المشهد اليمني الأول/ تقرير – ضرار الطيب
هزت قوة الردع اليمنية المنطقة الشرقية في السعودية، أمس السبت، بواحدة من أكبر وأهم عمليتين لسلاح الجو المسير منذ بدء العدوان حتى الآن، حيث اطلق سلاح الجو المسير عشر طائرات بدون طيار بعيدة المدى وشديدة الانفجار، على مصفاتي “بقيق” و”خريص” الاستراتيجيتين والتابعتين لشركة “أرامكو” النفطية، على بعد أكثر من ألف كيلو متر من حدود المملكة مع اليمن.. عملية بلغت من الدقة والضخامة إلى حد أن النظام السعودي وجد نفسه عاجزا أمامها بشكل كامل عن أي إنكار أو تضليل، إذ سرعان ما تحولت المصفاتان المستهدفتان إلى مسرح حرائق كبرى وانفجارات متواصلة تناولتها عدسات الكاميرا بالتوثيق من كل زاوية، وبثتها مختلف وسائل الإعلام حول العالم، حتى أن الأقمار الصناعية نفسها وثقت تصاعد الأدخنة منهما، فيما أكدت وكالات الأنباء الدولية توقف صادرات النفط السعودية، وهو الأمر الذي أوصل الرسالة الأبرز للعملية إلى السعودية ثم إلى رعاتها في الغرب بصورة واضحة ومختصرة ولا تحتاج إلى تحليل: “استمرار العدوان يعني نهاية الاقتصاد السعودي”.
تثبيت مرحلة “توازن الردع”
القوات المسلحة أطلقت على العملية اسم “عملية توازن الردع الثانية” لتؤكد على استمرار مرحلة التصعيد العسكري الجديدة التي تم تدشينها قبل أقل من شهر واحدة بعملية “توازن الردع الأولى” التي استهدفت حقل “الشيبة” النفطي بنفس العدد من الطائرات المسيرة، وبذلك تصبح هاتين العمليتين أكبر وأوسع عمليتين لسلاح الجو المسير منذ بدء العدوان وحتى الآن.
وكشف ناطق القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، أن العملية جائت “بعد عملية استخباراتية دقيقة ورصد مسبق وتعاون من الشرفاء والأحرار داخل المملكة” في تأكيد جديد على الاختراق الاستخباراتي الثابت والذي تتكرر الاشارة إليه في معظم العمليات الكبرى ضد العمق السعودي، وتفسره الدقة العالية في تحديد الاهداف.
مصفاتي “بقيق” و “خريص” .. 8 ملايين برميل يوميا
على غرار سابقتها، حملت عملية توازن الردع الثانية رسالة شديدة الوقع من حيث نوعية أهدافها، فمصفاة “بقيق” النفطية تعتبر واحدة من أبرز وأهم منشآت شركة أرامكو في السعودية، يتم فيها معالجة 70% إنتاج أرامكو، والذي يمثل 6% من إجمالي الاستهلاك اليومي العالمي للطاقة النفطية، وتضم أكبر معمل لتركيز الزيت ينتج يوميا أكثر من 7 ملايين برميل يوميا.
أما مصفاة “خريص” فتنتج يوميا أكثر من مليون ومائتي برميل من الزيت يوميا، وهي تقع إلى جوار حقل الغوار النفطي المعروف كأكبر حقل في العالم.
وفقا لذلك، فإن العملية تشل قدرة السعودية على إنتاج ثمانية ملايين برميل يوميا، بحسب المعلومات المثبتة، وبحسب ما ذكّرت صحيفة نيويورك تايمز، أمس، الأمر الذي يوضح أن عمليات “توازن الردع” لم تعد مجرد تهديدات بإضعاف الاقتصاد السعودي، وإنما خطة مدروسة وناجحة لتدميره تماما، وهو ما يعني ارتفاع كلفة العدوان إلى حدود تجعل استمرار السعودية فيه أمرا انتحاريا يهدد وجودها تماما.
