المشهد اليمني الأول/
تصدت قبائل المهـرة للمليشيات المسلحة التي حشدها «الانتقالي» السبت الماضي بهدف التظاهر المسلح في مدينة الغيظة عاصمة المحافظة، وقامت قبائل المهـرة بالتصدي للمسلحين الذين جلبهم الانتقالي التابع للنظام الإماراتي من خارج المحافظة بهدف إسقاطها، كان ينوي الانتقالي تأييد الحكم الذاتي، وهو عنوان خادع لاحتلال المحافظات الجنوبية وإسقاطها على غرار ما حدث في سقطرى.
وهو ما اعتبره قائد الحراك الشعبي في المهـرة الشيخ علي الحريزي مخططاً إماراتياً سعودياً لخلط الأوراق واحتلال المحافظة التي ظلت تقاوم التواجد السعودي منذ العام 2017م باعتصام سلمي تحول مع بروز المخطط الذي ينفذه الانتقالي إلى مقاومة مسلحة يقودها الحريزي.
فشل الإنتقالي
وتراجعت المليشيات المسلحة عن إقامة فعالية كانت مقررة السبت الماضي بعدما وجدت نفسها محاصرة من قبل الهبة الشعبية لأبناء المهرة، وهي قوة قبلية هائلة من أبناء وقبائل المهـرة قامت بمحاصرة المليشيات العميلة وتطويق ساحة العروض في الغيظة التي كان مقررا إقامة الفعالية فيها الانتفاضة السلمية التي ظلت عليها قبائل المهـرة .
فقد تحولت مع بروز المخططات الجديدة إلى كفاح مسلّح دعا له الشيخ الحريزي ضدّ الاحتلال السعودي والإماراتي في أهمّ محافظة يمنية، يطمح النظامان السعودي والإماراتي إلى السيطرة عليها.
واعتبر الحريزي استجلاب مسلحين من خارج المحافظة مخططاً عدوانياً يهدف إلى إخضاع المحافظة، مؤكدا أن قوى الاحتلال السعودي والإماراتي تسعى إلى إغراق المحافظة في الفوضى والصراعات، لتتمكن من السيطرة على المحافظة، متعهدا بالدفاع المسلح عن المهرة، وداعيا كافة قبائلها إلى التصدي للمخططات السعودية والإماراتية الرامية إلى احتلال المحافظة وضرب أبنائها بعضهم البعض.
تعبيد الطريق لاحتلال المهـرة
يسعى تحالف العدوان والاحتلال السعودي الإماراتي إلى إغراق المهـرة في صراع الأدوات الحاصل في المناطق الجنوبية، ويريد من خلال تواجد الانتقالي تمرير خارطة التقاسم المتفق عليها مسبقا تفجير الصراع في محافظة المهرة التي كانت ولا تزال في منأى عن الصراعات والفوضى التي تصنعها قوى الغزو والاحتلال وأدواته في المحافظات الجنوبية المحتلة وذلك من خلال التصعيد المتعمد من قبل ميليشيات ما يسمى المجلس الانتقالي المدعوم من الامارات، وتحشيده لمناصريه في المحافظات الجنوبية المحتلة للتوجه صوب مدينة الغيظة وإحكام السيطرة عليها بإقامة فعالية كبرى يتم فيها اعلان تأييد الحكم الذاتي.
كما حدث في سقطرى – لكن قبائل وأبناء المحافظة أدركوا المؤامرة الخطيرة التي تحاك ضد محافظتهم كما يقول متابعون – وسارعوا إلى التحشيد، وإعلان انتفاضة ثالثة بقيادة الشيخ البارز علي الحريزي، وقامت بتنفيذ أول مهمة لها بإغلاق كافة الطرق المؤدية إلى المحافظة ومنع ميليشيات الانتقالي من الدخول إليها، والانتشار في ساحة العروض وسط مدينة الغيظة محذرين تحالف العدوان وأدواته من مغبة الإقدام على أي تحركات تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المهـرة، مجددين مطالبتهم برحيل قوات الاحتلال السعودي من أراضيهم.
وفي هذا السياق قال وكيل محافظة المهرة السابق الشيخ علي سالم الحريزي، إن ما يحصل في المهـرة من تصعيد لما يعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” إشارة قوية من السعودية والإمارات لإحكام السيطرة عليها، وتحويلها إلى ساحة للفوضى والصراعات، كما هو حال المحافظات الجنوبية المحتلة.
