للتَأريخ وجهان رسميٌّ وشعبيٌّ، فما اعتبرته سلطة وكلاء المصالح الغربية بقتل السيد الثائر حُسين الحوثي انتصاراً كانَ هزيمةً لها، فيما هوَ انتصارٌ لمشروع السيد الثائر، وهذا هوَ التَّأريخ شعبي، فالشعب صانعُهُ ومهندس التحولات فيه، ولكل شعب في كُلّ مرحلة تَأريخية مُعقدة قائدٌ يستنهض طاقاتِهِ ويلم شتاتَ قواه ليقود بهِ مسيرة الثورة والتحرر. وللمجتمع وجهان ثوريٌّ ورجعيٌّ، فبقدر ما يكون هناك كثيرٌ من الغافلين الخاضعين لعبودية الواقع السائد، فهناك قلة ترفض هذا الواقع وتثور على تفسُّخه لتُصبح هي الأكثرية، بقدر ما هُناك غافلون عن شمولية الواقع وصراعه تائهين بالنظر إلَـى صغائر الحياة اليومية والمصالح الشخصية الأنانية هُناك ذوي النظر الاستراتيجية، وبتلك المرحلة التي جاء بها السيد بالحراك الثقافي الدروس والمحاضرات واللازم البسيطة العالية بالوعي السياسي، العميقة في الفكر القرآني الثوري، كانَ هوَ المُعبر عن أكثر القوى تقدمية وثورية في المجتمع اليَمَني، القوى التي تنظر للبعيد وَإلَى موقع الشعب اليَمَني من الخطر الاستعماري الأَمريكي والإسرائيلي الزاحف على المنطقة، فيما كانَ الكثيرون في الوطن غير آبهين بما يدور حولهم من توسعات استعمارية، الأحزاب السياسية، يميناً ويساراً، لا ترى أبعد من تغَيُّر شكل القائمة الانتخابية ومن استجداء فُتات السُلطة، والسلطة مطبّعة مع الوجود الأَمريكي الإسرائيلي تُشاغل الشعب بنهب خُبزِه.
من أقصى ريف الشمال اليَمَني جاء الثائر حُسين بن بدر الدين الحوثي ليصرخ في وجه المُستكبرين المُستعمرين أئمة الكُفر في هذا الزمان أَمريكا الإمبريالية وإسرائيل الصهيونية، وأَمريكا يومَها تختال بزَهْـــوِ المنتصر بعد هزيمتها للمعسكر الاشتراكي العالمي، وفي أوج عنجهيتها بعدَ أن دبّرت تفجير برجي التجارة في الـ11 من سبتمبر2001م، تُلقي على مَن تغضب عليهم لقب الإرْهَـابيين وتدخل بلدانهم وتسحقهم حكومات وشعوب.
يومَها انشطر الإسلام إلَـى فريقين يخدم هدفاً واحداً، فصلَّى رجال دين السُّلطة لأَمريكا وأفتوا بجواز تدخُّلاتها باعتبارها تكافح الإرْهَـاب، وساعدها رجال دين آخرون مُرتبطون بها يفجرون بالأبرياء ويقدمون الدين إجْــرَاماً لتكرس ذريعتها، ولم يكن هناك من صوت ديني ثانٍ حقيقي محمدي قرآني يتبرأ من الإجْــرَام الوهابي ومن التدخل الاستعماري الأَمريكي ويكشف ترابطه، إلا صوت السيد حُسين من جبال صعدة الخضراء رافعاً بجانب شعار “الموت لأَمريكا والموت لإسرائيل” -الذي اعتبره موقفاً وسلاحاً تجاهه أئمة الكفر في هذا الزمان لقول القرآن قاتلوا أئمة الكفر- شِعار “القاعدة صناعه أَمريكية”.
في تلك الساعة الاستعمارية التي طوت عقاربَها على العالم تلدغ الشعوب والدول المُضطهدة، جاءت لحظة السيد حسين لتوقف تروسَ عجلتها الاستعمارية، وتصبح هذه اللحظة الثورية زمنٌ ثوري في وجدان الشعب وبنادق الجماهير المُسلحة، تجاوزت الحدود اليَمَنية لتُصبح صرخة الشهيد حُسين الحوثي أحد رموز الثورة العالمية المناهضة للإمبريالية والصهيونية.