المشهد اليمني الأول/
في غضون أيام، وبخطة عسكرية فائقة الإحكام تكاملت مع مهارة قتالية عالية، تمكنت قواتُ الجيش واللجان الشعبية من تحقيق إنجاز ميداني ثقيل العيار تمثل في تحقيق السيطرة على 90% من مديرية صرواح بمحافظة مأرب، وطرد العدو من كافة المواقع والجبال التي كان قد تكبد مشقات كبيرة للوصول إليها خلال عامين، وذلك بعملية عسكرية كبرى، فتحت أبواباً للحديث عن “تطهير مدينة مأرب” مستقبلاً، إذ أصبح وجودُ العدو هناك مهدّداً كما لم يكن من قبل، وبات المجال مفتوحاً بشكل أكبر أمام “عمليات كبرى” مماثلة، وبالنظر إلى هذا الإنجاز كجزء من المشهد الميداني الكلي في اليمن، يتضح أن المسار العسكري العام للجيش واللجان الشعبية يتجه بشكل منتظم ومتكامل نحو المكاسب الميدانية، على عكس مسار قوى العدوان الذي تشهد جميع الجبهات الأخرى بتعثره وفشله المتواصل.
34 كيلو متراً مربعاً من الجبال والمرتفعات
المتحدثُ باسم القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، أعلن أمس النبأ اليقين بخصوص العملية الكبرى، وفي مؤتمر صحفي متلفز، أكد سريع أن المساحة التي سيطرت عليها قوات الجيش واللجان الشعبية في المديرية تقدر بـ 34 كيلو مترا مربعا، وبذلك أصبح 90% من المديرية تحت السيطرة الكاملة.
وبالنظر إلى طبيعة تلك المساحة التي شملتها العملية والتي تشكل المرتفعات الوعرة غالبيتها، فإن التقدم الميداني الواسع هناك يمثل تحديا كبيرا، وهو ما يفسر استغراق العدو لمدة عامي 2017- 2016 والخسائر الكبرى التي تكبدها في سبيل الوصول إلى المواقع والجبال في نطاق تلك المساحة، لكنه يعجز عن تفسير النجاح الكاسح للجيش واللجان في استعادة تلك المناطق الصعبة خلال أيام.
ومقارنة الفترة الزمنية التي قطعها العدو في سبيل الوصول إلى تلك المواقع والجبال، بالفترة التي قطعها أبطال الجيش واللجان خلال عملية الاستعادة، تشكل إنجازا مستقلا بذاته، وهي تقودنا أيضا إلى المقارنة بين إمكانيات طرفي المعركة، ليتضح أن قوات الجيش واللجان لم تتغلب على العدو خلال المواجهة المباشرة فقط، وإنما استطاعت التغلب أيضا على عناصر “قوته” ذاتها، وهو ما يجعل الإنجاز أكثر تميزا، وبالمقابل يجعل الهزيمة التي مني بها العدو أكثر مرارة، كما ينبئ عن انهيار كبير في صفوفه.
خطة العملية
تضمنت الخطة التي اعتمدتها قوات الجيش واللجان الشعبية في تنفيذ العملية، أربعة محاور هجومية تم فيها اكتساح مواقع المرتزِقة بشكل متزامن، الأمر الذي قطع أنفاس العدو خلال العملية، وأسقطه في حالة ارتباك وذعر لم يستطع معها أن يقوم بأي تصرف يدرأ عنه الهجوم.
وبحسب ناطق الجيش، فقد كان المسار الأول: من اتجاه جبل هيلان، وفيه هاجمت قوات الجيش واللجان الشعبية موقعي “زيد العاقل” وَ”العلم” الاستراتيجيين، وجرى التنكيلُ بالمرتزِقة الذين كانوا يتمركزون فيما، والسيطرة على الموقعين بالكامل.
أما المسارُ الثاني فكان باتجاه منطقتَي “الحماجرة” و”الأشقري” وفيه تم تنفيذ هجمات نوعية على عدة تباب كان يتمركز فيها المرتزِقة هناك، وسقطت تلك التباب واحدة تلو الأخرى بيد القوات المهاجمة من الجيش واللجان، ووصلت عملية الاكتساح والسيطرة إلى سلسلة أتياس.
وفي المسار الثالث، ركزت هجمات الجيش واللجان الشعبية على تباب ومرتفعات أخرى كان يتمركز فيها المرتزِقة، وانتهت تلك الهجمات بالسيطرة على جميع تلك المناطق، ومن أبرزها مرتفعات 32، وتبة بي إم بي، وتبة “مغربة برط” والتباب المحيطة.
وكان المسار الرابع من العملية باتجاه منطقة “الزغن” وفيه تكللت الحملة الهجومية للجيش واللجان الشعبية بالسيطرة على تبتي “السفينة” و”الراصد” الاستراتيجيتين، وتم تطهير محيطهما بالكامل لتصل منطقة السيطرة إلى تبة أطهف.
