المشهد اليمني الأول |
الطائرات المسيرة السبع التي قصفت مضختين سعوديتين للنفط “بروفة” حوثية استعدادا للحرب الامريكية الإيرانية الكبرى.. خمس “مفاجآت” سجلتها تعكس خريطة المواجهات المقبلة.. ما هي؟ وكيف تهزم طائرة قيمتها 300 دولار صاروخ “باتريوت” تزيد قيمته عن 4 ملايين؟
سبع طائرات حوثية مسيرة وملغمة اخترقت الأجواء السعودية واصابت محطتين لضخ النفط غرب المملكة، في محافظتي الدوادمي، وعفيف، واشعلت فيهما النيران، وأدخلت حالة التوتر المتصاعدة في منطقة الخليج مرحلة جديدة من التصعيد، ربما تتطور وبشكل تدريجي الى مواجهات محدودة، ربما تكون الشرارة لإشعال فتيل الحرب الكبرى التي تزداد قربا يوما بعد يوم.
حركة “انصار الله” الحوثية التي يتهمها خصومها بـ”الجهل” و”التخلف” باتت قادرة على الامساك بزمام المبادرة، وتحقيق المفاجآت الواحدة تلو الأخرى، بعد اربع سنوات من القصف والحصار الذي استهدفتها من الجو والبحر والأرض.
كانت المفاجأة الأولى عندما قصفت العاصمة السعودية الرياض ومدن رئيسية مثل جدة والطائف وجازان وخميس مشيط بأكثر من 120 صاروخا باليستيا، كان تأثيرها معنويا فقط لأنها لم تحمل رؤوسا متفجرة، ويسود اعتقاد بأن الحال تغير هذه الأيام، ولكن المفاجأة الثانية التي تمثلت في اطلاق طائرات مسيرة ملغمة هي التطور الأبرز والأخطر، لأنها اصابت أهدافها بدقة متناهية، وضربت أهدافا اقتصادية استراتيجية، وأثارت قلق معظم العاملين في قطاع النفط داخل المملكة وخارجها، لأنها خلقت بلبلة في أسواق النفط العالمية، ورفعت الأسعار بأكثر من 1 بالمئة، واغلقت خط الانابيب السعودي المعروف بـ”بترولاين” الذي ينقل النفط الخام السعودي (1.6 مليون برميل) من منابعه في الشرق قرب الخليج الى ميناء بنبع على البحر الأحمر غربا.
خطورة هذه الضربة يمكن حصرها في عدة نقاط أساسية:
أولا: ان هذه الضربة جاءت بعد يومين من تعرض اربع ناقلات نفط عملاقة لعمليات تخريب قبالة ميناء الفجيرة في خليج عمان، من ضمنها ناقلتان سعوديتان، وثالثه نرويجية، ورابعة ترفع العلم الاماراتي، وكانت الناقلتان السعوديتان الأكثر تضررا.
ثانيا: ان هذه الطائرات الحوثية المسيرة كشفت عن قدرات تدميرية دقيقة للغاية، فالأهداف التي قصفتها تبعد عن الحدود اليمنية اكثر من 1000 كم، فكيف قطعت كل هذه المسافة دون ان يتم رصدها او اكتشافها، بالتالي اسقاطها.
ثالثا: ثمن الطائرة الواحدة من هذا النوع من الطائرات لا يزيد عن 300 دولار بينما يصل ثمن صاروخ “الباتريوت” الذي يعتبر الوحيد القادر على اسقاطها حوالي 4 ملايين دولار ان لم يكن اكثر، وقد يحتاج الامر الى اطلاق اكثر من صاروخ، حسب آراء بعض الخبراء العسكريين الذين اتصلنا بهم.
رابعا: المملكة العربية السعودية انفقت مئات المليارات من الدولارات لشراء أسلحة متطورة، ولكن تبين من خلال قراءة ما بين سطور هذه الهجمة ان خصمها على قلة امكانياته استطاع تطوير بدائل رخيصة تعجز الرادارات الحديثة والمتطورة عن كشفها واسقاطها.
