المشهد اليمني الأول | متابعات
موقف لا يُحسد عليه؛ الحال الذي وصل إليه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان؛ ففي خلال ساعات قليلة تلقّى ضربات موجعة، حتى بات كملاكم بلا قوة، حشره خصمه العنيف في زاوية الحلبة وراح يوجه له اللكمات في مختلف مناطق جسمه دون رحمة.
فليس أخطر من أن يفقد الشخص قوته وهو سائر في طريق موحش، وعلى ما يبدو فإن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الدرع الذي يحتمي به ولي العهد السعودي، يواصل صدّ ضربات متوالية، وقد يتخلّى عن دوره الدفاعي في أي لحظة حفاظاً على سلامته.
ذلك ما يتوضح من خلال مواصلة تلقي الرئيس ترامب، اتهامات بدفاعه عن “قاتل”، وهو الوصف الذي بات يُطلَق على محمد بن سلمان في الفترة الأخيرة، من قبل شخصيات سياسية كبيرة في الولايات المتحدة ودول مختلفة.
هذا فضلاً عن ارتفاع حدّة الرفض العالمي الشعبي لشخصية بن سلمان، وخروج احتجاجات واسعة في عدة مدن تصوّره بأنه “قاتل” و”مجرم”، في حين تواصل كبريات وسائل الإعلام في العالم، لا سيما الأمريكية، مطالبة واشنطن بمقاطعة السعودية، ومحاسبة بن سلمان على “جرائم” و”انتهاكات” مختلفة.
مساء الخميس (13 ديسمبر الجاري)، أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، بوب كوركر، أن بن سلمان ضالع في جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وأعرب كوركر عن قناعته بالإحاطة التي قدّمتها مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، جينا هاسبل، أمام مجلس الشيوخ الأمريكي بخصوص جريمة قتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، مؤكداً أنه لم يرَ من قبل إحاطة استخبارية تتضمّن دليلاً مقنعاً كالذي قدّمته هاسبل.
وأثارت جريمة قتل الصحفي السعودي في قنصلية بلاده بإسطنبول، في 2 أكتوبر الماضي، غضباً عالمياً ومطالبات مستمرة بالكشف عن مكان الجثة، ومن أمر بقتله.
وبعدما قدّمت تفسيرات متضاربة، أقرّت الرياض بأن خاشقجي قُتل وقطِّعت جثته، لكنها نفت أي علاقة لولي عهدها بالجريمة.
– الخميس.. يوم الضربات الموجعة
ومساء الخميس، صدّق مجلس الشيوخ الأمريكي، بالإجماع، على قرار يحمّل بن سلمان مسؤولية قتل خاشقجي.
القرار أكد أن مجلس الشيوخ الأمريكي “واثق” من أن تعليمات قتل خاشقجي صدرت من ولي العهد، ودعا الحكومة السعودية لـ”ضمان محاسبة مناسبة” للمسؤولين عن قتل خاشقجي.
ضربة أخرى موجعة تلقّاها محمد بن سلمان من واشنطن، أمس الخميس؛ إذ صدّق مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون ينهي دعم واشنطن للحرب التي تخوضها السعودية والإمارات في اليمن.
ويحدّ المشروع من صلاحيات الرئيس دونالد ترامب بشأن تقديم الدعم للحرب السعودية في اليمن.
ووصفت وكالة “رويترز” تصديق مجلس الشيوخ الأمريكي على تأييد إنهاء الدعم العسكري الأمريكي للحرب في اليمن، وتحميل ولي العهد السعودي المسؤولية عن قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بأنه “توبيخ تاريخي نادر” للرئيس دونالد ترامب.
من جانبهم ما زال السياسيون الأمريكيون يواصلون تحميل بن سلمان مسؤولية جريمة اغتيال خاشقجي.
فحتى يوم الخميس، ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”أن إليوت إنجل، الرئيس الجديد للجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، قال: إنه “يجب تحميل بن سلمان مسؤولية قتل خاشقجي”.
وذكرت أيضاً أن النائب آدم كينزينغز، أكّد قائلاً: “علينا أن نعترف أن قتل الصحفيين أمر شرير بمعنى الكلمة، لكن علينا إعادة تقييم مصالحنا في الشرق الأوسط بالكامل نتيجة لتلك الفعلة”، في إشارة منه إلى ضلوع بن سلمان بجريمة اغتيال خاشقجي.
ووفق التقييم السري لوكالة المخابرات الأمريكية؛ فإن بن سلمان تبادل 11 رسالة مع أقرب مستشاريه، الذي أشرف على الفريق الذي نفّذ جريمة اغتيال خاشقجي.
انتهاكات بن سلمان
بدورها تواصل الصحافة الأمريكية إحراج الرئيس دونالد ترامب، وهي تستعرض بشكل مستمر جرائم وانتهاكات تتهم بن سلمان بالوقوف وراءها.
ففي يوم الخميس، أيضاً، دعت صحيفة “واشنطن بوست” إدارة الرئيس ترامب للدفاع عن سجينات الرأي السعوديات، في حال لم تتمكّن من تحقيق العدالة في جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
واستغربت الصحيفة في افتتاحيتها “مواصلة دفاع أعضاء إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن ولي العهد السعودي؛ على الرغم مما قاله أعضاء في الكونغرس اطلعوا على تقرير وكالة المخابرات الأمريكية بشأن مقتل خاشقجي، الذي أكّد مسؤولية ولي العهد السعودي عن تلك الجريمة”.
