الوهم الزائف، والشراكة الأمنية مع تل أبيب..

645
المشهد اليمني الأول/

كشفت وزارة الخارجية الأمريكية عن مشاركة الکيان الإسرائيلي في مؤتمر أمني في المغرب. وجاء ذلك في بيان للوزارة بأن الکيان شارك في مؤتمر دولي حول مكافحة الإرهاب عقد في المغرب الأسبوع الماضي بمشاركة عشرات الدول.

وفي هذا الصدد، كتبت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن الکيان كان له وجود نشط في الاجتماع الأمني بالمغرب، ولم تكشف الحكومة الإسرائيلية عن اسم المسؤول الذي حضر الاجتماع لأسباب أمنية.

في الوقت نفسه، أشارت بعض المصادر الصهيونية والأمريكية إلى جهود الکيان الصهيوني لتطبيع العلاقات مع العرب، وكشفت أن الکيان يتفاوض مع الإدارة الأمريكية حول اتفاق تعترف الولايات المتحدة بموجبه بالسيادة المغربية على منطقة الصحراء الغربية المثيرة للجدل، وفي المقابل، يتخذ المغرب خطوات لتطبيع علاقاته مع الکيان الصهيوني.

الکيان الصهيوني: جزء من الحل أم مصدر المشاكل؟

كانت تصرفات الکيان الصهيوني على مستوى منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، مصحوبةً دائمًا بنهج يزعزع الاستقرار لتقويض أمن وقدرات الدول الإقليمية.

هذا الکيان الذي يجد نفسه في مأزق أيديولوجي وجيوسياسي، يجب عليه وفقًا لعقيدته الأمنية، أن يتخذ خطوات لخلق المشاکل لبلدان المنطقة في الداخل أو على المستوى الإقليمي، وذلك لتوفير الأمن لنفسه.

ولذلك، يبدو أنه طالما يجد الکيان الصهيوني نفسه في مأزق أيديولوجي وجيوسياسي على المستوى الإقليمي، وخاصةً أمام جيرانه، فسيعمد علی زعزعة استقرار المنطقة، وفقاً لمبادئه الأمنية.

إذن، ما يبدو واضحاً هو أنه بسبب عزلة الکيان الصهيوني، وبناءً على العاملين المذکورين، فإن هذا الکيان ليس فقط لا يستطيع بسبب طبيعته أن يتخذ خطوات لتأمين منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، بل يجب أن يتحرك بالضرورة في الاتجاه المعاكس، من أجل تأمين مصالحه الخاصة.

ولذلك، إن إجراءات هذا الکيان المزعزعة للاستقرار على المستوى الإقليمي، ودعم الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، ومحاولة تقسيم هذه البلدان في إطار خطة إستراتيجية لإضعاف الدول الإسلامية القوية في المنطقة، وكذلك المشاركة الفعالة في الأزمة السودانية والدور القوي لهذا الکيان في تقسيم أراضيه تحت اسم جنوب السودان، تتوافق تمامًا مع الطبيعة الأساسية لهذا الکيان، وهي خطوات يمكن التنبؤ بها تماماً من قبل الکيان الصهيوني، من منظور السياسات الأمنية.

تطبيع العلاقات؛ خلق الاستقرار الإقليمي أم تصعيد التوترات؟

بالنظر إلی الضعف الأمني والاقتصادي لبعض الدول العربية في المنطقة، وجهودها للحصول على دعم الولايات المتحدة لحل مشاكلها، واجهت هذه الدول دائماً شرط الولايات المتحدة المسبق لإقناع هذه الدول بتطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني.

في الوقت نفسه، دخل الکيان الصهيوني أيضاً في المعادلة التي وضعتها الولايات المتحدة، من خلال لعب دور الوسيط في العلاقات مع الولايات المتحدة وجذب الدعم الأمني والاقتصادي الأمريكي لبعض الدول العربية في المنطقة.

وفي هذا الصدد، تنوي بعض الدول العربية تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، للحصول على المزيد من الدعم الأمريكي، وکذلك تحديد الکيان الصهيوني كشريكها الأمني.

لکن السؤال الأساسي الآن هو، حتی إذا سلمنا جدلاً بحل المشاكل السياسية بين الدول العربية والکيان الصهيوني وتطبيع العلاقات، فهل هذا الکيان قادر بطبيعته على لعب دور في تعزيز الأمن الإقليمي؟

للإجابة على هذا السؤال يجب القول إنه على افتراض حل المشاكل السياسية بين الطرفين، وحتى تجاهل بعض الدول العربية للقضية الفلسطينية من أجل تحسين العلاقات السياسية مع الکيان الصهيوني، قد يخرج هذا الکيان من العزلة السياسية على المستوى الإقليمي، ولكن العنصر الأهم المؤثر على السياسات الأمنية لهذا الکيان، أي طبيعته الأيديولوجية، سيبقى دون تغيير في الأساس.

لذلك، بالنظر إلی التعريف الذي يقدمه الکيان الصهيوني عن نفسه، والتطلعات التي يری نفسه مضطرًا للسعي إلی تحقيقها، فمن المؤکد بأن عدم توافق تطلعات الکيان الصهيوني مع مصالح الدول العربية، سيحول دون قيامه بدور محقق للاستقرار في المنطقة، ومن المؤكد أن الکيان سيواصل دوره في زعزعة الاستقرار في المنطقة براحة أكبر.

ولذلك، على المدى البعيد، ستؤثر السياسات الأمنية للکيان الصهيوني على الدول العربية التي طبعت علاقاتها السياسية مع هذا الکيان أيضًا، وستواجه هذه الدول مشاكل أمنية أكثر حدةً.

وبالتالي، إن الکيان الصهيوني هو في الأساس وبسبب طبيعته الأيديولوجية التي تتعارض بوضوح مع مصالح الدول العربية والإسلامية في المنطقة، لا يمكن أن يعمل کلاعب مؤثر في تحقيق الاستقرار في المنطقة، بل إن مصالح هذا الکيان هي في خلق حالة من عدم الاستقرار على المستوى الإقليمي، وإشعال نار الفرقة بين المنافسين الإقليميين، وخاصةً من خلال إيران فوبيا.

مع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن تطبيع علاقات بعض الدول العربية مع الکيان الصهيوني، لن يوفر الأمن والاستقرار في المنطقة فحسب، بل سيسمح أيضًا للکيان بمتابعة إجراءاته المزعزعة للاستقرار على المستوى الإقليمي، وهو الأمر الذي سيفاقم التوترات في المنطقة.