المشهد اليمني الأول/
يثير التوتر الهندي – الباكستاني الرعب في البلدين وفي الدول المجاورة بسبب تسلّحهما النووي، الأمر الذي عبّر عنه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان اليوم بعد إسقاط إسلام آباد طائرتين هنديتين اخترقتا الأجواء الباكستانية وأسر طياريها، حيث قال إن باكستان والهند “غير مسموح لهما بأي خطأ في الحسابات بالنظر لإمكاناتهما العسكرية” في إشارة إلى الأسلحة النووية.
وهكذا دعت كل من روسيا والصين وإيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية الجارتين النوويتين إلى “ضبط النفس والتحلي بالحكمة”، وتجنب أي خطوات من شأنها تعريض السلام والأمن في المنطقة للخطر.
فمنذ الهجوم الانتحاري الذي نفذه تنظيم “جيش محمد” في كشمير في 14 فبراير الجاري وأودى بحياة 44 جندياً هندياً، ازداد منسوب التوتر بين الدولتين والتراشق بالاستهامات والتهديدات وصولاً إلى الغارات الانتقامية الهندية ضد ما قالت إنه معسكرات للتنظيم في الجزء الكشميري الذي تسيطر عليه الهند، وإلى إسقاط باكستان لطائرتين هنديتين وإعلان الهند أن مقاتلات باكستانية اخترقت المجال الجوي في الشطر الهندي من كشمير اليوم الأربعاء.
واللافت أن بعض المجلات والمواقع الاستراتيجية الأميركية قد بدأت تحذر من اندلاع حرب نووية بين الهند وباكستان نتيجة سوء تقدير سياسي – عسكري – استخباراتي لنيات الطرف الآخر، فيما سلّط البعض الضوء على الترسانتين النوويتين للدولتين.
ففي مقال للباحث الياباني كايل ميزوكامي بعنوان “أنسوا كوريا الشمالية: برنامج الأسلحة النووية الباكستاني مرعب حقاً” نشر أمس في مجلة “ذا ناشيونال انترست” الأميركية، سلّط فيه الضوء على قدرات باكستان النووية في البر والجو والبحر، من الصواريخ الباليستية “حتف” بنسخاتها المتعددة إلى صواريخ “شاهين”، والمقاتلات الجوية المعدّلة كي تحمل قنابل نووية، وصولاً إلى الصواريخ المحمولة على السفن والغواصات “بابور 2″ و”بابور 3” وهي من نوع صواريخ “كروز” الحديثة.
يقول ميزوكامي في مقالته إن باكستان تقع جغرافياً بين الصين والهند وأفغانستان (وإيران)، وهي تعيش في منطقة معقدة مع مجموعة متنوعة من المشاكل الأمنية.
باكستان هي إحدى الدول التسع المعروفة بأنها تمتلك أسلحة نووية، وتقوم بتطوير ترسانتها وعقيدتها النووية باستمرار كي تواكب التهديدات المتصوّرة. فباكستان هي قوة نووية منذ عقود، وهي تحاول الآن بناء ثالوث نووي خاص بها، مما يجعل ترسانتها النووية مرنة وقادرة على تنفيذ ضربات مدمرة انتقامية.
يعود برنامج باكستان النووي إلى خمسينيات القرن العشرين، خلال الأيام الأولى من التنافس مع الهند، فقد قال الرئيس الباكستاني الراحل ذو الفقار علي بوتو في عام 1965: “إذا صنعت الهند القنبلة (النووية)، فسوف نأكل العشب أو الأوراق، بل سنجوع، لكننا سنحصل على قنبلتنا”.
أصبح البرنامج النووي أولوية عليا لباكستان بعد هزيمتها عام 1971 على يد الهند، والتي تسببت في انفصال شرق باكستان التي أصبحت دولة بنغلادش. يعتقد الخبراء أن الخسارة المهينة للأراضي، أكثر بكثير من التقارير التي تفيد بأن الهند تسعى للحصول على أسلحة نووية، هي التي عجّلت البرنامج النووي الباكستاني. اختبرت الهند القنبلة الأولى، التي تحمل الاسم الرمزي “بوذا المبتسم”، في مايو 1974، ما وضع شبه القارة الهندية على الطريق المؤدي إلى الانتشار النووي.
بدأت باكستان عملية تجميع الوقود الضروري للأسلحة النووية واليورانيوم المخصب والبلوتونيوم. وقد ساعد هذا البلد بشكل خاص من قبل العالم الباكستاني عبد القادر خان، وهو عالم في مجال المعادن كان يعمل في الغرب وعاد إلى بلده الأم في عام 1975 بتصاميم أجهزة الطرد المركزي وقائمة جهات الاتصالات اللازمة لبدء عملية التخصيب.
