الرئيسية زوايا وآراء قِراءةٌ في الأوامِر المَلكيّة السعوديّة: ما أسباب إعفاء الجبير؟

قِراءةٌ في الأوامِر المَلكيّة السعوديّة: ما أسباب إعفاء الجبير؟

المشهد اليمني الأول/

 

اسْتَبقَ وليّ العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان، أوامر والده الملك سلمان بن عبد العزيز الملكيّة الصادرة الخميس، وأعاد اعتقال الأمير خالد بن طلال، وذلك بعد وفاة والده الأمير طلال بن عبد العزيز، وتُفَسِّر مصادر في الداخل السعودي تلك الخُطوة، بأنّها رسالة عدم اكتراث من الأمير بن سلمان بكبار العائلة وسياسة تحكيمهم للأزمات، كالأمير أحمد بن عبدالعزيز الذي عاد إلى الرياض، وعلى عكس التوقّعات اصطف خلف قيادة الأمير الشاب، ولم يُحدث أي انقلاب سلمي أو دموي كما رجّحت بعض التقارير الإعلاميّة عودته على خلفيّة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصليّة بلاده على الأراضي التركيّة.

 

أمّا اعتقال الأمير خالد بعد وفاة والده، فهي دلالة ذهاب تقول تفسيرات الداخل السعودي، المِظلَّة الأبويّة لأبناء المُؤسِّس التي كانت تحكم أُطر التعامل داخل العائلة الحاكمة طِوال 80 عاماً من عُمر الدولة السعوديّة الثالثة، ومع رحيل الأمير طلال بن عبد العزيز، يوصل محمد بن سلمان رسالة مفادها أن لا وساطة بعد ذلك، لكُل الأُمراء أصحاب النزعة الانقلابيّة أو الاصلاحيّة، أو حتى النقديّة، وإعادة اعتقال الأمير خالد بعد أيّام معدودة فقط من وفاة والده، مُؤشِّر بارز في ذلك السِّياق، ويؤكده عدم صدور أي تهمة سياسيّة كانت أم ماليّة بحق الأمير خالد بن طلال.

 

الخميس ما قبل نهاية العام، الداخل السعودي “يتحفَّز” مُنتظراً بعض القرارت الملكيّة التي تُعيد الحياة إلى القِطاعات الاقتصاديّة، فجميع المحال التجاريّة والشقق، وقطاعات الاتصالات والسيارات بين خاوية أو مُغلَقة، نسب البطالة بارتفاع، بالرغم من بنود خطّة الرؤية 2030 التي تقوم على خطّة السعودة، رحلت العمالة الوافدة تِباعاً على إثر فرض الرسوم على الوافدين للإقامة، وقرارات السعودة، فلا توظّف السعوديون، ورحل الوافدون المُحرِّكون الأساسيّون لكُل القِطاعات، الصورة قاتمة السواد ينقل كُل من تجوّل في الأسواق العامّة التجاريّة، وحال سوقها الاقتصادي الراكد.

 

وزير التجارة والاسثتمار السعودي ماجد القصبي وفي حوار تلفزيوني، يُلمِّح إلى إعادة دراسة الرسوم المفروضة على العمالة الوافدة، يقول مُحلِّلون أن رحيل تلك العمالة أثَّر بشكلٍ سلبيٍّ على الأسواق السعوديّة، بل إنّ أحد رجال الأعمال السعوديين تساءل علناً في مؤتمر محلّي، عن الفارق الغريب الحاصل بين نتائج النمو التي تُصدرها الوزارات في بلاده، وبين الحقائق على أرض الواقع، فجميع المشاريع المُتوسّطة والصغيرة، إمّا توقّفت، وانعدمت، وإمّا تُعاني، هذا بالإضافة إلى انخفاض الأُجور مع ارتفاع الأسعار، وتراجع قدرة الطبقة الوسطى على إحياء المُعدَّلات الشرائيّة للأسواق.

 

وزير التجارة القصبي يقول اقتصاديّون، أنه مُطَّلع ومن خلفه واضع الرؤية على نتائج بنودها، التي “عسَّرت” النمو، ولم “تيسّره”، ومن المُفترض أن الرؤية يجب أن تنتقل بالبِلاد من الاعتماد على العوائد النفطيّة، إلى غير النفطيّة، وهي افتراضات يبدو فيما يبدو يَصعُب تحقيقها، بالنظر إلى واقع الأسواق، وحالة الرُّكود غير المسبوقة على جميع الأصعدة، إذاً يُلمح الوزير إلى استكمال دراسته التي تُعيد النظر في المُقابل المالي للعمالة الوافدة، بل وطرحها على مجلس الوزراء قريباً، ويُرجّح اقتصاديون أن الدراسة سوف تتجه إلى خفض الرسوم تدريجيّاً، مُراعاةً لحال القطاعات التي توقَّفت على إثر رحيلهم، وخبرتهم المُسجَّلة فيها، وبالتالي تضرّر المُواطن السعودي المالك الفِعلي والمحال في تِلك القِطاعات.

