المشهد اليمني الأول/

 

بنفس الطريقة والأسلوب الذي استخدم لرفع سعر صرف الدولار أواخر سبتمبر الماضي بنسبة 40% مقابل العملة اليمنية، خفض ولم يخفض الأسبوع الحالي، ليفقد كل مكاسبه التي حصدها قبل شهرين، إلا أن الطريقة التي يدار بها الدولار في السوق اليمني صعوداً وهبوطاً والتي تعتمد الأسلوب المفاجئ تثير الكثير من الشكوك حول الهدف والغاية من اللجوء إليها، وحول المستفيد من وراء ذلك التلاعب المدار الذي لا يمت بصلة للاقتصاد في ظل الحرب والانقسامات المالية والسياسية والاجتماعية.

 

ما يحدث من تقلبات لسعر صرف العملة، ليس طبيعياً، ويندرج في إطار «الحرب الاقتصادية الممنهجة»، التي تتزامن مع الحرب العسكرية، والتي سبق أن استُخدمت بوتيرة أقل، ولتحقيق أهداف أخرى، مطلع العام الحالي رفع سعر صرف الدولار بقرار سياسي ليتجاوز حاجز الـ 400 ريال إلى 500 ريال للدولار الواحد، إلا أن تحذيرات دولية من انهيار وحدوث كارثة إنسانية في اليمن نتيجة الحرب التي تقودها السعودية، أعقبها ضغوط دولية ضد الرياض في فبراير الماضي،  دفعت المملكة إلى الإعلان عن وديعة مالية مقدرة بملياري دولار لإيقاف حالة التدهور.

 

حاكت الرياض بإعلانها عن الوديعة المجتمع الدولي ولم تلبِّ احتياجات السوق اليمني، فبعد أن حصدت الكثير من الإشادات من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، جمدت قرار الوديعة لقرابة 8 أشهر، ولم تمنح الرياض، بنك عدن أي صلاحيات في السحب منها، ولكون قرار رفع الدولار حينذاك سياسي وليس اقتصادي، فقد تم تخفيض سعر صرف الدولار من قرابة 500 ريال إلى 370 ريال بصورة متدرجة في السوق المحلي تحت ذريعة الوديعة المالية التي ظلت ممنوعة من التصرف والتصرف

 

ما وراء الانخفاض الأخير

 

ما حدث مؤخراً في السوق المحلية من تقلبات لأسعار صرف العملة في السوق اليمني، لم يكن نتيجة طبيعية لتحسن الاقتصاد اليمني، بل أن الرياض والإمارات وجدت نفسها أمام مواجهة جادة مع المجتمع الدولي بسبب تفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن، والتي دفعت بالعديد من الدول إلى دعم مشروع قرار بريطاني يتعارض مع أهداف «التحالف» العسكرية والاقتصادية في اليمن، فالقرار الذي تقدمت به بريطانيا إلى مجلس الأمن مؤخراً، يتهم «التحالف»، بالوقوف وراء أسواء ازمة إنسانية في العالم.

 

تغيّر المواقف الدولية تجاه عمليات «التحالف» في اليمن التي تزامنت مع تفاقم قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، دفعت الرياض إلى اتخاذ عدة إجراءات بشأن الازمة في اليمن. واللافت للنظر، أن السعودية أقرت خلال اجتماع اللجنة الاقتصادية الرباعية الأسبوع الماضي، برئاسة سفير المملكة في اليمن محمد آل جابر، ومشاركة سفراء أمريكا وبريطانيا والإمارات، عدة إجراءات اقتصادية، أبرزها منح البنك المركزي في عدن تسهيلات كبيرة للسحب من الوديعة السعودية عبر البنك الأهلي السعودي في الرياض وجدة، وتغطية الاعتمادات المستندية للتجار في ظرف ثلاثة أيام، بعد ما كانت فترة تقديم الطلبات والموافقة عليها من الجانب السعودي تتجاوز 20 يوماً، بالإضافة إلى رفع سقف السحب من 200 الف دولار للطلب سابقاً إلى أكثر من مليون دولار.

 

 والغريب، أن التسهيلات السعودية جاءت بعد أسبوع من اعلان حكومة هادي في عدن عدولها عن قرار منع التجار من الاستيراد عبر قنوات أخرى، وربط الاستيراد بالبنك المركزي منذ العاشر من أكتوبر الماي على أن يقوم بتغطية كافة الواردات بالدولار من الوديعة السعودية، ولكن المالية السعودية أعاقت العمل بتلك الآلية التي تسببت بإعاقة الاستيراد لعدم تمكن البنك من الوفاء بتعهداته، يضاف إلى إعلان السعودية والإمارات تقديم 500 مليون دولار كمساعدة إضافية لليمن عبر الأمم المتحدة.

