مقالات مشابهة

مليارات المهلكة الصهيوسعودية التي أُنفِقَت على الدفاعات الجوية قد تكون ذهبت هباءً في عصر حرب الطائرات المسيَّرة

المشهد اليمني الأول|

أنفقت المهلكة الصهيوسعودية مليارات الدولارات على أحدث وسائل الدفاع الجوي والإنذار المبكِّر، لكن مزيجاً من صواريخ كروز والطائرات المسيرة تمكنت من اختراق مجالها الجوي يوم السبت الماضي، وألحقت أضراراً بالغة في منشأة البقيق التي تعتبر أكبر منشأة استخراج نفط في العالم. مما يعني أن ثمة قصوراً كبيراً في اختيار الأماكن التي وُضِعَت فيها الأنظمة السعودية وتصميم تلك الأنظمة، كما تُظهر مشكلة أكبر: عصر حرب الطائرة المسيّرة يمثّل تحدياً كبيراً للحكومات على امتداد العالم.

صواريخ الكروز التي استُخدِمَت في الهجمات معادة التجميع من تصاميم روسية من سنة 1970، وما تزال الطائرات المسيّرة تعتبر “صاروخ الرجل الفقير” حتى لو تطورت أكثر، بمعنى أن 5% من إمدادات الوقود العالمية قُطِعَت باستخدام أسلحة لا يبلغ ثمنها ملايين الدولارات وليس مليارات الدولارات.

وصرّح مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية ل CNN أن أنظمة الدفاع الجوي السعودية والأمريكية لم تكتشف الهجوم ولم تتعامل مع الصواريخ، ويعود السبب في معظمه الى “طريقة وضع الأنظمة” فقد كانت موجهة نحو اليمن من حيث يطلق الحوثيون صواريخهم وطائراتهم المسيرة منذ سنتين.

وفي أعقاب الهجمات أمر الرئيس الأمريكي ترامب بفرض مزيد من العقوبات على إيران، ولم يصرّح ترامب بمن يتحمل مسؤولية الضربات، في حين ألقى مسؤولون آخرون باللائمة على طهران، إلا أن إيران نفت مسؤوليتها عن هجمات يوم السبت.
وحسب مصدر قريب من التحقيق السعودي الأمريكي حول الهجمات، فقد حلَّقَت صواريخ كروز على علو منخفض لتجنب كشفها، كما تجنبت الطيران فوق الخليج الفارسي حيث الرادارات السعودية والامريكية أقوى.

وكان السعوديون قد تعاملوا بفاعلية مع وابل الصواريخ قصيرة المدى التي أُطلِقَت من اليمن خلال السنتين الماضيتين، وقال العقيد تركي المالكي المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية يوم الأربعاء أن المملكة اعترضت ما يزيد على 230 صاروخاً.
لكن الصواريخ البالستية التي تخرج من الغلاف الجوي ثم تدخله ثانية ليست المشكلة الآن.

لدى العربية السعودية ست كتائب دفاع جوي باتريوت أمريكية الصنع مصممة للتصدي للصواريخ التي تخرق المجال الجوي. ويقول جيرمي بيني محرر زاوية الشرق الأوسط في صحيفة بيني العسكرية، إنه وفقاً للصور الملتقطة من الأقمار الصناعية فإن ” السعوديين نقلوا الباتريوت للخلف للدفاع عن المنطقة الشرقية، وأبقوا بطارية واحدة موجهة الى إيران، والبقية موجهة نحو اليمن”.

ومؤخّراً شُغِّلت واحدة شرق البقيق لكنها كانت موجّهة نحو اليمن، لكن أي صواريخ كروز من الشمال –إن كانت انطلقت منه- كانت ستظهر على راداراتهم.

ومما يزيد المشكلة سوءاً –على حد قول بيني- هو أن “تطوير إيران للصواريخ بزيادة المدى تمكّنها من استغلال الثغرات، وكانت الدفاعات السعودية قد تمددت بالفعل بسبب التهديدات القادمة من اليمن، والآن تفتح الأسلحة الإيرانية الجديدة مزيداً من خيارات الهجوم.