كما وكشف في تصريح لقناة الجزيرة أن هناك استراتيجية سعودية إماراتية في المهرة وهما يسابقان الزمن لتحقيقها، محملا التحالف السعودي الإماراتي مسؤولية كل ما يحصل في محافظة المهـرة.
وأكد أن ما يسمى اتفاق الرياض وكل ما يخرج من الرياض هو مؤامرة لتفكيك البلاد وتمزيق النسيج الاجتماعي، ولفت الشيخ الحريزي إلى أن بناء المهرة الأحرار لن يخضعوا لتحالف العدوان والاحتلال إن تعامل مع الانتقالي كشريك.
وقال إن قبائل المهرة استبقت مخطط تحالف السعودية والإمارات لتكرار سيناريو سقطرى، مشيرا إلى أن قبائل المهـرة تداعت من كل مكان للدفاع عن المحافظة وتأمينها.
وكان الحريزي أكد أن قبائل المهرة جاهزة للدفاع عن المحافظة، وقال، خلال اجتماع لأعضاء لجنة الاعتصام، إن المهـرة لن تسمح لمليشيات الانتقالي بالتوغل في المحافظة، متوعدا القوات السعودية بالاستهداف في حال دفعت الانتقالي إلى خطوات تصعيدية.
واعتبرت قبائل المهرة أن اعتزام الانتقالي تنظيم مظاهرة في مدينة الغيظة مركز المحافظة، مخطط هدفه جر المحافظة إلى الفوضى.
وفي مواجهة التصعيد الأخير للتحالف العدوان والاحتلال وأدواتهما أغلقت السلطات المحلية في المحافظة يوم الجمعة الماضيه حدودها البرية مع محافظة حضرموت، ومنعت أجهزة أمن المحافظة مجاميع تابعة للانتقالي من حضرموت وبعض المحافظات الجنوبية من دخول المحافظة.
وقالت مصادر محلية إن الانتقالي حاول مؤخرا الدفع بأكبر عدد من أنصاره من حضرموت والضالع وعدن وشبوة إلى محافظة المهـرة للمشاركة في المظاهرة التي دعا إليها، والتي كان يسعى من خلالها لإحكام قبضته على المحافظة، تمهيدا لإعلان الحكم الذاتي فيها.
التلاحم القبلي والإجماع الكبير من قبل أبناء محافظة المهـرة والهبة الشعبية لجميع مكوناتها القبلية والسياسية، جاء واضحا أيضا على لسان رئيس لجنة الاعتصام السلمي بالمهـرة، عامر سعد كلشات الذي أكد رفض أبناء المحافظة لخطوات الانتقالي والتحالف السعودي المزعزعة للأمن والاستقرار في المحافظة، مؤكداً استعداد اللجنة لمواجهة التصعيد بتصعيد آخر مماثل.
وقال «نحن أمام خيارات صعبة ومخيفة، لكننا مضطرون للوقوف جميعاً للدفاع عن محافظة المهـرة ».
وأشار إلى إن محاولة الانتقالي ومن ورائه الاحتلال خلق فوضى في المحافظة وفرض ما أسماه «احتكاكات» أمر مرفوض وسيواجه بتصعيد كبير من قبل جميع ابناء المحافظة، وكشف عن حشد جماهيري كبير لأبناء المهـرة ومن كافة المناطق والمديريات أمام بوابة مطار الغيظة، لتحميل قيادة التحالف السعودي مسؤولية أي احتكاكات أو تصادمات قد تحدث.
ولفت إلى وجود مخطط سعودي لجر محافظة المهرة إلى مربع الفوضى والصراعات، من خلال استدعاء المحافظ محمد علي ياسر إلى الرياض في ظل الظروف الخطيرة التي تمر بها المحافظة، وذلك في خطوة تهدف إلى إسقاط المحافظة.
وتأتي التحركات الأخيرة لتحالف الاحتلال عقب الاتفاق على وثيقة التلاحم التي أجمعت عليها كل المكونات القبلية والسياسية في المهرة وكان مقرراً التوقيع عليها منتصف الاسبوع الماضي بهدف تجنيب محافظتهم الفوضى والصراعات، فعمد تحالف الغزو والاحتلال الى إجهاضها، والدفع نحو تفجير الوضع داخل المحافظة، بعد فشل كل محاولاته الماضية في تمزيق النسيج الاجتماعي لأبناء المهـرة.