 

وفيما غابت أي قرارات “اقتصاديّة شعبيّة” عن الأوامر الملكيّة التي صدرت، كان لافتاً برأي المُراقبين تركيز العاهل السعودي بقراراته، على الجانب السياسي، والتعليمي، الرياضي والترفيهي.

 

في الجانب السياسي كان لافتاً، إعفاء وزير الخارجيّة عادل الجبير وتعيينه وزير دولة (منصب شكلي)، وهي خطوة يقرأها العالمون في القرارات الملكيّة، كمُحاولة لتغيير وجه السِّياسات الخارجيّة للمملكة، فالرجل بالرغم أنّه لا يصنع سياسات كما كان سلفه الراحل سعود الفيصل، إلا أنّه بات وجهاً غير موثوق للعالم، أقلّه في تصريحاته المنقولة في أزمة سورية، ومقولته الأثيرة رحيل الأسد سلماً أو حرباً التي ثَبُت عدم واقعيّتها، كما الانتقادات التي طالته في أزمة مقتل جمال خاشقجي، فالرجل اختفى ثم ظهر، وتضاربت تصريحاته حول القضيّة، وبذلك الإعفاء يطوي الجبير صفحة حياته السياسيّة، وتُحاول العربيّة السعوديّة تجديد دمائها، بعد تلطيخ يديها بدماء الراحل خاشقجي، على حد توصيف وسائل إعلام غربيّة.

 

وكانت قد تردَّدت أنباء، عن تعيين الأمير خالد بن سلمان سفير واشنطن في منصب وزير الخارجيّة على خلفيّة ضُلوعِه بحسب اتِّهامات صحف غربيّة في قضية اغتيال خاشقجي، واستدراجه للصحافي الراحل لقنصليّة بلاده في تركيا، إلا أنّ عودة الرجل إلى واشنطن نسَفَت كُل تِلك الأنباء، ليَحِل مكان الجبير، الوزير إبراهيم العساف، الوزير المُعتَقل في واقعة “الريتز كارلتون” الشهيرة، كوزير ماليّة على خلفيّة قضايا فساد.

 

وزير الماليّة السابق (1996- 2016)، ووزير الخارجيّة الحالي العساف، مُثْقَلٌ باتِّهامات فساد حسب تعريف الحملة الشهيرة التي شنّها الأمير محمد بن سلمان تحت عُنوان مُحاربة الفساد، حقوقيّون كانوا قد استفسروا عن الأُسس القانونيّة والشرعيّة التي تمّت عليها أُسس الاعتقال، والمُحاكمة، ومن ثم الإفراج عنهم ضمن صفقات، لم تخرج تفاصيلها إلى النور، العساف بريءٌ اليوم بحُكم تولّيه حقيبة الخارجيّة، الرجل مُتَخصِّص في الاقتصاد، ويحمل درجة الدكتوراة فيه، كما يحمل درجة البكالوريس في الاقتصاد والعلوم السياسيّة، فما الذي قد تفعله درجته العلميّة في العلوم السياسيّة بسياسة بلاده، وهل ينجح في تغييرها، أو يُراد له تغييرها، تُطْرَح التساؤلات.

 

تغيير الوجوه في العربيّة السعوديّة، أو إعادة تشكيل مجلس رئاسة الوزراء حسب ما جاء في الخبر الرسمي لوكالة الأنباء “واس″، قد لا يحمل معانٍ واضحة، وكبيرة، فجميع الخُيوط يقول مراقبون في يد الحاكم الفِعلي للبِلاد وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، والسؤال الوحيد الواجب طرحه أو يصح أمام اختيار مُعتقل سابق كالوزير العساف وبتُهم فساد مالي، لوزارة الخارجيّة، هي الرسالة التي يُريد أن يوصلها بن سلمان إلى الداخل السعودي والخارج.

 

فهل هي رسالة تسامح من دولته المُتَّهمة دوليّاً بالاغتيال، والتقطيع، وحتى التَّذويب لمُعارضيها مثلاً، أي أنّها تتسامح مع المُعتقلين أو الذين تَثْبُت براءتهم، والأهم ولاءهم، بل تُعيدهم إلى المناصب الرفيعة والعساف مثال واقعي، ولعلّها ستخرج مُعتقلين بارزين آخرين، وتُعيّنهم في تشكيلات وزاريّة قادمة، عصام الزامل الخبير الاقتصادي المُعتَقل حاليّاً على خلفيّة تغريدة انتقدت اكتتاب أسهم أرامكو في الأسواق العالميُة وزيراً للماليّة، ولجين الهذلول الناشطة في حُقوق النساء، وزيرةً للمرأة، أمْ أنّها مُجرّد صفقات داخليّة كما يُرجِّح روّاد صالونات سياسيّة في المملكة؟

 

على الصَّعيد الرياضي، شَمِلَت القرارات الملكيّة إعفاء تركي آل الشيخ من رئاسة الهيئة العامّة للرياضة، وعُيّن آل الشيخ رئيساً لهيئة الترفيه، والتي كان رئاسة منصبها شاغِراً لفترة طويلة، على خلفيّة تنظيم رئيسها السابق فعاليّةً كانت قد أثارت حفيظة الشارع، لخُروجها عن الضوابط والمحظورات الأخلاقيّة، والإسلاميّة في المملكة.

