المشهد اليمني الأول/
العيد عيد العافية.. مثل يمني قديم يُردده الكِبار قُبالة كل عيد وهو منذ اندلاع الحرب واشتداد الحصار ذو دلالة أعمَق لكن المثل ليس مُقنعاً للأطفال فمنطق (الظروف الاستثنائية) أكبر من مقدرتهم على الفهم ولذا يُصر الأطفال على صنع فرحة العيد فيما يُكابد عائلوهم من أجل خلق الامكانيات المادية المتاحة لرسم بسمة على شفاهههم.
يحيى عياش مواطن في الخمسين من عُمره، يزاحم على بسطة من أجل شراء أحذية لأولاده. لم يَعد يحيى قادراً على شراء احتياجات أطفاله من المحلات التجارية ووجد ضالته في بسطة على الرصيف تبيع البضاعة الرخيصة. يُعيل يحيى 5 من الأبناء وهو نازح من محافظة الحديدة موظف تربوي لم يستلم رواتبه -منذ تم الحرب على البنك المركزي ونقله إلى عدن في منتصف العام 2016م- إلا من أنصاف رواتب تدفعها حكومة صنعاء – بشكل غير منتظم كُلما توفرت – وفي المناسبات الاجتماعية كشهر رمضان المبارك وأعياد الفطر والأضحى.
كغيره من الآباء كان يحيى حين يشتري لأبنائه ملابس العيد يصحبهم معه إلى السوق لينتقوا ما يريدون، لكنه اليوم لا يجرؤ على اصطحابهم خشية أن تميل أنفسهم إلى بضاعة باهظة السِعر يرونها في واجهة أحد المحلات فيعجز عن توفيرها. أشترى الرجل ملابس رخيصة لأولاده من أحد محلات التخفيضات، فيما سيظل وزوجته بملابسهم التي نزحوا بها من الحديدة.
مع نهاية شهر رمضان المبارك وحلول عيد الفِطر تعيش الأسر اليمنية حالة من التوتر ويكون الوضع مهيأ للخلافات وعادةً ما تبدأ الخلافات من مطالبات الأم بملابس جديدة لأبنائها، وتعذر الأب بانقطاع الرواتب إن كان موظفاً حكومياً وبارتفاع الأسعار إن كان لديه مصدر دخل، أو بعدم حصوله على عمل في الفترة الماضية نظراً للأوضاع الاقتصادية المتدهورة الذي تسبب بها العدوان السعودي الأمريكي وما رافقهُ من حصار واستهداف للبنية التحتية الإنتاجية والتجارية.
أثرَّ الحصار الاقتصادي بشكل كبير على معيشة المواطنين بشكل عام من الموظفين الحكوميين وموظفي القطاع الخاص وأصحاب الأعمال الحرة والمشاريع الخاصة، فتحولت اهتماماتهم من الأشياء الكمالية إلى الرئيسية بل إن كثير من الاحتياجات التي كانت في قائمة الأساسيات باتوا يتعاملون معها كاحتياجات كمالية. وهكذا تتقلص دائرة ما يستهلكه المواطن اليمني لتستقر على المواد الغذائية، فيما تتراكم عليه الديون وخاصة ديون إيجار البيوت.
أحمد قاسم عامل تشغيل ألعاب كهربائية في إحدى حدائق العاصمة لاحظ أحمد انخفاض مرتادي الألعاب الكهربائية التي تتطلب تذاكر عما كان عليه الحال قبل العدوان مشيراً إلى أن الأسر الزائرة باتت تدفع بأولادها إلى الألعاب الميكانيكية المجانية.
يتذكر أحمد موقف حدث معه العام الماضي حين أفرغ طفلان ما في جيوبهما من قطع نقدية من أجل ان يسمح لهما بالصعود على اللعبة لكنه طلب منهما شراء التذاكر- فيما لم تكن نقودهما تكفي- وأمام إلحاحهما قام أحد مرتادي الحديقة بشراء عدد من تذاكر الألعاب المختلفة وتقديمها إليهم.
الحدائق العامة بديلاً عن زيارات القُرى والسفريات العائلية
الأسعار الرمزية للحدائق الحكومية جعلت منها قبلة للزوار من محدودي الدخل والفقراء وومن كانوا سابقاً يحددون ضمن الطبقة الوسطى، يقضون فيها العيد باعتبارها المتنفسات الأرخص، وباتت الحدائق الحكومية بديلة عن السفريات والزيارات الموسمية وهي السفريات التي كانت تقوم بها الأسر في الأعياد إلى القرى؛ فالوضع الاقتصادي أثر على مقدرة الأسر على دفع تكليف السفريات كما أن الأوضاع الأمنية المتوترة بفعل العدوان جعلت السفر لقضاء الاعياد في القرى مخاطرة كبيرة خاصة لأبناء المحافظات التي تشهد نزاعات عسكرية بين الجيش والمرتزقة أو تتعرض لقصف مستمر من قبل تحالف العدوان.
