تطبيع عنيف.. طائرة إماراتية في تل أبيب وأخرى إسرائيلية في الخرطوم

701
المشهد اليمني الأول/

التطبيع العربي يتصاعد تحت مظلة “كورونا” هذه المرة.. طائرة إماراتية في تل أبيب وأُخرى إسرائيلية في مطار الخرطوم.. لماذا نعتب على السودان دون غيره؟

وهل تستحق السيّدة نجوى قدح الدم كسر كل المحظورات لاستقبال فريق طبي إسرائيلي لإنقاذ حياتها؟ وأين ستكون المُفاجأة التطبيعية المقبلة؟

باتَ من الصّعب علينا مُتابعة أنباء خطوات التّطبيع بين حُكومات عربيّة ودولة الاحتِلال الإسرائيليّ المُتزايِدة بشكلٍ لافتٍ هذه الأيّام، فبعد نشر أنباء عن مُشاركة فنّانين إسرائيليين من أصلٍ مغربيٍّ في حفلٍ أُقيم بمُناسبة عيد الفطر المُبارك في القناة المغربيّة الثانية، يتم الكشف اليوم عن حدَثين آخرين، الأوّل هُبوط طائرة إسرائيليّة في مطار الخرطوم حاملةً على متنها طاقم طبّي إسرائيلي جاء خصّيصًا لإنقاذ حياة الدبلوماسيّة نجوى قدح الدم مُهندسة اللّقاء الذي تمّ بين الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السّيادة الانتِقالي السوداني وبنيامين نِتنياهو في أوغندا في شباط (فبراير) الماضي، والثّاني، الإعلان في القاهرة عن اتّصالٍ بين وزيريّ الطّاقة المِصري والإسرائيلي يتّفقان خلاله على مُواصلة التّنسيق الإقليميّ وعقد لقاءٍ قريبٍ لمُنتدى غاز شرق المتوسّط الذي يجمع بين الطّرفين، ولا ننسى في هذه العُجالة، هُبوط طائرة إماراتيّة للمرّة الأولى في مطار تل أبيب حاملةً على متنها مُساعدات ومعدّات طبيّة للسلطة الفِلسطينيّة في رام الله، نفَت الأخيرة أيّ علمٍ لها بها، وأعلنَت رفضها استِلامها.

في الماضي، كان أصحاب هذه المُبادرات التطبيعيّة يبرّرونها بالقول أنّهم يُريدون دفع عمليّة السّلام من خِلال طمأنة دولة الاحتِلال على جديّة النّوايا العربيّة في التّعايش والقُبول بالآخَر الإسرائيلي إذا ما التزم بمُبادرة السّلام العربيّة التي تَنُص حرفيًّا على الانسِحاب الإسرائيليّ من الأراضي المحتلّة وقِيام الدولة الفِلسطينيّة، ولكنّ عمليّة السّلام هذه انهارت، والمُبادرة العربيّة ماتت وتحلّلت، ودولة الاحتِلال قتلت حل الدّولتين، وضمّت القُدس وهضبة الجولان، وتستعد حاليًّا لضم ثُلث الضفّة الغربيّة وغور الأردن، وتسارعت عمليّات التّطبيع.

ربّما تُبرِّر السّلطات المِصريّة مُضيّها قُدمًا في التّطبيع بوجود مُعاهدة “كامب ديفيد” التي جرى بمُقتضاها إقامة علاقات دبلوماسيّة رسميّة وعلنيّة بين الجانبين المِصري والإسرائيلي، فما هي مُبرّرات كُل من السودان ودولة الإمارات العربيّة المتحدة وقطر والمغرب وسلطنة عُمان؟