خامسا: مصدر عسكري حوثي قال لـ”راي اليوم” ان حركته تملك القدرة على اطلاق عشرات الطائرات المسيرة دفعة واحدة وفي اللحظة نفسها، سيكون من الصعب اكتشافها واسقاطها، ويمكن ان يتم استخدامها لقصف اهداف أخرى داخل السعودية وخارجها ستكون العنصر الأهم في المفاجأة القادمة، دون ان يحدد.
نحن امام فصل جديد، او بالأحرى، فصل تمهيدي لمعركة النفط وامداداته القادمة، وعلينا ان نضع في الاعتبار ان التركيز الآن هو على الجوانب الاقتصادية بتوجيه ضربات موجعه ومربكة في الوقت نفسه، ويمكن ان تتطور لضرب اهداف حيوية غير نفطية، مثل المطارات والموانيء، والمصانع في حال دخل الصراع مراحل اوسع، وتصاعدت حدته.
لا يمكن الفصل بين غارات الطائرات المسيرة هذه، ومهاجمة ناقلات النفط من قبلها من حيث رفع درجة السخونة في الصراع الإيراني الأمريكي، وربما تكون طائرات “الدورنز” هذه مجرد “بروفة” لظهور أسلحة ومعدات أخرى اذا ما اندلعت شرارة المواجهة الكبرى، فايران لها اذرع ضاربة قوية منتشرة ابتداء من مضيق هرمز مرورا بالضاحية الجنوبية في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وانتهاء بفصائل المقاومة في قطاع غزة. في حرب الناقلات عام 1984، وفي ذروة الحرب العراقية الإيرانية جرى اعطاب، او تدمير، اكثر من 500 سفينة وناقلة نفط، هذا قبل 35 عاما، ولم تكن ايران حينها الطرف الأقوى، فكيف سيكون الحال الآن اذا ما اشتعلت حرب ناقلات جديدة في ظل ترسانتها الصاروخية البرية والبحرية والجوية المتطورة؟
الرسالة التي حملتها طائرات “الدرونز” الحوثية السبع الى أمريكا وحلفائها تقول ان ايران ربما لن تكون محتاجة لإغلاق مضيق هرمز، او حتى استخدام صواريخها لقصف ناقلات النفط، فهناك من هو قادر على القيام بهذه المهمة وتعطيل الملاحة الدولية بطائرات مسيرة لا تزيد قيمتها عن 300 دولار للواحدة، ويعلم الله ما تخفيه “كهوف” صعدا، شمال اليمن من مفاجآت أخرى.
السعودية سترد حتما على هذا الهجوم الذي استهدفها بالمزيد من القصف الجوي، وقتل العشرات من المدنيين (الطائرات المسيرة الحوثية لم تقتل مدنيا واحدا)، فلم تبق هناك أي اهداف على الارض لتضربها، ثم ما هو الجديد؟ جون ابي زيد الجنرال السابق في الجيش الأمريكي، والسفير الحالي لبلاده في الرياض ادلى بتصريح امس يرسم ملامح الخطة الامريكية العسكرية المتوقعة عندما قال “نحن بحاجة لإجراء تحقيق في العملية التخريبية التي تعرضت لها الناقلات في ميناء الفجيرة لنعرف ما حدث ثم نأتي بالرد المعقول، ربما لا يصل الى حد الحرب”، هذا يعني امرا واحدا، وهو توجيه ضربات جوية او صاروخية وشيكة لإيران، خاصة بعد اتهامها من قبل متحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية بأنها تقف خلف هجوم الفجيرة، فمتى انتظرت أمريكا نتائج التحقيقات؟ أي ضربة تستهدف ايران، محدودة او موسعة، قد تفتح أبواب الجحيم على امريكا وخلفائها العرب في المنطقة.. والأيام بيننا.
عبدالباري عطوان ـ رأي اليوم