيز المصالح المشتركة مع الحلفاء.
كما أن “ترامب ملتزم بعدم الدخول في حروب كبرى في المنطقة، وسيبقى على نفس العلاقة القائمة على الإنتهازية الفظة والفجة مع الخليجيين، ومتمسك بموضوع صفقة القرن والضم والتطبيع في حال فوزه”.
من سيتضرر من سياسة بايدن؟
أما في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، يرى مطر أن “منظور السياسة الأميركية في المنطقة سيكون محوره مصلحة الأمن القومي الأميركي الذي يأخذ المصالح الإسرائيلية بعين الاعتبار، ولكنه لا يرى الأمن الأميركي من منظار إسرائيلي”. وهذا هو الفارق الأساسي بين بايدن وترامب، والذي عليه ستبنى العديد من الأمور والتغيرات في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، قال مطر إنه “في حال فوز بايدن سيكون هناك فرصة أعلى للتوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين بشروط أقل من تلك التي وضعها ترامب، فالاتفاق كان إنجازاً للديمقراطيين الذين وجدوا فيه بديلاً للحرب وللتخفف من التزاماتهم في المنطقة ولم يعيروا اهتماماً للاعتراض الخليجي – الإسرائيلي يومها”.
اللافت، بحسب مطر، أن الديمقراطيين يحاولون إحداث تغيير في الداخل الإيراني، يعني العمل على إزالة العقوبات ومحاولة النفاذ إلى داخل المجتمع الإيراني.
في المقابل قد تستوجِب أية تسوية مع الإيرانيين تكثيف الأميركيين الضغوط على حلفاء إيران كي لا يستفيدوا من تداعيات الانفتاح عليها، يعني وصول بايدن لا يعني أن تكون السياسة الأميركية أكثر تساهلاً مع حزب الله.
لكن قد يكون الأميركيين في عهد بايدن أكثر قلقاً من فكرة انهيار شامل في لبنان، وبالتالي يؤدي إلى انفراج محسوب في السياسة الأميركية تجاه لبنان.
مصير العلاقات الأميركية الخليجية في حال فوز بايدن
بحسب مطر، فإن بايدن يريد إعادة ترميم العلاقات مع الحلفاء وخصوصاً في دول الخليج، وإعادة صياغة العلاقة مع السعودية على أسس جديدة، “ولن يفضّ العلاقة معها بل سيعيد إنتاجها وفق شروط جديدة يتخللها نوع من العقاب للسعوديين لدورهم بدعم ترامب في الفترة الماضية”.
وخصوصاً أن السعوديين أصبحوا جزءاً من الأزمة الداخلية في الولايات المتحدة، ولذا ستكون السعودية من المتضررين من وصول بايدن. “فالأخير ينتقد السياسة السعودية الداخلية بسبب القمع وتقييد الحريات العامة، كما أن موقفه سلبي من موضوع الحرب على اليمن، إضافة إلى مغادرته المحتملة لاستراتيجية الضغوط القصوى ضد إيران”.
ويتابع مطر قائلاً إن وصول بايدن من شأنه أن يصعّب من عملية انتقال الحكم لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
المتضرر الثاني من وصول باين، بحسب مطر، ستكون تركيا، أولاً لأن “لديه موقفاً إيجابياً من الكرد المتواجدين في سوريا، ويريد أن يقوم بالتزامٍ لضمان عدم تعرضهم لهجمات من تركيا، كما أنه يكنّ العداء الشخصي لإردوغان وينتقد سياساته الداخلية”.
يشار إلى أن المرشح الديمقرطي أعلن استعداده لدعم المعارضة الداخلية في تركيا لإزاحة الرئيس التركي.
وفيما يخص الوضع في سوريا، رأى مطر أن “الملف السوري سيتعقّد مجدداً مع وصول بايدن، الذي يميل أكثر إلى حماية نفوذ الكرد في منطقة شرق الفرات”، لافتاً إلى أن هذا الأخير “يدعم فرض العقوبات على الحكومة السورية”.
كما، يعتبر مطر أن بايدن أكثر تشدداً تجاه الروس بالعموم، وقد يكون من الصعب التوصل معهم لاتفاق حول سوريا.
أما بالنسبة إلى فلسطين المحتلة وقرارات إدارة ترامب بحقها، قال الدكتور مطر إن “الديمقراطيين معارضون لخطة ضم الضفة الغربية، ولأنها بنظرهم ستضرب عملية السلام وحل الدولتين”.
بماذا يشترك بايدن وترامب؟
في الختام، يرى مطر أنه وبحسب الاستطلاعات الحالية من المرجح أن يكون الكونغرس ذو أكثرية للديمقراطيين، وإذا كان بايدن الرئيس هذا سيعطيه مرونة للعمل بالسياسة الخارجية بشكل سريع وفعال.
أما إذا كان ترامب الموجود مع الكونغرس بقيادة الديمقراطيين “سيُفرضون عليه قيوداً شديدة”.
الجدير بالذكر أن الطرفين متفقان على عدم التورط في حروب في المنطقة، وعلى محاولة كبح النفوذ الصيني الروسي فيها.
والشيء المشترك بينهما أيضاً هو مواصلة العمل من ضمن ما يعرف بالـ “منطقة الرمادية” بما تشمله من العقوبات المالية والاقتصادية والأعمال الأمنية والهجمات السيبرانية والعمل من خلال الوكلاء. لكن ستختلف الأولويات ومستوى المغامرة والأسلوب.