المشهد اليمني الأول/
أظهر استطلاع أجرته وكالة “رويترز” العالمية للأنباء لآراء خبراء بسوق العقارات بأن السوق في دبي، التي تعاني من صعوبات، لن تشهد انتعاشة قريبا، لأسباب على رأسها فائض المعروض المزمن من الوحدات السكنية وتباطؤ اقتصاد الإمارة.
وتراجعت أسعار المنازل في دبي بنحو الربع على الأقل منذ ذروة في منتصف عام 2014 جاءت بعد تعافي السوق من أزمة الديون في 2009، ولا يبدو أن نوبة الضعف الأحدث هذه تقترب من نهايتها.
وأظهر الاستطلاع الذي شمل عشرة من خبراء الاقتصاد ومحللي العقارات، بين يومي 6 و20 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أن متوسط أسعار العقارات سينخفض عشرة بالمئة هذا العام وخمسة بالمئة في العام المقبل.
ورغم تطابق تلك التوقعات مع نتائج استطلاع لرويترز في سبتمبر/أيلول، إلا أن المتوسط المتوقع للأسعار في 2021 يُظهر أنها ستتراجع بوتيرة أبطأ قليلا بنسبة 2.5 بالمئة مقارنة مع توقعات سابقة نسبتها 3.3 بالمئة.
ورد جميع المشاركين في الاستطلاع على سؤال إضافي مجيبين بأن فائض المعروض من المنازل لا يزال يمثل إشكالية مزمنة في دبي.
وقال كريس هوبدن، مدير الاستشارات الاستراتيجية لدى تشيسترتنس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “لا يزال فائض المعروض يمثل مشكلة قائمة منذ مدة طويلة، ويشير نشاط المطورين في الآونة الأخيرة إلى عدم تغير ذلك على الأرجح في المستقبل القريب”.
ويعتمد اقتصاد دبي، وهو جزء من اقتصاد دولة الإمارات، بدرجة كبيرة على التجارة العالمية التي تتعرض حاليا لمخاطر جراء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وفي مسعى منها لمعالجة ركود السوق العقارية، شكلت حكومة دبي في سبتمبر لجنة معنية بالتخطيط العقاري، لكن من المبكر قياس نتائج ملموسة.
وقال هوبدن: “رغم أن إنشاء اللجنة العليا للتخطيط العقاري يشير إلى رغبة في معالجة اختلال التوازن مستقبلا، إلا أن أثر اللجنة على السوق لم يتضح بعد”.
وردا على سؤال آخر، اتفق المشاركون في الاستطلاع، باستثناء اثنين، على أن حدوث المزيد من التباطؤ في النشاط أكثر ترجيحا من حدوث تحسن، في حين أجمعوا على أن السوق أمامها نحو عام على الأقل من الآن قبل أن تشهد انتعاشا.
وقالت جيني فايدلنغ، مديرة الأبحاث والاستشارات لدى شركة استيكو: “رغم إطلاق الحكومة عددا من المبادرات لتعزيز الاقتصاد، فستستغرق وقتا لكي يكون لها أثر، وهو ما يعني أن السوق العقارية ستواصل المسار النزولي إلى أن يتم ذلك”.
لكن عمليات البيع في الآونة الأخيرة، التي تسجل ارتفاعا منذ عشرة أشهر، حققت في أكتوبر/ تشرين الأول أعلى معدل شهري منذ عام 2008.
وبعد سنوات من انخفاض الأسعار، صار من الممكن شراء منزل بسعر معقول إلى حد ما. وردا على سؤال حول وصف الأسعار المعقولة للمنازل في دبي على مقياس من واحد إلى عشرة، من أسعار شديدة الانخفاض إلى الأسعار شديدة الارتفاع، كان المتوسط 5.5، وهو أقل من المتوسط في الاستطلاع الذي أجرته رويترز في سبتمبر.
وردا على سؤال آخر، ذكر المشاركون في الاستطلاع أن السيطرة على المعروض وزيادة الحوافز الحكومية وخلق الوظائف وإصلاح نظام التأشيرات قد تكون سياسات فعالة محتملة لتحفيز النشاط والأسعار بدرجة كبيرة.
وقال ديما إسحاق، المديرة لدى شركة سي.بي.آر.إي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا: “المزج بين هذه المبادرات الحكومية… من المتوقع أن يعزز الاستثمار الأجنبي المباشر ونشاط الشركات ومعنويات السوق وبالتالي الطلب العقاري”.
ومطلع هذا الشهر أوردت وكالة “بلومبرج” الأمريكية المتخصصة بالشأن الاقتصادي أن دبي تعاني من تباطؤ النمو بشكل غير مسبوق في القطاع العقاري بعد زيادة المعروض ما دفع شركات الاستثمار فيها لوقف الإنشاءات الجديدة.
ويتم ذلك في محاولة الحد من العرض المفرط للإنشاءات الجديدة الذي سبب التباطؤ المستمر للعام الخامس على التوالي في الإمارة.