وقد ساعدت البلدان الأوروبية البرنامج الباكستاني وتم تصميم برنامج سري لشراء المعدات في التفاف على الجهود المبذولة لمنع انتشار الأسلحة النووية. في نهاية المطاف، خرجت الدول الخارجية من البرنامج، حيث أصبح الهدف الحقيقي للبرنامج واضحًا، لكن الجهد السري استمر.
يرى ميزوكامي أنه لا يزال غامضاً متى أكملت باكستان صناعة أول قنبلة نووية بالضبط.
زعمت الرئيسة السابقة بينظير بوتو، ابنة ذو الفقار بوتو، أن والدها أخبرها بأن أول قنبلة كانت جاهزة بحلول عام 1977. وقال عضو في هيئة الطاقة الذرية الباكستانية إن تصميم القنبلة قد اكتمل في عام 1978 وأن القنبلة “تم اختبارها على نحو بارد” – أقل من انفجار فعلي – في عام 1983.
زعمت بينزير بوتو في وقت لاحق أن قنابل باكستان النووية كانت مخزنة حتى عام 1998، عندما اختبرت الهند ست قنابل نووية في غضون ثلاثة أيام. وبعد ثلاثة أسابيع تقريباً، أجرت باكستان جدولاً زمنياً مشابهاً لاختبار إطلاق القنابل، فاختبرت خمس قنابل في يوم واحد وقنبلة سادسة بعد ثلاثة أيام. قد تكون القنبلة الأولى، التي تقدر بـ25 إلى 30 كيلوطن، قنبلة لليورانيوم المعزز. وتقدّر القنبلة الثانية بنحو اثني عشر كيلوطن، والثالثة كقنابل فرعية من الكيلوطن.
ويبدو أن القنبلة السادسة والأخيرة وهي أيضاً قنبلة بقدرة 12 كيلوطناً قد تم اختبارها في نطاق اختبار مختلف. فقد كشفت مقاتلة أميركية تابعة للوحدة الجوية “فونيكس كونستانت” عن اختبار لسلاح نووي مصنع من البلوتونيوم. وبما أن باكستان كانت تعمل على صنع قنبلة يورانيوم، وكانت كوريا الشمالية – التي اشتركت مع باكستان أو اشترت أبحاثًا منها عبر شبكة عبد القادر خان – تعمل على صنع قنبلة يورانيوم، خلص بعض المراقبين الخارجيين إلى أن الاختبار السادس هو في الواقع اختبار كوري شمالي، تم تفجيره في مكان آخر لإخفاء مشاركة كوريا الشمالية. لكن لا إجماع في الآراء حول هذا الاستنتاج.
ينقل ميزوكامي أن الخبراء يعتقدون أن مخزون باكستان النووي يزداد باطراد. ففي عام 1998، قدر المخزون من خمسة إلى خمسة وعشرين قنبلة، اعتمادًا على كمية اليورانيوم المخصب الذي تحتاج إليه كل قنبلة. وتشير التقديرات إلى أن لدى باكستان اليوم ترسانة من 110 إلى 130 قنبلة نووية. وفي عام 2015، قدرت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومركز ستيمسون قدرة باكستان على تصنيع القنابل بمعدل عشرين قنبلة سنويًا، ما يعني أن باكستان يمكن أن تصبح بسرعة ثالث أكبر قوة نووية في العالم بفعل المخزون القائم. غير أن مراقبين آخرين يعتقدون أن باكستان لا يمكنها أن تطور سوى أربعين إلى خمسين رأسًا حربيًا نووياً في المستقبل القريب.
تخضع الأسلحة النووية الباكستانية لسيطرة قسم الخطط الاستراتيجية العسكرية، ويتم تخزينها بشكل أساسي في إقليم البنجاب، بعيداً عن الحدود الشمالية الغربية للبلاد وحركة طالبان. ويقوم عشرة آلاف من القوات الباكستانية وأفراد الاستخبارات الباكستانية بحراسة هذه الأسلحة. وتزعم باكستان أن الأسلحة تجهّز فقط بالشيفرة المناسبة في اللحظة الأخيرة، ما يمنع سيناريو الدولة “المارقة النووية”.