وأرجع الناطق الرسمي باسم اعتصام المهرة سالم عبدالله بلحاف هذا السعار المحموم لتحالف الاحتلال إلى فشله في محاولات تمزيق النسيج الاجتماعي في محافظة المهـرة، وإفشال التوقيع على وثيقة التلاحم، واستباق نتائج اللجنة التي يقودها الوزير محمد بن عبدالله كدة لجمع المكونات السياسية والقبلية في المهرة، والتي تسعى لجمع كلمة أبناء المهرة من خلال وثيقة تلملم أبناء المهرة وتمنع السيناريوهات التي حدثت في عدن وأبين وشبوة وسقطرى التي صنعتها السعودية والإمارات».
كما دفع الاحتلال السعودي الإماراتي بالانتقالي لتنفيذ هذا المخطط بعد فشل محاولاته السابقة بجلب المليشيات واستمالة بعض الشيوخ في المهرة، وأكد بلحاف أن دعوات ما يسمى بـ”الإدارة الذاتية” خداع للبسطاء عبر الشعارات والوعود المعسولة، لكنها في النهاية تهدف إلى أحكام السيطرة على منافذ المحافظة والميناء وإيهام الناس بإعادة الإعمار» متسائلاً «هل يعقل أن يعمر في المنافذ ويبني منشآت عسكرية وسجوناً.
وشدد على أن أبناء المهـرة واعون لم تعد تنطلي عليه مثل هذه الأكاذيب وبتلاحمهم سيفشلون هذا المخطط كما أفشلوا المخططات السابقة.
ويسعى ما يسمى بالمجلس الانتقالي لتكرار مخططه في سقطرى المهرة لتكون المحافظة الثانية التي سيستولي عليها تحت ما يسمى الحكم الذاتي، وهو ما بدا واضحا في تصريحات رئيس ما يسمى بالإدارة الذاتية للجنوب المرتزق الاماراتي أحمد بن بريك الذي أكد في خطاب له في فعالية بالمكلا أن المهـرة هي المحافظة القادمة التي سيفرض فيها الانتقالي ما سماها بالإدارة الذاتية، فعمد بدعم من الرياض وأبو ظبي إلى شراء ولاء عدد من مشائخ القبائل والشخصيات الاجتماعية والعسكرية.
غير أن الجبهة المقاومة للاحتلال السعودي الإماراتي نجحت في إفشال مخطط السيطرة على قبائل آل عفرار عبر شراء ولاء شيخ مشائخها إذ قامت بعقد مجلسها العام وانتخاب شيخ جديد.
ويرى مراقبون أن بوادر مواجهات مسلحة تلوح في الافق في ظل إصرار تحالف العدوان على تسليم المحافظة للمجلس الانتقالي، وهو ما ترفضه قبائل المهـرة وأبنائها جملة وتفصيلا، فهي تمتلك أجنحة مسلحة وعتادا عسكريا كبيرا، ولن تسمح بتمرير مخططات تحالف العدوان وأدواته في المحافظة بأي شكل من الأشكال، وبالتالي فإن احتمالات تفجر المواجهات بين أبناء المهرة ومليشيا الانتقالي واردة إلى حد كبير.
مقاومة مسلحة لمواجهة المخططات السعوإماراتية
وفي سياق تصاعد الأحداث التي تشهدها المحافظة دعت منظمة «مرس» للدراسات والاستشارات في المهرة، جميع أبناء المحافظة، وفي مقدمتهم الوجاهات القبلية والشخصيات الاجتماعية للوقوف صفا واحدا ضد سياسة الاحتلال التدميرية للأرض والإنسان المهري.
وأكدت – المنظمة في بيان لها – رفضها محاولة تحويل المحافظة إلى ساحة صراع، لتنفذ مخططات الاحتلال السعودي الإماراتي ،ولفتت إلى أن قوى الاحتلال تهدف إلى وجود حالة من الإرباك في المحافظة لتنفيذ مخططاتها الاحتلالية وتوسعها أكثر.
كما دعت كافة منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لرصد انتهاكات قوات الاحتلال السعودي الإماراتي وكشف مخططاته الاستعمارية وتغذيته للصراعات في المجتمع المهري، كونها محافظة سلام وملاذ آمن لكل اليمنيين من مختلف المحافظات الأخرى.