فقد تم تعليق العمل في مطار ضخم، كان مصمما ليكون واحداً من أكبر المطارات في العالم، لكن التطور الأكثر دراماتيكية حتى الآن، هو مسارعة حاكم دبي “محمد بن راشد” بإنشاء لجنة يرأسها ابنه، للبحث في مسألة إعادة التوازن بين العرض والطلب في سوق العقارات، والتأكد من أن المطورين العقاريين التابعين للدولة لا يزاحمون شركات القطاع الخاص.
وأشارت “بلومبرج” إلى أن بعض المطورين العقاريين أوقفوا العمل في تشييد مشاريع كان مخططا لها، ويدعو اثنان من أكبر المليارديرات في دبي إلى وقف الإنشاءات العقارية.
وقال رجل الأعمال والملياردير “خلف الحبتور”، الذي ضم أحد مشاريعه السابقة في دبي 1600 غرفة فندقية، إن سوق العقارات يعيش حالة من التشبع، بينما رئيس شركة داماك العقارية الملياردير حسين سجواني حذر من كارثة اقتصادية في دبي، ما لم تتوقف أعمال البناء الجديدة في قطاع العقارات لمدة عام على الأقل.
وتابع “سجواني”: “إذا استمر هذا العرض المفرط فستحدث كارثة. سيتأثر النظام المصرفي وهذا شيء لا يمكننا تحمله”.
وأكدت الوكالة أن أغلب أسباب زيادة المعروض من العقارات يعود لحكومة دبي لأنها تسيطر على عدد من أكبر شركات التطوير العقاري في الإمارة.
وأضافت أن الشركات المرتبطة بالدولة، والتي أنشأتها الحكومة للإسراع في مشروعات الإنشاءات، استخدمت أراضي منخفضة الثمن في أغلب الأحيان أو مجانية، ونافست القطاع الخاص.
وأشارت إلى أن التوقعات المفرطة في التفاؤل بشأن النمو في عدد سكان دبي، وأغلبهم من الأجانب، عززت من طفرة البناء.
ونقلت “بلومبرج” عن “كريج بلامب”، رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط لدى شركة “جيه إل إل” للوساطة، قوله: “سيستفيد المطورون من تقليص المعروض لأن ذلك من شأنه رفع الأسعار على المدى الطويل. لكنهم اختاروا حتى الآن فائدة قصيرة الأجل عن طريق الحفاظ على التدفقات النقدية حتى لو كان على حساب انخفاض الأسعار”.
وقالت الوكالة الأمريكية إن زيادة المعروض تسبب في انخفاض أسعار العقارات بنحو 30% خلال السنوات الخمس الماضية، وفي عام 2018 سجل اقتصاد دبي أدنى معدل نمو خلال نحو عشر سنوات.
وكان البنك المركزي الإماراتي اقترح الشهر الماضي، تدابير رقابية جديدة لحماية البنوك من الانكشاف المفرط للقطاع العقاري، ودعا محافظ البنك المركزي الإماراتي إلى تقييد المعروض من العقارات.
وتعتمد دبي على معرض “إكسبو 2020″، العام المقبل لتعزيز اقتصادها، لكن ليس من الواضح كيف سيجري استغلال البنية الأساسية التي أنشئت من أجل المعرض، بعد انتهائه، حيث يستمر المعرض ستة أشهر.
ووفقا لشركة “جيه إل إل” للسمسرة العقارية فسوف يجري الانتهاء من إنشاء أكثر من 30 ألف منزل هذا العام وحده، وهو ما يساوي نحو ضعف الطلب السنوي.
وأشار التقرير إلى التصريح الذي أطلقه حاكم دبي في سبتمبر/أيلول الماضي، عندما قال إن “المشروعات العقارية تحتاج إلى التحكم في وتيرتها لتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، لتجنب أن تصبح عبئًا ومصدرًا للخلل في رحلتنا الاقتصادية”.
وتقول “بلومبرج”: “والسؤال هو ما إذا كان الذهاب في الاتجاه المعاكس هو العلاج المناسب، حيث لا تزال مبيعات الأراضي تمثل مصدرا هاما لإيرادات الدولة”.
وقال “جاربيس إراديان”، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد التمويل الدولي ومقره واشنطن: “حتى لو تباطأوا في البناء، فهناك فائض من الشقق والمباني الفارغة”.
وأضاف: “يجب أن يتوصلوا إلى قوى جديدة للنمو مثل الابتكار والتكنولوجيا وتحسين رأس المال البشري وجذب المزيد من العمالة الوافدة المؤهلة للتصنيع الخفيف”.
وختم التقرير بأن “الحقيقة الأكثر صعوبة هي أن الحل بالنسبة لدبي قد يتمثل في النظر إلى ما وراء العقارات لإصلاح ما يعيق اقتصادها حقا”.