وفي هذا السياق أيضا، وبحسب الأرقام السابقة، فإنه من الواضح أن القدرة الإنتاجية التي استهدفتها عملية أمس، تعادل أكثر من ستة أضعاف القدرة الانتاجية لحقل الشيبة الذي استهدفته العملية “الأولى”، وهو ما يجعل العملية الثانية هي “الأكبر” عمليا، ويشير إلى نقطة بالغة الأهمية هي تصاعد أثر هجمات التصعيد اليمني، بمعنى أن العملية الثالثة ستكون أكثر تأثيرا، وهو ما يجعل فحوى الرسائل الاقتصادية لمعادلة “توازن الردع” أوضح أمام السعودية والولايات المتحدة (المستفيد الأكبر من النفط السعودي) في حال واصلتا الاستمرار في العدوان.
عملية “مشهودة” عالميا
حجم الهجوم تناسب مع حجم القدرة الانتاجية للمصفاتين المستهدفتين، وبالذات مصفاة “بقيق”، وهو ما أفضى إلى حجم غير قابل للاحتواء من الدمار، جعل العملية “مشهودة” على مستوى العالم، فمن ناحية، لم تمر دقائق على الهجوم حتى كانت شبكات الانترنت تمتلئ بمشاهد مصورة توثق حرائق ضخمة وواسعة وانفجارات متتالية داخل مصفاة “بقيق” بالذات، كونها تقع في مدى رؤية المواطنين، وسرعان ما نقلت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الدولية تلك المشاهد في تغطية واسعة ومباشرة للهجوم.
المشاهد شكلت فضحية مدوية للسعودية قبل ان تفكر بالإنكار، إذ لم يقتصر التوثيق فقط على الحرائق الواسعة التي حولت ليل مدينة “بقيق” إلى نهار، بل وثقت بعض المشاهد ايضا لحظات وصول بعض الطائرات اليمنية المسيرة التي ظهر صوت “هديرها” واضحا قبل أن تصيب هدفها مسببة انفجارا ضخما في معامل المصفاة.
وبعد ساعات، خرجت مضطرة السعودية باعتراف حاولت أن تقلل فيه من حجم الهجوم، مدعية أنه “تمت السيطرة على الحرائق” إلا أن سيل البث المصور سرعان ما اغرق تلك المحاولة بمشاهد “نهارية” أظهرت استمرار احتراق المعامل النفطية وتصاعد الدخان بشكل كثيف منها، وبحسب ما اكدت مصادر خاصة للصحيفة، فما زالت الحرائق مشتعلة حتى لحظة الكتابة.
استمرت الفضيحة عالميا لتصل إلى مستوى التوثيق بالأقمار الصناعية، حيث نشرت وكالة “ناسا” الفضائية الشهيرة صورا جوية متحركة أظهرت استمرار تصاعد الدخان من المصفاتين المستهدفتين، وبدا في الصور أن الدخان امتد على جغرافيا شاسعة من المنطقة.
كما نشر موقعا ألمانيا متخصصا صورة فضائية متحركة أخرى التقطت عبر قمر صناعي ألماني، وأظهرت الشيء استمرار تصاعد الدخان وانتشاره في مساحة كبيرة من الأجواء.
المشاهد والصور حسمت التأكيد على نقطتين مهتمين: الأولى أن المسيرات اليمنية نجحت في الوصول إلى المصفاتين وضربهما بدقة عالية، والثانية أن المصفاتين تعتبران من أهم المنشآت النفطية المؤثرة على صادرات النفط السعودية بشكل كامل.