الهبة الشعبية والاعتصام السلمي باكورة التصدي المسلح للإحتلال
شهدت المهرة أول انتفاضة قبلية شعبية منظمة ضد تحالف الاحتلال مطلع العام 2018م ضد التواجد العسكري السعودي مطالبين بخروج قوات الاختلال من المهرة، وسبقه حراك شعبي عام 2017م مناهض للتواجد الإماراتي الذي سبق القوات السعودية.
ومع تصاعد الاحتجاجات الشعبية الرافضة للاحتلال الإماراتي، اتفقت حكومة الارتزاق مع الرياض ومع السلطة المحلية في المهرة على احلال قوى سعودية بدلا عن الإماراتية بهدف إخماد الاحتجاجات وإسكات الأفواه المعارضة.
وبدأ وصول قوات الاحتلال السعودي إلى المهرة في نوفمبر 2017م بعد انسحاب القوات الإماراتية، وفشلها في إنشاء مليشيات محلية تابعة لها كما حدث في شبوة وحضرموت.
في البداية حاول الاحتلال السعودي تكرار تجربة الإمارات فشكل ميليشيات محلية من خارج محافظة المهـرة ، وأغلبيتها من عدن وأبين عُرفت محلياً بقوات الردع السريع، وكان لها صيت سيئ، وهي كتيبة مؤلفة من جنود ملثمين يرتدون ملابس سوداء ويتجولون في سيارات الدفع الرباعي السوداء بطريقة تشبه قوات مكافحة الإرهاب، لكنها فشلت في مهمتها، ما دفع بالسعودية إلى التدخل المباشر، فاستقدمت 1500 جندي، تحت غطاء تدريب القوات المحلية والتصدي لما أسمته بـ”تهريب الأسلحة”، ونشرت ما بين 1500 -2000 جندي سعودي في جميع أنحاء المحافظة.
وفي 11 نوفمبر 2017م وصلت أول دفعة من جنود الاحتلال السعودي إلى مطار الغيظة المدني برفقة ضباط سعوديين و21 ضابطاً مهرياً سبق تدريبهم في مدينة الطائف السعودية، فقامت قوات الأمن المحلية مسنودة برجال القبائل بمنعها من السيطرة على المطار، بسبب عدم تنسيق وصولهم مع السلطات المحلية أو الأجهزة الأمنية أو «هادي»، فتدخل الشيخ «عبدالله بن عيسى آل عفرار» للتوسط من أجل التهدئة،
وفي 14 نوفمبر 2017م وجه الجنرال الفار «علي محسن الأحمر» بالسماح للقوات السعودية بالدخول، لكن المهريين رفضوا فتح الطريق دون موافقة من السلطة المحلية.
ولتحديد موقف جماعي لأبناء المهـرة تم عقد اجتماع بين ممثلي السلطة المحلية ولجنة أمن المحافظة والمجلس العام والقبائل في 15 نوفمبر 2017م حدد الاجتماع «ستة» شروط للسماح بنشر القوات السعودية وأهمها عدم تحويل المطار إلى ثكنة عسكرية، وضرورة التنسيق بين القوات السعودية والسلطة المحلية.
تصعيد الانتفاضة بعد انكشاف المخططات الإحتلالية
لكن الاحتلال السعودي سرعان ما انقلب على الاتفاق في مارس 2018م وحول مطار الغيظة إلى ثكنة عسكرية، وتضم الثكنة قيادة عمليات مركزية لجمع المعلومات الاستخبارية وتنظيم المهام والإشراف على معسكرات الجيش السعودي الرئيسية الستة في المحافظة، والتي بدورها تنسق بين الوحدات والمواقع العسكرية الأصغر، وأُضيفت تدابير أمنية جديدة في المنشأة، تُقيّد الوصول حتى بالنسبة لمسؤولي حكومة الفار هادي ومسؤولي الأمن، وإلغاء الرحلات الجوية المدنية نهائياً.
ومن ثكنتها الرئيسية في مطار الغيظة بدأت القوات السعودية الاضطلاع بدورٍ موازٍ لدور الجهاز الأمني الحكومي في المهـرة، حيث يتم إطلاق عمليات الاستطلاع الجوي وغيرها من العمليات من مركز القيادة في الثكنة بشكل متجاوز للسلطة المحلية، التي أصبحت مهمشة كلياً.