الإستعدادات التي قامت بها الإدارة العامة من إنارة ونظافة وصيانة وتنسيق مع شرطة المرور وخدمات الأمن العام وحماية المنشآت والجهات المعنية لإستقبال زوارها من مختلف المحافظات خلال إجازة عيد الأضحى .. مشيرا إلى أكثر من 380 مشرفا وموظفا وعاملا على خدمة الحدائق وزوارها منهم 50 عامل من عمال النظافة تم الإستعانة بهم لخدمة زوار الحدائق الكبرى.
وأوضح المهندس الروضي أنه تم إعادة صيانة الألعاب المجانية المتنوعة للأطفال بحسب الإمكانيات المتاحة لرسم البسمة وإدخال الفرحة إلى نفوسهم وتخفيف معاناتهم جراء الأوضاع الراهنة نتيجة إستمرار العدوان.
وتوقع مدير عام الحدائق والمتنزهات بالأمانة أن تشهد حدائق العاصمة صنعاء في عيد الأضحى إقبالا واسعا مابين مليوني إلى مليوني ونصف زائر نظرا للكثافة السكانية المتزايدة والنزوح من كثير من المحافظات إلى العاصمة بسبب إستمرار العدوان ، فضلا عن الزوار القادمين من المحافظات المجاورة.
حالة الحرب لم تنحصر في تأثيرها على الأطفال في الجانب المادي فقد أنعكست عنها تأثيرات نفسية خطرة حيث انتشرت بشكل واسع ألعاب النارية وبنادق الخرز بين الأطفال وهذه الألعاب النارية موجودة من قبل مرحلة العدوان، إلا أن المُلفت هوَ أنه في بعض الحالات تتجاوز ألعاب الأطفال مجرد المتعة وتقليد الكبار ممن يحملون السلاح حيث برزت من بعض الأطفال تصرفات عدائية وسعي متعمد لإيذاء أقرانهم وخاصة حين يُصبح أقرانهم وفق تقسيم اللعبة في موقع “العدو” ويرتبط بهذا السلوك والتأثيرات النفسية قيام بعض الأطفال بالاعتداء بالألعاب النارية ومسدسات الخرز والمياه على منهم أكبر سناً والهرب.
الاصرار على الحياة
في بداية العدوان انخفضت نسبة مرتادي الحدائق، ومع استمرار العدوان وتمسك اليمنيين بالحياة وسعيهم إلى تجاوز تحديات العدوان عادت الأسر للذهاب إلى الحدائق واصطحاب الأطفال متجاوزين الرهاب الأمني الذي كان حاضراً كما باتت حدائق العاصمة صنعاء وجهة للزوار العرسان ممن يقضون فيها شَهر العسل خاصة مع تعذر الوصول إلى عدن والحديدة وهما الجهتان الشائعتان سابقاً للعرسان لقضاء شهر العسل.
منذ بداية العشر الأواخر من رمضان اتجه بائعو حلويات العيد إلى نصب بسطاتهم التي تعلوا على براميل وعرض بضائعهم، من اللوز والزبيب والمكسرات والحلوى الصناعية الأُخرى. بائع الحلويات والمكسرات أكرم الشميري يرى أن السوق هذا العام أفضل من العام السابق، إلا أنه رغم ذلك منخفض عما كان عليه السوق قبل الحرب العدوانية على بلادنا، حيث انخفضت كمية ما تشريه الأسر عما كانت عليه سابقاً، ورغم ارتفاع سعر الزبيب واللوز البدي عن المستورد إلا إن إقبال المواطنين على المنتج البلدي هو الأكبر.
متنفسات جديدة
أصبحت رياض الشهداء متنفسات جديدة تجتذب الزوار ففي هذه المناسبات تتوجه أسر الشهداء وأصدقائهم إلى رياض الشهداء للسلام عليهم وقراءة آيات من القرآن الكريم وفي ميدان السبعين غداً مقام الرئيس الشهيد صالح الصماد ونصب الجندي المجهول مزاراً دائماً وبشكل أكبر في مناسبات الأعياد فلم تعد قضية الترفيه في العيد مرتبطة بمجرد التسلية والهروب من واقع الحرب بل أرتبط بها معاناة جمالية متعلقة بالمسؤولية المجتمعية والقضية الوطنية.
المتحف الحربي في العاصمة صنعاء يستقبل زواره في أيام العيد ويلقى إقبلاً اكبر مما كان عليه في مرحلة قبل العدوان وفق ما أوضح ضابط الأمن في المتحف الحربي عادل حلبوب. ويُفسر الاقبال على المتحف الحربي لطبيعة المزاج الاجتماعي (العسكري) ويشبع حاجة وجدانية ومعرفية تاريخية لديهم في المواجهة مع تحالف العدوان.
*تقرير – أنس القاضي