المشهد اليمني الأول/
تكشَّف أخيرًا ما كان يُدار تحت الطاولة، وأعلنت الامارات ما أسمته “اتفاق سلامٍ” و”تعاونٍ مشتركٍ” مع الكيان الصهيوني في مختلف المجالات برعاية أمريكية، وهرولت البحرين بعدها لتحتل المرتبة الثانية في العمالة والتصهين.
لم يكن ذلك جديدًا، أو مستبعدًا فالعديد من الدول العربية باتت تؤسس لهذه الاتفاقيات مسبقا، وكمثال على ذلك كانت الامارات قد سمحت لـ”اسرائيل” بافتتاح ممثلية دبلوماسية ومكتب تجاري عام 2015 في أبو ظبي، أما ما استجد اليوم فهو ابراز تبعيتها التامة لعدو الأمة للعلن.
في هذا الشأن، يتحدث رئيس الوفد الوطني اليمني والناطق الرسمي باسم حركة “أنصار الله” محمد عبد السلام لموقع “العهد” الاخباري: “أجندة دول الاستكبار من وراء اتفاقات التطبيع بدايةً مع الامارات ثم البحرين، خلق حالة من الواقعية في خطوة غير شرعية، ومحاولة اعطاء هذه الخطوة غير الشرعية بُعدًا يشبه الاجماع، لتتشجع بعض الدول التي قد تكون متحفظةً على قرار التطبيع أو خائفةً منه لاعتبارات داخلية أو خارجية.
باعتبار أن التطبيع يعتبر فضيحة سياسية كبيرة وتراجع كبير عن كل عناوين القضية الفلسطينية، ولهذا نحن نعتقد أن محاولة اعطاء التطبيع خطوات متتالية هو في محاولة جر البقية إلى مربع التطبيع”.
ويشير رئيس الوفد الوطني اليمني الى أن “للولايات المتحدة الأمريكية مصالحها من رعاية تلك الاتفاقيات”، فبحسب الأستاذ عبد السلام: “الموقف الأمريكي يستخدم هذا التطبيع لصالح الانتخابات ولصالح ترامب شخصيًا، ويقول صراحةً إنه يحقق انجازات قبيل الانتخابات، ولذلك حتى هذه الخطوة هي تُقدم بشكل رخيص على طبق الانتخابات الأمريكية لمصالح ترامب”.
الحرب على اليمن عربية أم عبرية؟
الهزلية الأكبر في هذا السقوط الاماراتي – البحريني هو عدوانهم على اليمن منذ ألفي يومٍ تحت دعاوى إعادة اليمن إلى حضن العروبة، فإلى أي حضنٍ أرادوا حقيقةً ارجاع اليمن؟
إن تحالف العدوان الأمريكي السعودي الذي تكالبت فيه دول عربية ضد الشعب اليمني، بمزاعم إعادته إلى الحظيرة العربية، تبددت اليوم باتفاقيات الاستسلام مع الكيان الصهيوني، وأُحرِقت الشماعة التي حورب اليمن لأجلها ست سنين وما زال.
والحقيقة أن اليمن خلال الأعوام الست كان يواجه المد الصهيوني – التكفيري، وبدا أخيرًا ما أُرِيد باليمن وشعبه.
يفسر عضو المكتب السياسي لـ”أنصار الله” الأستاذ عبد الوهاب المحبشي هذه التناقضات “للعهد” بالقول: “هذه المفارقة في مواقف دول تحالف العدوان نتيجة استمراء الدجل وتحوله إلى صناعة، وهو نتيجة ضخ الأموال وبروباغندا الإعلام والتجديف الفكري، بحيث أصبح المنطق السليم مستغربًا، إنها مرحلة المواجهة مع الدجال الأكبر ذاته”.
ماذا بعد التطبيع؟
أمام التطبيل والترويج للسلام مع صُنّاع الارهاب وقتلة الانسانية يؤكد عبد السلام لـ “العهد”: “لا شك إذا تم هذا التطبيع، فستتغرب القضية الفلسطينية بشكل أكبر، وسيصبح اليهودي الاسرائيلي أكثر حريةً في التنقل في المنطقة، وسينتقل من حالة المقاطعة إلى حالة التطبيع الطبيعي.