قبل أن “يُعايِرنا” البعض الذي يُؤيِّد عمليّات التّطبيع هذه ويُدافع عنها، ويُطالب بالمزيد منها، بالقول إنّ السّلطة الفِلسطينيّة في رام الله لا تُقيم علاقات رسميّة مع دولة الاحتلال فقط، بل تنسيقًا أمنيًّا أيضًا، وباتت تحفظ أمنه وسلامة مُستوطنيه في الأراضي المحتلّة، وهذا صحيح، ولكن هذه السّلطة لا تُمثِّل الشّعب الفِلسطيني، الذي رفض اتّفاق أوسلو الذي أعادها إلى رام الله، وأنّ الشعب الفِلسطيني يُقاوم الاحتِلال والسّلطة معًا، ويُقدِّم الشّهداء والجرحى والأسرى يوميًّا دفاعًا عن المقدّسات العربيّة والإسلاميّة في القدس المحتلّة، ويتوقّع من أشقائه العرب والمُسلمين دعمهُ وليس دعم الاحتِلال العُنصريّ الغاصِب.

تُخطِئ السّلطات السودانيّة خاصّةً، الأحدث في الانضِمام إلى مُعسكر التّطبيع، في الاعتِقاد بأنّ العلاقات مع دولة الاحتلال ستَصُب في خدمة مصالح الشّعب السوداني، بل ربّما يحدث العكس تمامًا، خاصّةً أنّه ينطبق عليها المثل الذي يقول “تذهب إلى الحج والناس راجعة”، فالدولة العبريّة تعيش أضعف أوقاتها، وتُواجه أزمات داخليّة وخارجيّة مُتفاقمة، في وقتٍ تتعاظم قوّة محور المُقاومة التي كانت عُضوًا فيه حتى الأمس القريب، وها هي أذرع هذا المحور العسكريّة تملك أسباب القوّة، وتَبُث الرّعب في صُفوف الإسرائيليين لما تملكه من أسلحةٍ وصواريخ ذاتيّة الصّنع.

نَخُص السودان باللّوم لأنّه، وشعبه، قدّم تضحيات كبيرة من أجل القضيّة العربيّة المركزيّة، وتعرّض لعُدوانٍ أمريكيٍّ لاحتِضانه فصائل المُقاومة الفِلسطينيّة، وخاصّةً حركتيّ “حماس” و”الجهاد” الإسلامي، ولَعِبه دورًا كبيرًا في إيصال الأسلحة إليهما في قِطاع غزّة، ولا يجوز التّضحية بهذا الإرث الجهاديّ المُشرّف جريًا وراء سراب الرّضاء الأمريكيّ الإسرائيليّ الابتزازيّ الذي لن يَصِل مُطلقًا، وإن وصَل سيكون مشروطًا بالهوان والإذلال، وكسر كرامة الشّعب السّوداني الأصيل.

التّقارب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي لن يحل أزمات السودان الاقتصاديّة، وإلا لكان حل أزمات الأردن ومِصر، لأنّ هذه الازمات لم تتفاقم بسبب التّباعد معه، وإنّما بسبب الفساد وسُوء الإدارة ونهب المال العام وغياب التنمية المُستدامة، والسياسات الداخليّة المُتخبّطة، مِثل الانحِياز إلى إثيوبيا في أزمة سد النهضة ثمّ التّراجع عنها، وإرسال قوّات سودانيّة للقِتال في اليمن من أجل فُتات المُساعدات الماليّة، التي لم تصل إلا النّذر اليسير منها الذي يذهب إلى جُيوب الفاسِدين، وليس إلى الشّعب السوداني، وشاهدنا التّجسيد الحيّ لما نقول عشرات ملايين الدّولارات في منزل الرئيس عمر البشير.

الرئيس البرهان رأس حربة التّطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي يتبنّى السّياسات الخطأ، وفي التّوقيت الخطأ، ويَجُر السودان إلى مرحلةٍ من عدم الاستقرار، فهل السيّدة نجوى قدح الدم، مُهندسة لقائه مع نِتنياهو، أهم مِن كُل أبناء السودان الآخرين الذين ماتوا أو يُواجِهون الموت،
بسبب فيروس كورونا حتّى يتم استِضافة طائرة وطاقم طبّي إسرائيلي من أجل إنقاذ حياتها.

كم من الجرائم تُرتكَب من قِبَل حُكومات آخِر الزّمان العربيّة باسم فيروس كورونا هذه الأيّام.