المشهد اليمني الأول/
– بينما كانت مصادر موثوقة في طهران تؤكد أنّ قيادة الحرس الثوري الإيراني، أنهت نهارها الطويل بعد إسقاط طائرة التجسّس العملاقة الأميركية، بتصويب منصاتها الصاروخية على كلّ النقاط والمعدات والقواعد الأميركية في الخليج، وابلغت كلّ الذين يتحدّثون عادة بحمل الرسائل بين طهران وواشنطن، أنها ستتعامل مع كلّ استهداف لأيّ نقطة إيرانية بصفته إعلان حرب، كان النقاش الدائر في واشنطن حول كيفية تفادي التورّط في الحرب، والنقاش الدائر في البيت الأبيض حول فرصة لحفظ ماء الوجه، بينما كان قادة الحزب الديمقراطي الأميركي يعيدون الاتفاق على الملف النووي الإيراني الذي وقع عليه الرئيس السابق باراك أوباما، إلى صدارة النقاش، تحت عنوان أنّ الانسحاب من الاتفاق كان خطأ جسيماً وأنّ من فعل ذلك أوصل أميركا إلى مأزق وأذلّ هيبة جيشها، ومنح إيران فرصة الظهور بموقع المتفوق وصاحب الكلمة الفصل.
– في العواصم الأوروبية التي كانت تحت ضغط أميركي شديد عنوانه دعوة أوروبا للانضمام إلى العقوبات على إيران، لأنّ واشنطن تعلم ماذا تفعل ولا تستطيع كشف خطتها، وأنّ إيران قاب قوسين أو أدنى من قبول التفاوض بشروط جديدة هرباً من الاختناق، كان نهار الانتظار الأوروبي طويلاً لمعرفة ما أعدّته واشنطن لهذه اللحظة التي طالما حذرت أوروبا من بلوغها، وكان الجواب الذي تتلقاه هو الابتسامة الساخرة، التي تقول، أنتم لا تعرفون أميركا وإدارة الرئيس دونالد ترامب، وعندما حلت اللحظة فوجئ الأوروبيون بوساطات تريد منهم واشنطن القيام بها، للحصول على قبول طهران بضربة أميركية شكلية ومتفق عليها تحفظ ماء وجه الرئيس الأميركي الذي يؤكد أنه لا يريد الدخول في المواجهة، بينما كانت عواصم أوروبا قد تبلغت سلفاً الجواب الإيراني بالجهوزية لهذه المواجهة إذا تعرّضت إيران لأيّ استهداف أميركي، وكان السؤال الذي تداوله عدد من المسؤولين الأوروبيين هو، لماذا إذن تمّ الإنسحاب من الاتفاق النووي؟
– في السعودية والإمارات شدّ أعصاب وقلق وخوف من تداعيات انفلات الأمر، وغياب أيّ إجراءات بحجم الحؤول دون وقوع الكارثة إذا بدأت الصواريخ بالتساقط فوق الرؤوس، دون أن يجرؤ أحد على القول إنّ حكام الخليج كانوا في خلفية التحريض للخروج الأميركي من التفاهم النووي، لكن في تل أبيب والقدس المحتلة استنفار واتصالات محمومة عبّرت عنها الصحف والمواقع الإسرائيلية التي تحدثت عن تدخل اللوبي الداعم لـ «إسرائيل» في واشنطن لسؤال الرئيس الأميركي عن ماهية الردّ على إيران، وكيفية منع تحويل «إسرائيل» إلى حقل رماية لإيران وحلفائها في المنطقة إذا ما قامت واشنطن بعملية ردّ نتج عنها غضب إيراني وإعلان اعتبار المنشآت الإسرائيلية أهدافاً مشروعة، وإضطرار «إسرائيل» للتورّط في حرب تفوق قدرتها واستعداداتها، في توقيت سيّئ وفي ظرف لا ترغب فيه واشنطن بالذهاب للحرب الشاملة، وصولاً لطلب «إسرائيلي» صريح بعدم القيام بأيّ عمل عسكري يمكن تصنيفه بالكائش بحال عدم الحصول مسبقاً على ضمانات بعدم وقوع ايّ ردّ فعل على «إسرائيل»، بينما كان عدد من المعلقين الإسرائيليين يتساءلون في وسائل الإعلام، أليس بنيامين نتنياهو هو من حرّض ترامب على الخروج من التفاهم النووي باعتبار ذلك مصلحة «إسرائيلية»؟
– موسكو وحدها كانت تصل للنتائج التي توقعتها، فهي تدرك سلفاً أنّ إيران لن تتسامح مع ايّ استفزاز أميركي وأنها قادرة على فعل ذلك، وتملك أدوات تحقيق ذلك، كما تدرك سلفاً أنّ الحشود الأميركية في الخليج لا تشكل قوة حماية للسياسات التي يقودها الرئيس ترامب، وبالتالي كانت موسكو تنتظر اللحطة التي سينكشف فيها الموقف الأميركي الضعيف لتقدّم مبادرتها بتشكيل منصة دولية ضامنة للاتفاق النووي، وتحقيق مصالح إيران التجارية منه، برضا أميركي، كطريق وحيد لاستعادة الاستقرار والهدوء في الخليج، فبدأت موسكو بالتشاور مع الأوروبيين والصين واليابان وبسرعة خاطفة أطلقت إعلانها ببيان عن مجلس الأمن الروسي تؤكد استعدادها لرعاية ائتلاف دولي لتأمين حاجات إيران المالية والنفطية، وبالتوازي تردّ على التسريبات التي تحدّثت عن الاجتماع الذي سيضمّ في القدس المحتلة مستشاري الأمن الأميركي والروسي والإسرائيلي، بالقول إنّ موسكو ستدافع عن المصالح الإيرانية في لقاء القدس.
– المعادلة التي رسمتها واشنطن كانت الحرب المالية الكاملة حتى تقف الحرب العسكرية بشكل كامل، والمقصود وقف أعمال المقاومة في فلسطين واليمن وحشود وتنامي قوى المقاومة في لبنان وسورية والعراق، فردّت إيران بأنّ الحرب المالية الشاملة تعني حرباً عسكرية شاملة، وما يعنيه ذلك من تقابل أميركي إيراني وجهاً لوجه، وها هي المعادلة تتجه لتستقرّ اليوم على قاعدة نصف حرب عسكرية بنصف حرب مالية، فتستمرّ المقاومة ويستمرّ الحصار وتستمرّ العقوبات، لكن المقاومة ليست حرباً شاملة وليس على العقوبات أن تكون حرباً شاملة، وهذه هي قواعد الاشتباك الجديدة التي فرضتها إيران بذكاء استراتيجي عرف كيف يستثمر على الإمساك بلعبة الوقت وخريطة المكان.
– حماية الاتفاق النووي بدون أميركا وبرضاها تشقّ طريقها نحو قمة العشرين.
ــــــــــــــــــــ
ناصر قنديل