المشهد اليمني الأول/
لقد غُيّبت واقعة تنومة عن وعي اليمنيين لعشرات السنين، بسبب سياسات الحكومات المرتهنة لآل سعود إذ مُنع الناس من إحيائها وتم تضليل الرأي العام بتبرئة آل سعود، فنشأت 3 أجيال لا تعرف شيئاً عن تفاصيل هذه المجزرة لكن بعد ثورة 21 سبتمير/ أيلول 2014 التي أطاحت بجميع الحكام العملاء والمرتهنين للخارج أصبحت الذكرى في طليعة اهتمامات اليمنيين الذين تصدّوا بمختلف قواهم السياسية والشعبية لكشف جرائم السعودية بحق الشعب اليمني.
في 17 ذي القعدة1341ه الموافق لـ1 يوليو، تموز 1923م، أي قبل ما يقارب المائة عام قامت السعودية بإرتكاب واحدة من أفظع المجازر التي ارتكبت بحق المسلمين، في وادي تنومة بمنطقة عسير وقد راح ضحيتها أكثر من 3 آلاف حاج يمني من النساء والرجال والكبار والصغار على حد سواء، بين قتيل بالبندقية وذبيح بالسيف والخنجر.
ثم نشرت جندها لسلب متاع الحجاج المضرّجين بدمائهم ونهب أموالهم كما لو أنها غنائم عادوا بها من معركة مع جيش جرّار من المشركين، كان ذلك، عقب سيطرة عبد العزيز بن سعود على مناطق نجد والحجاز وعسير، وإخضاعها لحكمه بقوّة السيف.
فمنذ بداية حكمه عام 1919 دأب على ارتكاب المجازر المروّعة لإثارة الرعب في النفوس وبالتالي التسليم له دون أية مقاومة، وتعد مجزرتي تنومة وسدوان اثنين من أشهر جرائم عبد العزيز.
كما جرت العادة، انطلق اليمنيون إلى حجّ بيت الله تحت إمرة أميرٍ واحدٍ وكان أمير الحج في ذلك العام هو السيد العلامة محمد بن عبدالله شرف الدين الذي تبلّغ من حاكم عسير الأمير عبد العزيز بن ابراهيم أمان الطريق.
وقد سارت القافلة من صنعاء في 6 شوال 1341ه، أما بقية الحجاج القاطنون خارج العاصمة فقد كانوا ينتظرون القافلة لينضموا إليها عندما تمرّ بأماكن تواجدهم، وفي هذه الأثناء سارع عبد العزيز في نشر جنوده النجديين في المناطق التابعة لعسير والتي ستمر منها القافلة.
بمجرد وصول الحجّاج اليمنيين إلى أطراف عسير استشعروا أنه ثمة من يتعقبهم لكن جواب حاكم عسير طمأنهم بعد أن قطع عليهم وعداً أن لا يتعرض لهم أحد، بحسب ما أورده الباحث حمود الأهنومي في كتابه “مجزرة الحجاج الكبرى”.
بعد دخول الحجاج إلى الأراضي السعودية اعترضت طريقهم سرية جنود من جيش آل سعود بقيادة الأمير خالد بن محمد (ابن أخ الملك عبد العزيز)، مسندةً بمجموعات تكفيرية بقيادة الوهابي سلطان بن بجاد العتيبي يُقال لهم الغُطغُط ثم أعطوهم الأمان ليعبروا.
وما إن وصل الحجّاج إلى وادي تنومة في عسير انقضّ عليهم جنود الفرقتين من كل حدبٍ وصوب بوحشية منقطعة النظير فقُتل أكثر من 3 آلاف حاج على الفور ولم ينجُ منهم إلا عدد قليل.
وقف الجند على جثث الحجاج مهللين مستبشرين بالجنة، ذلك أنهم كانوا يعتقدون أن من قتل واحداً من الحجاج اليمنيين نال قصراً في الجنة ومن قتل اثنين نال قصرين وهكذا.
يؤكد الباحث الأهنومي أن قرارَ تصفية الحجّاج صدر من الرياض، إذ لم يكن لأحدهم أن يجرؤ على اتخاذ هذا القرار بإستثناء عبد العزيز بن سعود وقد وصل القرار إلى يد حاكم أبها النجدي في الوقت الذي كان فيه الحجاج يجتازون الطريق بين أبها وتنومة وقد علم أنهم سيقضون أياماً في أبها ومن بعدها تنومة ثم عسير وبالتالي تمكن عبد العزيز من إعداد الجند والمجموعات الإرهابية للقضاء على الحجاج.
مجزرتين متتاليتين تنومة وسدوان
وفي تفاصيل الواقعة كما يرويها الباحث اليمني والتي هي عبارة عن مجزرتين متتاليتين وليست مجزرة واحدة، شرع الحجّاج بعد وصولهم إلى عسير في إعداد طعام الغداء دون أية دراية بما قد حيك لهم من مؤامرة إبادة شاملة وهم عزّل لا يملكون السلاح.