وفي أوائل 2018م أُنشئت ثكنة عسكرية في ميناء «نشطون» الاستراتيجي، كما تم إنشاء ثكنات رئيسية في «حات» و»جدوة» و”درفات” و”لوسيك”، كما فتحت 5 قواعد رئيسية أخرى، بعضها و 20 موقعاً وواستحداث نقاط تفتيش عسكرية.
وكشفت قناة الجزيرة القطرية في تقرير لها بعنوان «المهـرة النوايا المبيتة»، نشرته بتاريخ 19 يناير 2020م، نقلا عن وثائق سرية ومصادر محلية قيام السعودية بنشر قواتها في مناطق إستراتيجية على أكثر من 30 معسكراً وثكنة عسكرية تدار بواسطة ضباط سعوديين من مطار الغيظة.
إجراءات قسرية وحصار سعودي خانق
فرض الاحتلال السعودي حصاراً خانقاً على محافظة المهـرة منذ اليوم الأول لتواجده المسلح والمدجج بالدبابات والمروحيات في العام 2017م، واتخذ إجراءات مشددة على الواردات العمانية إلى المحافظة، وسلسلة من الإجراءات والقرارات التعسفية بحق أبناء المهـرة منها:
منع الصيادين من الاقتراب من المواقع العسكرية السعودية على سواحل بعض المديريات، ومنع الصيد بشكل كامل في فترة ما بعد العصر، ووضع إجراءات أمنية إضافية في منفذ «شحن»،.
وفي أغسطس 2018م أجبر الاحتلال السعودي السلطة المحلية على رفع الرسوم الجمركية على العديد من الواردات بنسبة 80%، وإصدار تعليمات تقضي بعدم قبول المستندات الجمركية الصادرة من منطقة التجارة الحرة العُمانية، في محاولة للقضاء على التجارة الحدودية مع اليمن.
وفي يوليو 2019م، فرضت السعودية رسوماً جمركية قاسية على واردات اليمن من منافذ المهرة الحدودية مع سلطنة عمان، في محاولة لمنع الصادرات العمانية، وبالتالي الحد من نفوذ السلطنة، المعيق لنفوذ الرياض في المهـرة.
وفي ظل هذا التواجد العسكري الكبير والاحتلال السعودي الواضح للمهرة وتضييق الخناق على أبنائها أعلن الشيخ علي سالم الحريزي- وهو أحد كبار المشائخ في المحافظة وقائد الحراك الشعبي في المهـرة – أعلن الانتفاضة الثانية لأبناء المهـرة ضد التواجد العسكري السعودي بعد أن نقضت الرياض اتفاقها معهم إثر المرحلة الأولى من الحراك المناهض لها.
وحذر الشيخ الحريزي حينها من تحويل سواحل المحافظة إلى معسكرات سعودية، مؤكداً أن عودة الاحتجاجات تأتي تماشيا مع دعوة لجنة الاعتصام لرفع تعليق الاعتصام الذي استمر شهرين، بعد تجاهل السعودية التي تواصل حشد قواتها العسكرية إلى المحافظة غير مبالية بمطالب المحتجين.
وقال الشيخ الحريزي – الذي أقيل من منصبه نتيجة موقفه المؤيد لمطالب المحتجين- إن سواحل المهرة اليوم كلها معسكرات سعودية من الدمخ إلى حوف، وهو ما يحرم أبناء المحافظة منها بشكل كامل، كما حرموا من المطار وكثير من المناطق التي احتلتها القوات السعودية في المحافظة.
وأوضح الحريزي – الذي كان يشغل منصب قائد حرس الحدود- أن الاعتصام في المسيلة يأتي اعتراضاً على تواجد القوات السعودية في سواحل المسيلة، مؤكداً أنها أصبحت مركزا للقوات السعودية المحتلة.
وأخذت الاحتجاجات القبلية لأبناء المهرة تتصاعد ضد المحتل السعودي في العاصمة الغيظة وفي عدد من مدن المحافظة من خلال تداعي الآلاف من المهريين إلى ساحات الاعتصامات للمطالبة برحيل الاحتلال من أرضهم، ويتوعدون بمواجهات مسلحة في حال لم يستجب الاحتلال لمطالبهم.
ولم يقتصر هذا الحراك المتصاعد على رجالات المهرة فقط، بل كان للنساء المهريات حضور فاعل في هذه الاحتجاجات، وأكدن في عدة وقفات احتجاجية الرفض القاطع للأطماع والتدخلات الخارجية في المهرة، وطالبن برحيل الاحتلال السعودي عن محافظتهن.