أعلنت المهلكة خططاً في شهر تشرين الأول سنة 2017 لشراء أنظمة إس 400 المضادة للصواريخ، ذات المدى الأبعد من صواريخ الباتريوت، والإس 400 مصمم بالدرجة الأولى للتعامل مع الصواريخ البالستية لكن يمكن إرفاقه بنظام روسي أصغر يُسمى بانتسير إس1، مصمم للاشتباك مع صواريخ كروز قصيرة المدى ويمكنها كذلك التعامل مع الطائرات المسيرة.

وتستخدم منظومة البانتسير الصواريخ والأسلحة النارية، لكن بيني يقول “ثمة طروحات تناقض الادعاءات الروسية، فهذه المنظومة لم تبلي بلاءً حسناً في سورية”.

لدى الصهيوسعودية بالفعل نظام –اشترته من ألمانيا- للتعامل مع الهجمات قصيرة المدى، يدعى سكاي جارد (حارس السماء)، وهو عبارة عن رادار محمول على سيارة فان ومعها أسلحة مضادة للطيران، لكن يجب أن تكون قريبة من الهدف الذي تدافع عنه، وحسب بيني فقد كان ثمة عربة سكاي جارد واحدة على الأقل في منشأة البقيق.

ويقول ميشيل دوتسمان الباحث في مركز جيمس مارتن لدراسات الحد من انتشار السلاح النووي في مونستري وكاليفورنيا إن الرادار –إن كان يعمل- سيحاول تمييز القذائف من كل الأنواع وبين أنواع الضجة على الأرض، وكانت فترات التحذير ضئيلة للغاية –فمن المفترض أن تظهر الطائرات المسيرة على رادارات سكاي جارد قبل دقيقتين أو أقل من الضربة- هذا إن ظهرت بالأصل.

المشكلة هي أن الدفاعات الجوية في منشأة البقيق كانت مصممة للتصدي لهجمات الطائرات التي يقودها البشر، ويقول دوتسمان: “المدى الذي يمكن لمعظم الرادارات اكتشاف الطائرات المسيرة الصغيرة أو صواريخ الكروز عنده هو أقل بكثير من المدى الذي يمكن عنده اكتشاف طائرة حربية كبيرة الحجم”.

وحسب جستين بروك الباحث في معهد رويال يو نايتد في لندن: “نظام سكاي جارد ذو مدى محدود للغاية مما يقيّد المنطقة التي يمكن لبطاريته حمايتها ويمكن أن تتعرض لهجمات متعددة في ذات الوقت، خصوصاً إن اقتربت الأهداف من اتجاهات مختلفة”.

وهذا هو السيناريو الكارثي للسعودية والآخرين: سرب من القذائف يقترب من عدة اتجاهات، وبعضها مصمم للتشويش أو التمويه على الرادار وأنظمة الدفاع الجوي الأخرى، ويمكن تنفيذ هذه الهجمات بتكلفة قليلة.

وقال برونك ل CNN أن: “الخط البياني للتكلفة يميل بشدة لصالح المهاجِم، مما يعني أن المملكة العربية السعودية يجب أن تنفق أكثر مما ينفقه أعداؤها بكثير جداً لتحمي نفسها من هجماتهم، كما أن المملكة لا يمكنها أبدا حماية نفسها بالكامل من هكذا هجمات”.

وبالتالي فبعض المنشآت الحساسة وذات الأهمية النفطية على المستوى العالمي باتت مكشوفة.

فتح عصر حرب الطائرات المسيرة باب المجهول، فليس ثمة إجابات محددة في الأفق، والطائرات المسيرة رخيصة نسبياً، ويمكنها حمل شحنة متفجرات متواضعة إلا أن مداها ودقّتها في ازدياد.

وباتت الطائرات المسيرة أكثر شيوعاً لدى الارهابيين والجماعات المتمردة، واستخدم تنظيم الدولة الاسلامية العشرات منها في محاولته للتصدي للمدرعات العراقية في معركة الموصل سنة 2016، وفي شهر كانون الثاني من سنة 2018 ادَّعت موسكو أن الثوار السوريين ارسلوا 13 طائرة مسيّرة لمهاجمة قاعدة حميميم الجوية الروسية في سورية، وكل من هذه الطائرات يحمل حوالي 10 قنابل تحوي كل منها نحو نصف كيلوغرام من المتفجرات الشديدة الانفجار، ويزعم الروس أن إجراءات الكترونية مضادة ونظام البانتسير قد أجهض الهجوم.