إلى ما لذلك من وضع أمني سيعمل عليه في خلخلة المنطقة وخدمة مشروعه، وكذلك في الجانب الاقتصادي والرحلات والتبادل التجاري، فيما ستصبح فلسطين قضية ينالها جزء من التغريب والوحشة”.
من ينصر قضية فلسطين!!
ربما ما تزال الشعوب العربية والاسلامية تائهةً في سكرة الفوضى الخلاقة، والدكتاتورية المضللة، حتى أصبحت بعيدة عن إدانة مواقف الخزي والعار، يوضح المحبشي لـ “العهد” أسباب صمت الشارع العربي:”بأن الشعوب أمام خيانة التطبيع مع الكيان الصهيوني في عزلٍ مفروضٍ عليها، فالأنظمة الخائنة فرضت على الشعوب تَقبُّل كل شيء، وحاربت أي وعيٍ فطريٍ فيها.
أما الشعوب التي كان منسوب العروبة مرتفعًا فيها فهي مهددةٌ بأوضاعها الداخلية، فقد تمكن العدو من تدمير دولٍ، ودولٍ أخرى على قائمة الإستهداف”.
وللأسف يبدو الموقف الجمعي للأنظمة العربية مائلاً أكثر إلى شرعنة التطبيع مع “اسرائيل”، فرفض جامعة الدول العربية إدانة التطبيع، يُعبر عن حالة الرضا والتماهي في المشروع الصهيوني، وقد وصف السيد عبد الملك الحوثي – قائد المسيرة القرآنية – موقف جامعة الدول العربية في كلمته الأخيرة بذكرى استشهاد الامام زيدٍ عليه السلام: “موقف ما يسمى بالجامعة العربية من التطبيع مع العدو الإسرائيلي لم يكن مفاجئًا بل متوقعًا، ونتوقع أن يكونوا جبهة واحدة وصريحة مع الصهاينة”.
إن الرهان اليوم في نصرة القدس والأقصى يقع على عاتق من صرخ في وجه أمريكا و”اسرائيل” من أحرار الأمة على امتداد خط المقاومة، حيث ينوّه المحبشي: “أن دور اليمن ومحور المقاومة واضح من الآن، وبالنسبة للانكشاف الكبير للخيانة، فهو شيء إيجابي في جانب انتهاء الخداع وانكشاف الحقائق، وسيكون عامل وعي كبيرًا لأحرار الأمة”.
كما يؤكد الأستاذ محمد عبد السلام “للعهد” : ” نحن نعتقد أن المعول هو على شعوب المنطقة وعلى حركات المقاومة الاسلامية فيها، وعلى بعض الأنظمة التي قد تكون ما زالت تحافظ على نوعٍ ما من التمسك بالقضية الفلسطينية”.
ويضيف عبد السلام: “يَلزم أن يكون هناك تحركٌ أولاً من جانب الفلسطينيين أنفسهم، ونحن ندرك أن الذي كان يُوقف المقاومة الفلسطينية عن التقدم هي المهاترات العربية التي فَرضت على بعض الحركات الموجودة في فلسطين أن يكون موقفها متراجعًا. الذي ظهر اليوم من الرهان على الموقف الرسمي العربي وهمٌ وسرابٌ وخيالٌ وربما في لحظة من اللحظات ينقلبون أكثر على القضية الفلسطينية برمتها”.
لقد باتت الصورة واضحة لمن له قلبٌ ووعيٌ وبصيرة، وبات شق النفاق مفضوحًا وجليًّا أكثر من أي زمنٍ مضى، أن التطبيع مع الكيان الصهيوني هو ميزان هذا العصر الذي يَفْرُق العالم العربي والاسلامي إلى جبهتين هما جبهة النفاق والتصهين، وجبهة التمسك بالدين والعروبة وبالأم فلسطين.