المشهد اليمني الأول/

 

أثار ظهور وزير خارجية «الشرعية»، خالد اليماني، إلى جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في «مؤتمر وارسو» الذي عقد الأربعاء في بولندا، ردود أفعال رسمية وشعبية ساخطة وغاضبة، فتوسط اليماني بين نتنياهو وبومبيو في المؤتمر الذي دعت إليه أمريكا لتشكيل تحالف ضد إيران، اعتبرته أحزاب ومكونات سياسية واجتماعية يمنية «خطوة في طريق التطبيع الكامل بين تلك الحكومة التي تقيم في الرياض منذ أربع سنوات وإسرائيل العدو الأول للأمة العربية والإسلامية وخيانة وطنية وتحدى لإرادة الشعب اليمني المساند للقضية الفلسطينية».

 

 

الظهور العلني لوزير خارجية حكومة هادي في «مؤتمر وارسو» كان صادماً لكافة أبناء الشعب اليمني مناهضين ومؤيدين لـ«التحالف» ولتلك الحكومة، فما حدث تجاوز الخطوط الحمراء التي لا يسمح الشعب اليمني بتجاوزها رغم معاناته جراء الحرب والحصار الذي شارف على الانتهاء من العام الرابع، فكانت ردة الفعل الشعبية غاضبة، بل ممكن القول إن ذلك المشهد أجج مشاعر السخط الشعبية وأزال الانقسام الشعبي ووحد اليمنيين في لحظة لم يسبق أن شهدها الشعب اليمني منذ 70 عاماً.

 

 

على مدى اليومين الماضيين تصاعدت مشاعر الغضب وتعالت الأصوات الرافضة لأي خطوات قد تخطوها حكومة «الشرعية» نحو التطبيع مع إسرائيل، فتسابقت في العاصمة صنعاء التكتلات السياسية والاجتماعية والثقافية في إصدار بيان الاستنكار والتنديد التي أجمعت على أن «إدانة مشاركة حكومة هادي ووصفتها بالعمل المشين الذي تجاوز مبادئ وثوابت الشعب اليمني»، كما عبرت عن «رفضها المطلق لأي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل».

 

 

كما اعتبرت تلك البيانات والإدانات أن «مشاركة حكومة هادي في مؤتمر وارسو لا يمثل الشعب اليمني الملتزم بموقفه الثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في مناهضة الاحتلال الإسرائيلي».

 

 

دعوة للغضب

 

 

قائد حركة «أنصار الله» عبد الملك الحوثي، الذي عبر خلال الفترة الماضية عن رفضة المطلق لـ«صفقة القرن»، دعا يوم أمس الجمعة الشعب اليمني إلى «الخروج في مسيرات جماهيرية حاشدة غداً الأحد رفضاً لخيانة وارسو وتأكيداً على ثباته على موقفه الثابت من القضية الفلسطينية المقدسات ومتمسك بقضايا الأمة الكبرى وموقفه في العداء للعدو الإسرائيلي الغاصب المعادي للأمة والإسلام موقف مبدئي عقائدي».

 

 

واكد الحوثي أن «مؤتمر وارسو يعد محطة من محطات كثيرة حيكت فيها المؤامرات على الأمة، إلا أنه تميز بالظهور في العلن لما كان يجري في الخفاء». وأضاف الحوثي: «فقد أرادوا لشعبنا العزيز أن يكون دمية لإسرائيل وأداة من أدوات أمريكا كما فعلوا هم، وأرادوا له في سبيل توجهاتهم وخيانتهم أن يضحي باستقلاله وكرامته وحريته وأن يتخلّى عن قيمه وأخلاقه».

 

 

من جانبه قال رئيس اللجنة الثورية العليا، محمد علي الحوثي، إن «مشاركة نظام فنادق الرياض في المؤتمر، يؤكد التماهي التام مع أعداء الشعب»، مبيناً أن «هدف المؤتمر هو التطويع للتطبيع». وأشار إلى أن «اجتماع وارسو اليوم لا يعني بالنسبة للشعب أكثر من تأكيد المؤكد، بكشفه صورة جديدة من ألبوم عمالة مرتزقة العدوان وتنصلهم عن الهوية اليمانية العربية والإيمانية وتحديهم لكل مشاعر اليمنيين، ضمن سعيهم الحثيث لتنفيذ أجندة أمريكا وإسرائيل الرامية لإماتة الشعوب الحيّة الواعية».