وما إن شارفوا على الإنتهاء من الطعام برز إليهم جيش ابن سعود الكامن لهم بعدما أحاطهم من كل الجهات وباشر بإطلاق النار على جباههم وصدورهم بشكل كثيف.
تحرَّك الحجيج الناجين مجتازين مناطق كثيرة وصولاً إلى أطراف بني الأسمر (سدوان)، وإلى حدود بني شهر في (تنومة)، “فحطَّت القافلة الأولى والكبيرة في تنومة، والتي تبعد عن أبها حوالي 125 كيلو متراً، فيما حطَّت قافلتان في سدوان الأعلى وسدوان الأسفل، واللتين تبعُدان عن تـنـومـة بحوالي 10 إلى 15 كيلو متراً، إلى الجنوب الشرقي منها…
فطلع الجند عليهم من أعلى الوادي وأسفله وهم على خيولهم وإبلهم، وهجم المشاة عليهم من رؤوس الجبال، وتابعوا الرمي عليهم ببنادقهم من كل جهة، فاستُشْهِد معظمُ من كان بهذا الوادي من الــحــجــاج، وقتِل أكثرُ دوابهم، وأُخِذَتْ أموالُهم، ولم يفِرَّ منهم إلا القليل”.
وهذه كانت المجزرة الأولى. أما المجزرة الثانية فقد وقعت في سدوان، حيث فعل بني سعود بالحجيج بعدما وصلوا إلى سدوان ما فعلوه في تنومة، مع العلم أن المجزرة الأولى كانت أكبر وأعظم.
وهذا يشير وفق الأهنومي إلى أن “النـاجــين كان أكثرهم من فرقتي سدوان، الفرقتين الأخريين، وأن عامل الوقت كان سبباً من أسباب نجاة الكثير منهم، بيد أن الوهابيين النجديين من عصابات آل سعود لم يكفِهم ذلك، بل انطلقوا لمطاردة الهاربين فمن أدركوه قتلوه”.
لم ينجُ من الحجيج أحد بإستثناء قلة تظاهروا بالموت بين الجثث الهامدة وأكملوا مسيرهم فيما بعد مسلوبين وعراة ليس عليهم سوى سراويلهم وذلك بعدما استولى الجند على كل ما كان يمتلكه الحجيج من أثقال ودواب، وأموال وأمتعة.
نجاح تغييب مجزرة تنومة المنسية
لقد غُيّبت واقعة تنومة عن وعي اليمنيين لعشرات السنين، بسبب سياسات الحكومات المرتهنة لآل سعود إذ مُنع الناس من إحيائها وتم تضليل الرأي العام بتبرئة آل سعود، فنشأت 3 أجيال لا تعرف شيئاً عن تفاصيل هذه المجزرة لكن بعد ثورة 21 سبتمير/ أيلول 2014 التي أطاحت بجميع الحكام العملاء والمرتهنين للخارج أصبحت الذكرى في طليعة اهتمامات اليمنيين الذين تصدّوا بمختلف قواهم السياسية والشعبية لكشف جرائم السعودية بحق الشعب اليمني وحجم الحقد الدفين الذي تكنّه لهم إلى يومنا هذا.
حاول آل سعود التنصّل من هذه الجريمة السافرة عن طريق الإدعاء بأن الجنود السعوديين ظنوا أن الحجّاج هم مجموعة مسلّحة من أهل الحجاز فاشتبكوا معهم، بيد أن وقائع الحادثة نفت نفياً قاطعاً ما روّج له آل سعود عبر أقلامهم المأجورة، إذ أن الجند السعوديين لم يقتلوا الحجّاج إلا بعد تتبعهم لمسافة طويلة حتى تأكدوا من أنهم لا يحملون السلاح فانقضّوا عليهم بل إنهم أعطوا الأمان للقافلة حتى تعبر ثم غدروا بالحجيج.
الإنتقام لمجزرة تنومة المنسية
وّذكراً المتحدث الرسمي للقوات المسلحة العميد يحيى سريع في بيانه الأخير العدو السعودي بذكرى المجزرة المروعة بحق الحجاج اليمنيين، مؤكداً أن شعبنا لم ينس بعد شهداء مجزرة تنومه والتي سقط فيها الآلاف من الحجيج اليمنيين من كل المناطق شهداء بعد أن تم قتلهم بدم بارد قبل مائة عام وذلك في مثل هذه الأيام على يد عملاء البريطانيين من الوهابيين التكفيريين.
وحول ذكرى هذه المجزرة، قال العميد سريع مخاطباً النظام السعودي: “اليوم دماؤهم تستنهض الكرامة اليمنية وتستنهض المشاعر الوطنية اليمنية “.