سي إتش فور!

المشهد اليمني الأول/

 

استيقظ الصباح في صعدة ليُقبلَ أصحاب الوجوه المنيرة، والتي أشرقت بنور ربها قبيل السَّحَر، لم يوقظهم الفجر لكنهم أيقظوه، ولم يزرهم الصباح إلى مراقدهم لكنهم سبقوه..
أنهوا برنامجهم اليومي بتلاوة القرآن وذكر الرحمن، والصلاة والسلام على خير الأنام، وآله الطاهرين الكرام..
وكانَ الصباحُ باردًا كعادته في أواخر شهر ديسمبر..وأشرقتِ الشمسُ بشعاعٍ ذهبي؛يصارعُ أمواجَ البرد القاسية، ويتسلل إلى عيون المستبشرين البنية، أحدهُم يحمل مسبحة يقلب حبَّاتها، ويحرك شفتيه، وآخر قريبٌ منه يحلق بعينيه في السماء من خلال منظارٍ صغير، جاء به من عسير، في إحدى الاقتحامات المسددة..

 

-إنها جرادة كبيرة..إنها جرادة كبيرة
تردد صوت المجاهد في أذن رفيقه، فأدخل مسبحته في عنقه، واقترب من زميله ليسمعه يردد ثانيةً:
-خذ المنظار وانظر هناك..
أجابه صاحبه:
-إني أراها بدون منظار..إنها هناك..
وأشار له باتجاه الشمال..وأخرج هاتفه الصغير وهاتَفَ أحدهُم، ونقلَ له بعض الأرقام ..
ولم تكد الدقيقة تطوي مؤشرها، حتى أزاحَ الأشبال الغطاء عن الصاروخ المتدثر بجلبابٍ فضي..وقفَ خلفه أحدَ الأشبالِ ، وأدار عجلة التصويب على أرقامٍ دقيقة وكثيرة، فيما يقف آخرٌ على مقربةٍ منه؛ يحدد بجهازٍ صغير؛سرعة ومسار الطائرة، ويسرد أرقامًا أخرى، فيدير زميله العجلة بطريقةٍ أدق…

 

كانت الساعة تشير إلى السابعة والربع صباحًا..
همسَ أحدهم بصوتٍ خاشع وقال:
بسم الله..بسم الله
وانطلق الصاروخ يشق الفضاء، صاعدًا من أرض الكرماء، نحو أعالي العلياء، تاركًا خلفه دخان فضي..
اقترب الصاروخ من الطائرة؛ فراوغت، وتمايلت بأجنحتها الطويلة، وحاولت تغيير مسارها..لكنَّ الصاروخ يحملُ في أحشائه اللمسات الربانية، والحكمة اليمانية، وأخذَ يتلوى خلفها كثعبانٍ جائع، يلاحق فأرًا مذعورا..
وما هي إلا ثوانٍ معدودة؛ حتى غرس اليماني أنيابه الحادة، في بطنِ الطائرة المملوءة بالقنابل العنقودية المحرمة؛ ففجر حمولتها في الجو، وأجبرها على الركوع، وتمريغ أنفها الشامخ في رمال صعدة الغراء..

 

أرغمها على تقبيل الأرض الطاهرة، والانحناء ببقايا أعضائها المترهلة أمام أطفال المحافظة الصامدة..
سقطت الطائرة تاركة أحد أجنحتها يحترق، فيما يعتلي الأطفال جناحها الآخر، لقد سقطت بعد أن كانت تنوي إسقاط مئات القنابل..
كانت تمد جناحيها بطول 18 مترًا في السماء؛ لتجد نفسها بعد لحظات ممددة منكمشة تحت أقدام البسطاء..
احترق وزنها في غضون دقائق ولم يعد يتبقى من الطن والنصف إلا النصف..
كانت آخر نداءاتها لتحالف الأشرار؛ تُبث من خلال قناة المسيرة مباشرةً وعلى الهواء، وكانت ألسنة اللهب المتصاعدة هي أبلغ الرسائل للمُرسِلين..
حمل الأشبال بقية حطامها المشتعل المتهالك فوق الأطقم، ولا أدري كم صبَّت أعين الماليكن من دمعٍ حار ونحيبٍ مستعر في تلك اللحظة الحاسمة…

 

احترقتِ الطائرة، لتحترقَ معها قلوب المعتدين، وأنفس المتربصين، وأكبادُ المُصنعين..
احترقت الطائرة الحديثة المتطورة في أرض صعدة التي أشبعوها قصفًا ونسفًا وإحراقا..
احترقت الطائرة لتُخبرنا أن هُناكَ رجال يُفاجئون العالَم رغمَ الحصار والدمار..

 

تحية بحجم الأرض والسماء لرجالنا الأطهار في التصنيع والإعداد والتسديد والمدد..
ويا تُرى ماذا يخبئ القائد ورجاله العظماء؛ من بأسٍ وشدة للأعداء.
ـــــــــــــــــــــــــ
مصباح الهمداني

Exit mobile version