توقف إنتاج النفط السعودي جراء الهجوم
وبالحديث عن صادرات النفط، فقد جاء الجانب الآخر من الفضيحة السعودية بإعلان وكالة “رويتزر” للأنباء عن “تعطل انتاج النفط السعودي بعد الهجوم على منشأتي أرامكو” وأن الهجوم “أثر على انتاج 5 ملايين برميل يوميا” وهو تأثير يعتبر الأول من نوعه لعمليات الردع اليمنية، ويؤكد على التهديد المباشر الذي بات يشكله استمرار هذه العمليات على وجود النظام السعودي، وبعبارة أخرى خطورة استمراره بالعدوان على اليمن.
وكشفت رويترز أيضا عن “احتراق الغاز المصاحب في حقل الغوار النفطي الشهير (المجاور لمصفاة خريص المستهدفة) جراء الهجمات بالطائرات المسيرة” في تأكيد آخر على مدى تأثير العملية حيث يعتبر “الغوار” أكبر وأهم حقل نفطي في السعودية.
إعلان رويترز التقى مع تناولات وكالات الأنباء والصحف العاملية الشهيرة، وعلى رأسها “نيويورك تايمز، بي بي سي، فوكس نيوز، غارديان، بلومبيرغ، واشنطن بوست، فاينانشيل تايمز، وحتى جروسليم بوست العبرية” والتي ركزت جمعيها على أن العملية اليمنية استهدفت ما يشكل 80% من انتاج النفط السعودي، وهي نسبة تؤكد صحة توقف انتاج النفط.
كما أكد خبراء أنه اذا كانت العملية قد دمرت أبراج التثبيت في منشأة “بقيق” فلا يمكن أن تعود المنشأة للعمل، وهو ما سيؤثر على الانتاج وعمليات الضخ باتجاه رأس تنورة والمنطقة الغربية، ويعني ذلك أن “أرامكو” ستحتاج إلى أبراج تثبيت جديدة تُصنَّع في أميركا، واستبدالها سيحتاج وقتاً، الأمر الذي يؤكد أيضا على منطقية توقف صادرات النفط جراء العملية.
القوات المسلحة: “عملياتنا القادمة أوسع وأشد إيلاما”
وسط كل هذا الكم من المعلومات المصورة وغير المصورة التي أكدت على أن العملية تمثل “انتكاسة” اقتصادية كبرى على السعودية، ظلت هناك رسالة لافتة تتصدر المشهد و هي الوعد الذي أطلقته القوات المسلحة في ختام بيانها حول العملية بـ”أن العمليات القادمة ستتوسع أكثر فأكثر وستكون أشد إيلاما مما مضى” وأن “بنك الأهداف يتسع يوما بعد يوم ولا حل أمام النظام السعودي إلا وقف العدوان والحصار”.
وعد تكرر الوفاء به كثيرا على مدى السنوات الماضية، وما عملية الأمس إلا وفاء بوعد مماثل كانت القوات المسلحة قد أطلقته عقب “عملية الردع الأولى”، وبالنظر إلى أرقام ومشاهد وبيانات خسائر العملية الأخيرة، فإن الحديث عن عمليات قادمة “أوسع” يمثل حديثا عن انهيار اقتصادي رسمي للنظام السعودي، وهو الأمر الذي قد تحدثت عنه وسائل الإعلان العالمية بشكل صريح عقب عملية حقل “الشيبة”.
هذا يكرر التنبيه على أن السمة الرئيسية لمرحلة الردع الجديدة هي تدمير الاقتصاد السعودي الذي يمثل شريان حياة نظام الرياض، وبالتالي شريان المصلحة الأمريكية والغربية بشكل عام، وبعبارة أخرى: الشريان الذي يغذي استمرار العدوان على اليمن بشكل رئيسي.
ثمة تفصيل آخر يتعلق بهذا السياق أيضا، وهو نوع الطائرات المسيرة المستخدمة في عملية توازن الردع الأولى، والتي لم يتم الكشف عنها على غرار العملية السابقة، ما يعني أن القوات المسلحة، وهي تتوعد بتوسيع العمليات، ما زالت تحتفظ بمفاجآت عسكرية تناسب مستوى العمليات القادمة.