ترامب رد على تقرير المخابرات الأمريكية بقوله إن محمد بن سلمان قائد المملكة العربية السعودية، ثم أعقبه وزير الخارجية، مايك بومبيو، بالقول إن السعوديين دفعوا بالفعل ثمن مقتل خاشقجي.
وتشير الصحيفة إلى أن “إدارة ترامب لا تريد أن تتحمّل تبعات تحميل بن سلمان مسؤولية قتل خاشقجي، وعملياً لم تكن هناك تكاليف كبيرة دفعتها السعودية بسبب هذه الجريمة، خلافاً لما قاله بومبيو”.
وتابعت تقول: “ليس هناك سوى ما أعلنته السعودية عن اعتقال للفريق الأمني الذي ذهب لتركيا لاغتيال خاشقجي، ولا شيء معروف عن التهم التي وُجِّهت لهم أو المحاكمات التي تجري معهم أو العقوبة المحتملة، بل حتى أسماؤهم غير معروفة ولم تعلنها السعودية”.
الصحيفة أوضحت أن “إدارة ترامب تقول إنها فرضت عقوبات على 17 شخصاً، لكن حظر السفر وتجميد الأموال لا معنى له؛ خاصة أن لائحة العقوبات الأمريكية استثنت مسؤولاً استخباراتياً كبيراً اعترف السعوديون أنه متورّط في تلك المؤامرة”.
وأضافت: “هذا الإفلات من العقاب ليس فقط إخفاقاً أخلاقياً، وإنما فرصة ضائعة؛ فحتى لو قرّرت إدارة ترامب الحفاظ على علاقات وثيقة مع محمد بن سلمان، فإنه يجب على إدارته ومستشاريه أن يطالبوا السعودية بتقديم تنازلات ملموسة في مقابل ذلك”.
لا ينبغي أن تتعلّق تلك التنازلات بمشتريات الأسلحة أو سعر النفط، كما تقول الصحيفة، وإنما أيضاً يجب على إدارة ترامب أن تركّز على حرية التعبير وحقوق الإنسان، وهو ما يدور في قضية مقتل خاشقجي.
الأمر الأكثر مدعاة للقلق -تقول الصحيفة- هو أن “واشنطن بوست” و”رويترز” ومنظمة العفو الدولية، أفادوا بشكل منفصل أن النساء السعوديات يتعرّضن للتعذيب والاعتداء الجنسي.
وتختم الصحيفة افتتاحيتها بالقول: إن “إدارة ترامب -على ما يبدو- لا تستطيع أن تلجأ إلى العدالة في قضية خاشقجي، لكن بإمكانها، في أقل تقدير، التدخل والطلب من محمد بن سلمان إطلاق سراح الناشطات، وإذا لم يستطع ولي العهد الوفاء بهذا الاختبار فإنه بالتأكيد لا يمكن إعادة تأهيله ليكون شريكاً موثوقاً للولايات المتحدة”.
– يمثل مصلحة آنية
على إدراة دونالد ترامب التخلّص من علاقتها مع محمد بن سلمان للإبقاء على صورتها كمدافع عن حقوق الإنسان، بحسب ما يرى مختصون.
وهذا أيضاً ما ذهب إليه المحلل السياسي خالد العقلان، الذي أكّد في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن ما يريده الأمريكيون هو “الخروج من المأزق الأخلاقي الذي أصاب سمعة بلادهم في فترة الرئيس ترامب؛ الذي أفقد واشنطن سمعتها بكونها المدافع عن حقوق الإنسان”.
العقلان وصف ما يجري في داخل المؤسسات الأمريكية بـ”حالة صراع”، موضحاً أن هذه المؤسسات “ترى أن المصلحة الاستراتيجية في الحفاظ على القيم الأمريكية الديمقراطية، خاصة في الدفاع عن حقوق الإنسان. هذه الصفة منحت أمريكا مكانة دولية بصفتها المدافع عن حقوق الإنسان”.
تمتّع واشنطن بصفة المدافع عن حقوق الإنسان، منذ سنين طويلة، يرى العقلان أنها أصبحت مهدّدة بضياع هذه الصفة؛ بسبب ترامب الذي “ينكر كل هذه القيم”.
المحلل السياسي أعرب عن اعتقاده بأن المصلحة الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع بن سلمان هو “التخلّص منه”.
وتابع يقول: “إن ولي العهد السعودي بالنسبة لواشنطن يمثّل مصلحة آنيّة”.
وأضاف: “الأيام القادمة ربما ستشهد ضغطاً كبيراً على إدارة ترامب، وهذا سينعكس تدريجياً على بيت الحكم السعودي”.
العقلان لفت الانتباه إلى وجود “أزمة داخل العائلة الحاكمة السعودية”، مشيراً إلى أن هذه العائلة “تشعر بأنها تلقّت ضربة قاصمة، وأصبح عليها أن تقرّر؛ إما أن تبقى تحافظ على مكانتها كعائلة حاكمة، أو يذهب محمد بن سلمان بالدولة السعودية والعائلة الحاكمة إلى الجحيم”.