لا شك أن العقيدة النووية الباكستانية غايتها ردع الهند، الجارة الأقوى من الناحية الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وقد تفاقمت الأزمة النووية بسبب العداوة التقليدية بين البلدين، والحروب المتعددة التي خاضاها، وأحداث مثل الهجوم الإرهابي الذي وقع عام 2008 على مومباي، والذي تقول الهند إنه نُفذ بتدبير منباكستان. وعلى عكس الجارتين الهند والصين، لا يوجد لدى باكستان مبدأ “عدم الاستخدام الأول” للسلاح النووي، وهي تحتفظ بحق استخدام الأسلحة النووية، وخاصة الأسلحة النووية التكتيكية ذات العائد المنخفض، لتعويض تفوّق الهند في القوات التقليدية.
يكشف ميزوكامي أن لدى باكستان حالياً “ثالوثاً” نووياً من أنظمة الإطلاق القائمة على الأرض، وفي الجو وفي البحر. ويُعتقد أن إسلام أباد قد عدّلت مقاتلات أميركية الصنع من طراز “أف -16 إيه” F-16A وربما مقاتلات “ميراج” فرنسية الصنع لإطلاق قنابل نووية منها وذلك بحلول عام 1995. وبما أن المقاتلات الباكستانية ستخترق شبكة الدفاع الجوي الهندية لإطلاق حمولاتها ضد المدن والأهداف الأخرى، فإن من المرجح أن الطائرات الباكستانية ستقوم بإطلاق الأسلحة النووية التكتيكية ضد أهداف ساحة المعركة.
أما نظم الإطلاق النووية البرية لدى باكستان فهي على شكل صواريخ، مع العديد من التصاميم على أساس التصاميم الصينية والكورية الشمالية أو بتأثير منها. وتشمل سلسلة صواريخ “حتف” (غوري باللغة الأردية) المتنقلة: الصاروخ (حتف 3) الذي يعمل بالوقود الصلب ومداه 180 ميلاً، وصاروخ (حتف 4) الذي يعمل بالوقود الصلب ومداه 466 ميلاً، وصاروخ (حتف 5) الذي يعمل بالوقود السائل ومداه 766 ميلاً. تعتقد “مبادرة التهديد الصاروخي” CSIS أنه اعتباراً من عام 2014، يُرجح أن صاروخ (حتف 6) ومداه 1242 ميلاً قد وُضع في الخدمة. كما تقوم باكستان بتطوير صاروخ من طراز “شاهين 3” متوسط المدى القادر على ضرب الأهداف حتى 1708 أميال، من أجل ضرب جزيرتي نيكوبار وأندامان في خليج البنغال.
يوضح ميزوكامي أن عنصر البحر في القوة النووية الباكستانية يتألف من صنف “بابور” من صواريخ كروز. تبدو النسخة الأخيرة، “بابور 2″، مثل معظم صواريخ “كروز” الحديثة، مع شكل يشبه الرصاصة، ومجموعة من أربعة أجنحة ذيل صغيرة وجناحين رئيسيين قصيرين، كلها مدعومة بمحرك توربيني. صاروخ “كروز” مداه يصل إلى 434 ميلاً. وبدلاً من توجيه نظام تحديد المواقع العالم (GPS)، والذي يمكن أن يتم تعطيله إقليمياً من قبل الحكومة الأميركية، يستخدم “بابور 2” تقنية الملاحة المطابقة القديمة (TERCOM) وتقنية الملاحة(DSMAC) . وتم نشر “بابور 2” في البر وفي البحر على ظهر السفن، حيث يصعب تحييدها. وتم اختبار النسخة “بابور 3” التي تطلق من الغواصة في يناير الماضي، وستكون هي الأكثر قدرة على النجاة من جميع أنظمة الإطلاق النووية الباكستانية.
من الواضح أن باكستان تطوّر قدرة نووية قوية لا يمكنها فقط ردع حرب نووية بل خوضها كذلك. كما أنها تتعامل مع قضايا الأمن الداخلي التي يمكن أن تهدد سلامة ترسانتها النووية. وهذا ما يجعل باكستان والهند في خضم سباق تسلح نووي يمكن أن يؤدي نسبياً إلى مخزونات نووية عالية تذكرنا بالحرب الباردة. وبالتالي، هناك حاجة ماسة إلى اتفاقية لتحديد الأسلحة في شبه القارة الهندية.
يشار إلى أن كايل ميزوكامي هو باحث في مجال الدفاع والأمن القومي ومقره سان فرانسيسكو نشر مقالات في مجلات “ديبلومات” و”فورين بوليسي” و”ذا دايلي بيست”. وأنشأ مدونة الدفاع والأمن في اليابان.