المشهد اليمني الأول/
أصبحت الهجمات الصاروخية والجوية التي تنفّذها الطائرات المسيرة التابعة لقوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية داخل العمق السعودي حدثاً يتكرّر يومياً.
وفي حين أن الأسلحة المتقدّمة والمكلفة التي اشترتها السعودية من العديد من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، لم تتمكن من حماية الأجواء السعودية من الضربات التي تنفّذها الطائرات المسيّرة اليمنية الحديثة والمبتكرة والمنخفضة التكلفة، فيمكن القول هنا بأن قوات “أنصار الله” تمكّنت من توجيه ضربات موجعة للسعودية على مستوى القواعد والمراكز العسكرية والمطارات، ولهذا فإن العديد من الخبراء والمراقبين الدوليين يرون بأنه يجب على قادة السعودية أن يغيّروا من استراتيجياتهم السابقة لتفادي المزيد من الضربات الجوية اليمنية.
إن الهجمات الصاروخية التي نفّذتها قوات الجيش واللجان الشعبية الليلة الماضية، لخير دليل على المعاناة التي تعيش فيها السعودية، كما إن انسحاب الإمارات من جنوب اليمن لم يأتِ من فراغ وإنما كان الخوف من الضربات الجوية والصاروخية اليمنية هو السبب الرئيس من هذا الانسحاب، وحول هذا السياق، كشف العديد من الخبراء العسكريين بأن الامارات فضلت الانسحاب من اليمن وخفض عدد جنودها في المناطق الجنوبية اليمنية وذلك بسبب خوفها من أن تقوم قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية بتنفيذ هجمات صاروخية وجوية على مطارات الإمارات وقواعدها العسكرية. وهذا الانسحاب جعل السعودية تقف وحيدة أمام القوات اليمنية “أنصار الله”.
وبالنظر إلى كل هذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إلى متى سيستمر السعوديون في تحمّل ضربات “أنصار الله” الجوية والصاروخية على مراكزهم العسكرية والاقتصادي ؟.
في هذا السياق، قال “محمد البخيتي” الناطق الرسمي باسم “أنصار الله” في مقابلة له مع تلفزيون الميادين الأسبوع الماضي، إن “تحالف العدوان رفض الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار في اليمن”.
نيران الحرب تكوي الاقتصاد السعودي
لم تحرق حرب اليمن الدائرة منذ أربعة أعوام الشعب اليمني فقط وإنما طالت السعودية التي تقود تحالفاً عسكرياً على هذا الشعب المظلوم ولم يكن المواطن اليمني فقط هو الذي اكتوى بنيران هذه الحرب، وإنما اكتوى بها أيضاً المواطن السعودي سواء على الصعيد الاقتصادي أم الأمني، خاصة وأن السعودية تتحمل العبء الأكبر من تكاليف هذه الحرب في ظل انخفاض أسعار النفط وزيادة نفقات التسلح.
فحرب اليمن انعكست سلباً على السعودية؛ لأنها دخلت حرباً دون استراتيجية، كما لو كانت لحظة مجنونة لم تحسب عواقبها.
إن المعطيات والأرقام حول الخسائر المادية في الحرب اليمنية قدّرتها بعض المجلات الأمريكية بنحو 120 مليار دولار شهرياً، ولا يشمل ذلك الخسائر غير المباشرة التي تكبّدتها السعودية مثلاً تراجع الاستثمارات، والنقص في الاحتياطي الأجنبي، وزيادة الإنفاق العسكري.
ويدخل ضمن نفقات الحرب أيضاً المساعدات والتعويضات التي تقدّمها السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لبلدان عربية لقاء مشاركتها في العمليات والتي تقدر بمليارات الدولارات.
وتتحمل السعودية بشكل أساسي تكاليف الحرب كونها تقود التحالف إذ تشارك لوحدها بمئة طائرة مقاتلة، كما أن حدودها الطويلة مع اليمن تشهد مناوشات عسكرية تصيب قرى ومدن ومواقع سعودية بأضرار كبيرة.
ويزيد الأمر سوءاً بتزايد التوقعات حول تراجع معدلات النمو في السعودية صاحبة أكبر اقتصاد عربي، وتزايد التبعات السلبية على اقتصاد هذا البلد، خاصة عقب ابتعاد الاستثمارات الأجنبية عن المشاريع طويلة الأمد وتراجع السياحة وارتفاع تكاليف النقل والتأمين والخدمات الأخرى.
التحديات الكبيرة التي تسبّبت بها الهجمات الجوية اليمنية على السعودية
لطالما كانت السعودية هي الدولة القيادية بين دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي، وذلك استناداً إلى عوامل تمتلكها مثل استضافتها للكثير من الأماكن المقدسة الإسلامية، وثروتها النفطية الهائلة، وتحالفاتها الاستراتيجية مع الغرب.
لكن السعودية في بداية الحرب على اليمن لم تكن تتوقع بأن هذه الحرب سوف تقوّض مكانتها الإقليمية والدولية، بل إنها لم تتوقع أيضاً بأن الهجمات اليومية التي تنفّذها قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية، سوف تكشف مدى ضعف القدرات العسكرية السعودية للتصدي لمثل هذه الهجمات.
من ناحية أخرى، يمكن القول هنا بأن ضربات اليمن، قوّضت قدرة الرياض على مساومة وإقناع الحلفاء غير الغربيين على الانخراط في تعاون عسكري وسياسي معها، وحول هذا السياق، صرّح الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” مراراً بأن مسؤولي الرياض لن يتمكّنوا من البقاء لمدة أسبوع دون دعم أمريكي. وبالتالي، يمكن القول هنا بأن القادة السعوديين يسعون إلى إطالة الحرب في اليمن وذلك من أجل أن يتمكّنوا من البحث عن مبررات لهزائمهم المتتالية في هذه الحرب وفي نهاية المطاف سوف يتعيّن عليهم تغيير استراتيجيتهم في اليمن لتفادي الهجمات الصاروخية والجوية التي تنفّذها الطائرات المسيرة.