ويشكل نجاح العملية في مساراتها الأربعة، تفوقا عسكريا كبيرا لقوات الجيش واللجان الشعبية أولاً من حيث الحفاظ على تناسق وتزامن العمليات في المسارات كافة بدون ترك أية فرصة أمام العدو للقيام بتحرك عكسي فعال في أيٍّ من المسارات، وثانياً من حيث ما تشكله تلك المسارات من أهمية استراتيجية وجغرافية يمثل سقوطها من يد العدو ضربة قاصمة له ولمخططاته في جبهة مأرب ككل.
خسائرُ المرتزِقة
كعادة كل عملية كبرى للجيش واللجان، كانت النتيجة أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى والأسرى في صفوف المرتزِقة الذين سبق وتكبدوا خسائرَ أكبر عندما ظل العدو يزج بهم على مدى عامين في سبيل الوصول إلى المواقع والجبال التي فقدوها في أيام ليتكبدوا خسائرَ إضافية.
وأوضح ناطق الجيش، أمس، أن حصيلة قتلى وجرحى وأسرى المرتزِقة خلال العملية، بلغت أكثر من 153 عنصراً، بينهم قيادات بارزة.
وكان من بين ذلك الحصاد قائد جبهة صرواح لقوات المرتزِقة المدعو “أبو عزام”، والذي أوضح ناطق الجيش أنه أصيب إصابات بليغة بنيران الجيش واللجان خلال العملية، مشيراً إلى أن مجاميعَ كبيرةً أخرى من المرتزِقة ما زالوا تحت الحصار بعد أن تمكنت قوات الجيش واللجان من اكتساح المواقع المحيطة بهم.
ويوضح وجودُ قيادات من المرتزِقة ـ وقائدهم الأبرز بالذات ـ ضمن حصيلة القتلى والجرحى والأسرى، أن قوى العدوان كانت عاجزةً تماماً عن مواجهة الهجمة الكبرى للجيش واللجان، وأنها استخدمت جميعَ ما بوسعها ودفعت بالقيادات والأفراد إلى ميدان المعركة، إلا أنهم فشلوا، وهو ما يؤكد مجدداً أن قواتِ الجيش واللجان تمكنت من التغلب على جميع ما يمتلكُه العدو مما يظنه عناصر “قوة”.
وعن الخسائر المادية للعدو أكد ناطقُ الجيش أيضا أنه تم خلال العملية الكبرى تدمير عدد من آليات المرتزِقة، وتم اغتنام كميات كبيرة من العتاد العسكري الذي كان في مواقهم ومخازنهم.
ماذا بعد صرواح؟!
لم تكن هذه العملية الكبرى هي الأولى من نوعها في صرواح، ففي منتصف يوليو من العام الجاري، أعلنت قوات الجيش واللجان الشعبية عن نجاح عملية أخرى مماثلة، جرى خلالها السيطرة على سلسلة تباب المطار الاستراتيجية في الجبهة ذاتها، وقد وصف مراقبون تلك العملية بأنها المرحلة الأولى من “خطة تطهير صرواح”؛ ولذا يمكن اعتبار العملية الحالية هي “المرحلة الثانية” غير أن الحديث الآن يدور حول “خطة تطهير مدينة مأرب” في المستقبل.
وفي إطار معطيات العمليتين والشكل الجديد لخارطة السيطرة الميدانية في مأرب الآن، يتضح أن “الخطة” العامة للجيش واللجان الشعبية في محافظة مأرب ككل، مهما كانت تفاصيلها وغاياتها، هي خطة بالغة الدقة والإحكام وواعدة بالنجاح الكامل، والمراحل التي قطعتها حتى الآن تنبئ عن حنكة استثنائية يتزايد فيها مساحة هزيمة العدو بالتدريج وعلى مسارات مدروسة بعناية، وبصورة غير متوقعة لا يستطيع الطرف الخاسر أن يحسب حسابها.
دقة تدفعنا إلى النظر في حال العدو، الذي يركز في حملاته التصعيدية، على التحشيد العددي والغارات المكثفة، وهو ما أثبت فشله عدة مرات في مختلف الجبهات، إذ تصبح حشود العدو في كل مرة مجرد أرقام تطيل قائمة خسائره لا أكثر، ولسنا بعيدين عن هذا السياق ميدانياً، ففي جبهة نهم بدأ العدو بتصعيد عملياته قبل أسابيع معتمدا نفس استراتيجياته، إلا أن قوات الجيش واللجان كانت قد أعدت لذلك من قبل التصعيد وما زال العدو يتكبد خسائرَ إضافية كل يوم.
بالمقابل، تأتي خططُ الجيش واللجان بشكل بعيدٍ تماماً عن عشوائية العدو وتكراره، وأكثر واقعية، وهو ما يحقّقُ النجاحَ لها كل مرة ويضمن نجاحها في المستقبل، وهي تحقق أدنى مستوى من الخسائر، على عكس ما يجرى في صفوف العدو.
المسيرة | ضرار الطيب