أطماع سعودية قديمة أحبطها أبناء المهـرة
منذ وجودها الطارئ ظلت مملكة العدوان السعودي تتربص بالمهـرة وتنتظر لحظة زمنية تنقض فيها على المحافظة الغنية بالموارد والثروات، ولم يكن هذا وليد عدوان «العاصفة» بل كانت أطماع قديمة أعادت السعودية الغازية طرحها ضمن أجندات حربها على اليمن، وحاولت بناء نفوذ واسع في الأوساط القبلية ونسج علاقات مع شيوخ ونافذين في هذه المحافظة المهمة، لتهيئة الأرضية المناسبة لاحتلالها.
حيث بدأ النظام السعودي بتأسيس امتدادات له في محافظة المهـرة في ثمانينيات القرن العشرين من خلال تجنيس شيوخ القبائل البارزين، بمن فيهم «عبد الله بن عيسى آل عفرار»، ابن آخر سلاطين المهرة، ومنحهم إقامة سعودية ووثائق سفر ومزايا مالية، ويعيش في السعودية ثاني أكبر عدد من المهريين المتجنسين بعد سلطنة عمان.
ولأن «بن عفرار» كان على اطلاع بطموحات الرياض التاريخية، فقد فشلت كل محاولات الاستمالة السعودية منذ بداية انطلاق عدوان العاصفة على اليمن، ما دفع في السعودية إلى تحريك أوراق أخرى لتمرير سياستها في المهـرة، منها:
– شراء ولاء بعض المشائخ ورجال القبائل ومسؤولي السلطة المحلية.
– تقديم سيل من الوعود بتحسين الأوضاع المعيشية لسكان المنطقة.
– تقديم المعونات الإنسانية والمشاريع الخيرية لتحسين الصورة.
– وعود بإعادة الإعمار وشق الطرق وبناء المشافي والمدارس.
– استبدال قيادات السلطة المحلية غير المتعاونين، وتعيين بدائل طيّعين، وتقديم إغراءات مادية وامتيازات للبعض منهم، وأهم القيادات المقالة المحافظ السابق «محمد عبدالله بن كده» في 27 نوفمبر 2017م بعد رفضه تدخل المحتلين في شؤون المحافظة، واستبداله برجل الرياض المدلل «راجح سعيد باكريت»، وفي فترة تولي «باكريت» توسعت السعودية بشكل كبير، وارتكبت العديد من جرائم القتل والاختطافات والتعذيب.
معسكر مفتوح
ورغم أن السعودية باتت تسيطر اليوم بشكل كلي على مطار المحافظة والمنافذ الحدودية والميناء البحري الرئيسي، وقامت ببناء أكثر من 10 قواعد عسكرية حول المحافظة يتمركز فيها الآلاف من جنود التحالف وأدواته جرى حشدها من محافظات جنوبية أخرى.
وكشف مسؤول دائرة التواصل الخارجية في «لجنة اعتصام قبائل وأبناء المهـرة » أحمد بلحاف أن الاحتلال السعودي حول محافظة المهـرة المسالمة الآمنة إلى معسكر مفتوح وإنشأ 33 معسكراً على أراضيها، مزدوجاً بكامل الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة بالإضافة إلى 180 دبابة، ومئات الآليات العسكرية الحديثة التي تنتشر في المحافظة، لكن بلحاف يؤكد أن مطامع السعودية ستُدفن في رمال المهـرة، ولن تتوقف احتجاجات أبناء المحافظة إلا برحيل القوات المحتلة.
ويمثل الحراك المهري أول صرخة شعبية جنوبية في وجه تحالف العدوان السعودي – الإماراتي في الجنوب المحتل والشرارة التي سينتقل وهجها إلى بقية المحافظات الخاضعة للاحتلال.
وينظر جميع أبناء اليمن الشرفاء إلى الحراك المهري على أنه شعلة اتقدت وسط الظلام، وأن ضوءها سيشع إلى بقية المحافظات التي ترزح تحت وطأة وظلام الغازي المحتل، فيما يشير مراقبون إلى أن الموقف الموحد لأبناء محافظة المهـرة يعد حجر الزاوية لصمودها ومقاومتها للمخططات الاحتلالية، وأن الأطماع السعودية قديمها وجديدها تساقطت بفعل وعي ووطنية قبائل المهرة وأبنائها وتصديهم للأجندات العدوانية المغلفة بعناوين وقوالب عديدة.