 

 

خطوات التطبيع

 

 

حضور اليماني الذي تبادل الابتسامات مع نتنياهو، يأتي في إطار لقاءات سابقة لليماني مع قيادات إسرائيلية تحت ذريعة محاربة إيران. البعض منها سرية تمت في الأردن وفي نيويورك، حيث أجتمع اليماني في الـ 25 من سبتمبر الماضي بصورة علنية مع مدير جهاز الموساد، الإسرائيلي وخارجية الامارات والسعودية والبحرين بمدينة نيويورك الامريكية. بمؤتمر تحت عنوان «متحدون ضد إيران النووية»، كما أعلن يوسف العتيبة سفير ابوظبي في واشنطن، حينها انه لا بد من «مواجهة المشروع التوسعي لإيران». وأكد أن «اليمن يعد المكان الأنسب لمواجهة المد الإيراني»، وهو ما يتلاءم مع الاجندة الإماراتية الاستعمارية في اليمن، وسط صمت وموافقة اليماني.

 

 

تفيد المصادر بأن أكثر من لقاء عقد بين اليماني وقيادات إسرائيلية للترتيب لمؤتمر وارسو، وتلقيه أكثر من اتصال هاتفي، ويعد مشاركته في المؤتمر وتعاطيه مع رئيس حكومة إسرائيل اعترافاً ضمنياً إن لم يكن اعتراف رسمي وفق العرف الديبلوماسي.

 

 

مبررات اليماني

 

 

حاول اليماني أن يبرر فضيحته النكراء بـ«الخطأ البروتوكولي» في الترتيب، إلا أن مراقبين «اعتبروا ذلك العذر أقبح من الجرم الذي ارتكبه». وأشاروا إلى أن «تموضع اليماني بين أمريكا وإسرائيل كان متعمداً ويدل على ان الترتيب لم يكن عفوياً». وردوا على تلك الذريعة بالقول: «كان بالإمكان أن يرفض اليماني الجلوس في المقعد أو يقاطع المؤتمر احتراماً للشعب اليمني لو كان اصلاً يمثل الشعب اليمني كما سبق أن قاطع مسؤولين يمنيين في لقاءات ومؤتمرات حضرتها إسرائيل وسجل لهم تلك المواقف الإيجابية الرافضة لإسرائيل والمقاطعة لها».

 

 

هرولة نحو التطبيع

 

 

ما حدث في وأرسوا، اعتبره مراقبون يمنيون «هرولة مفضوحة نحو التطبيع مع إسرائيل». ووصفوه بـ«الانبطاح المدفوع من قبل الأنظمة المهترئة العميلة في المنطقة كالنظامين السعودي والإماراتي، وان كان مجرد تماشي مع توجه الرياض وابوظبي فهو يدل على أن حكومة هادي فاقدة للشرعية ولا قرار ولا إرداة لها ولا تراعي خصوصيات الشعب اليمني، ومشاعره الرافضة للتطبيع مع من يحتل الأرض والمقدسات، بل أيضاُ تجاوز لصلاحيات الشرعية فلاي حق لها أن تتحدث باسم الشعب اليمني في قضايا لا تقبل التجاوزات لارتباطها بمبادئ وثوابت الشعب اليمني».

 

 

تبرير الفضيحة

 

 

فيما التزمت الأحزاب والمكونات السياسية كحزب «الإصلاح» الصمت حيال فضيحة «الشرعية»، سارعت وسائل الإعلام الموالية لحكومة الأخيرة، إلى تبرير فضيحة التطبيع مع «إسرائيل» واعتبرت ما حدث غلطة غير مقصودة. وذهب آخرون إلى انتقادها باعتبارها ستخدم «أنصار الله». وقال آخرون إن «أنصار الله دفعوا حكومة هادي إلى التطبيع». أما فريق ثالث فقد سعى إلى إخفاء الصور والفيديوهات الخاصة بمشاركة وزير خارجية «الشرعية»، في مؤتمر وارسو.

 

 

ويبقي الرد الشعبي الرافض لكل مساعي التطبيع التي قامت به «الشرعية» في ساحات الميادين يوم غد الاحد في العاصمة صنعاء وكل المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة «الإنقاذ».

 

 

(رشيد الحداد – العربي)