 

ويُنظَر إلى إعفاء آل الشيخ من منصبه، كمُحاولةٍ للحَدِّ من نُفوذه الرياضيّة بعد تعيينه في أيلول سبتمبر العام 2017 في الداخل السعودي على صعيد تحكّمه بمصير الأندية المحليّة، وخارجيّاً، تخفيفاً من حِدَّة الخِلافات التي وقعت مع كل من المغرب، مِصر، وأصبحت تحمل طابعاً سياسيّاً، فالرجل كان قد وقف علانيةً ضِد تنظيم المغرب واستضافتها كأس العالم، ممّا وتّر العلاقات السياسيّة بين البلدين، وراكم قضايا الخِلاف الصَّامت التي من بينها الخِلاف الرياضي، ودفع كما تردَّد بالأمير بن سلمان إلى إلغاء زيارته إلى المغرب في جولته الأخيرة التي اختتمها على أرض الأرجنتين، للمُشاركة في قمّة العشرين، كما أغضب آل الشيخ خلال رئاسته لهيئة الرياضة، المصريين، جمهور أحد الأندية المِصريّة الشهيرة، حين تدخَّل بإدارتها، ودفع بجمهورها إلى التطاول عليه بألفاظ نابية، في هتاف علني خرج عن المألوف اللائق.

 

ولِقُرب آل الشيخ من الأمير بن سلمان، عاد وترأس هيئة الترفيه بتكليفٍ ملكيٍّ الخميس، وباعفائه من رئاسة هيئة الرياضة، انتقلت رئاسة الأخيرة من عائلة آل الشيخ إلى العائلة الحاكمة آل سعود، وحل مكانه الأمير عبدالعزيز بن تركي آل سعود رئيساً بمرتبة وزير وهو شاب في الثلاثينات من عمره، وكان يرأس هيئة الرياضة ما قبل رئيسها المُعفَى تركي آل الشيخ، أيضاً من العائلة ذاتها، وهو محمد بن عبد الملك آل الشيخ، وكما هو مُتعارف عليه، فإنّ تأسيس العربيّة السعوديّة، قام على اتحاد ديني سياسي، بين عائلتي آل الشيخ للشؤون الدينيّة، وآل سعود لشُؤون الحُكم والسياسة، وينحدر مُفتي المملكة من ذات العائلة، وهو عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وهو من أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهّاب التميمي.

 

وكانت هيئة الترفيه قد أُدخلت على واقع الحياة السعوديّة الصارمة دينيّاً، بعد تولّي الأمير محمد بن سلمان ولاية ولاية العهد، حيث بدأ في مسيرة إصلاح اجتماعي، كان من أهم آثارها القضاء تماماً على هيئة الأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكر، الهيئة الدينيّة الشهيرة التي يقول مُنتقدو لها أنها ساهمت في تطرّف الشباب، لكن مُويّدون لفكرتها يرون في مُصادرة صلاحيّاتها، وإحلال الترفيه مكانها، تهوّراً، ونسفاً لتعاليم الإسلام، وتقليداً للغرب الانفتاحي.

 

القِطاع التعليمي، كان الأكثر سعادةً، وحفاوةً بإعادة التشكيل الوزاري الذي تضمّنه القرار الملكي، فقد أعفى العاهل السعودي الخميس، وزير التعليم أحمد العيسى، وإعفاء الأخير كما يراه الداخل السعودي، مُحاولة ملكيّة للاستماع للمطالب الشعبيّة، وتنفيس إيجابي حيث واجه الوزير المُعفى العيسى، انتقادات طالته حول إجازة المُعَلِّمين، وإضافَة ساعة النشاط، التأمين الصحّي للمُعلِّمين، إضافةً إلى ملف الخصخصة في مدارس التعليم العام التي تُقلق الأهالي والطلاب، هذا بالإضافة لاتِّهامه بالفساد، والتوظيف الوهمي، وانتشار حالات الجرب، وعُيِّن بديلاً للوزير المذكور، حمد آل الشيخ، الذي يُتوقّع أن يدخل تحديثات كبيرة على المناهج المدرسيّة، بعد نوايا قرار إدخال الفلسفة، والقانون إليها، وغيرها من المواد التي كانت تُعتبر خطايا مُحرَّمة، تُعارِض الدين الإسلامي، وتنسف خُطوطه الحمراء، على حد اعتبارات ومُعتقدات التيّار الإسلامي الوهّابي في حينها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خالد الجيوسي

Exit mobile version