 

جراء ذلك، تراجع الطلب نسبياً عن الدولار في السوق، مما أدى إلى تحسن بسيط في أسعار صرف الدولار أواخر الأسبوع الماضي لينخفض الدولار من 747 ريال إلى ما بين 690 ريال، و700 ريال للدولار، وخصوصاً بعد أن تمكن البنك في عدن، من سحب الأسبوع قبل الماضي مبلغ 170 مليون دولار دفعة واحدة من الوديعة السعودية.

 

أهداف خفية

 

لم يجد الكثير من المراقبين الاقتصاديين، أي عامل اقتصادي ثابت يقف وراء انخفاض سعر صرف الدولار بصورة حادة في السوق اليمني خلال الأيام الماضية، فقرار إعادة إنتاج والنفط والغاز والذي يعد ضرورة لوقف تدهور الاقتصاد اليمني ليس بيد حكومة هادي، وإنما مرهون بموافقة الرياض وأبو ظبي، وإيرادات الدولة في المحافظات الجنوبية والشرقية لاتزال خارج السيطرة الكاملة للبنك المركزي في عدن، والموانئ والمطارات والمنافذ البرية لاتزال تحت الحصار.

 

ونظراً لغياب أي تحسن فعلي للاقتصاد اليمني، فإن كل المؤشرات تشير إلى أن «التحالف» يستخدم آلية تخفيض الدولار كأداة حرب اقتصادية من جانب، ويحاول تبديد المخاوف الدولية من تدهور الأوضاع في اليمن، وامتصاص حماس مجلس الأمن نحو إقرار قرار دولي ملزم خارج المرجعيات الثلاث وتحديداً القرار الدولي رقم 2216 الذي منح «التحالف» حق التدخل العسكري في اليمن، يضاف إلى تحسين صورة حكومة، معين عبدالملك ، الموالي للرياض، والمعين بتزكية السفير السعودي في اليمن محمد ال الجابر .

 

إلى جانب تلك الأهداف الخفية التي تقف وراء الانخفاض المفتعل لسعر صرف الدولار، هناك أهداف أخرى تمثلت، بسحب الدولار من المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة «الإنقاذ» بسعر أقل، وتكبيد البنوك والمصارف التي رفضت التعاطي مع بنك عدن خسائر فادحة من خلال التخفيض الحاد، وكذلك صنع العديد من الذرائع لإعاقة أي مساعي قد يقوم بها المبعوث الأممي لدي اليمن مارتن جريفيث ، فيما يتعلق بتحييد الاقتصاد اليمني عن الصراع، وإعادة البنك المركزي إلى صنعاء ، للعمل تحت إدارة محايدة، وإشراف دولي، وذلك من خلال محاولة إقناع المجتمع الدولي وخصوصاً بريطانيا التي رفضت الاعتراف بالبنك في عدن وجمدت أمواله في بنوكها، بأن البنك تغلب على الصعوبات والتحديات ونجح في تفعيل وظائفه وإدارة السياسة النقدية.

 

العملة العائمة 

 

يشار إلى أن البنك في عدن يعلن من فترة لأخرى تحديد سعر صرف الدولار للمصارفة فقط، تماشياً مع سعر الصرف في السوق السوداء، ولا يمتلك القدرات على حماية سعر صرف العملة، كونه فقد تلك الوظيفة الهامة وأصبح بنك شكلي من أبرز وظائفه طباعة وإصدار العملة.

 

فالبنك يفتقد لمخزون استراتيجي من العملات الصعبة في الداخل من جانب، يضاف إلى أنه أعلن في يوليو 2017، عجزه الكامل عن الدفاع عن القيمة الشرائية للعملة او حمايتها في السوق، واتخذ قراراً كارثياً بتعويم الريال اليمني، التعويم الكامل، وتركه عرضة للطلب والعرض، وهو ما فتح المجال واسعاً لمافيا المضاربات، دولاً وحكومات، وجماعات مصالح مختلفة، بتحريك سعر الصرف وفق مصالحهم الاقتصادية والسياسية. ونظراً لذلكـ سيظل سعر صرف الدولار أداة حرب تستخدم ضد الشعب اليمني حتى يتم تحييد الاقتصاد وانهاء الانقسام المالي بين صنعاء وعدن، وتسليم البنك المركزي لإدارة كفؤو ووطنية لا تنفذ إملاءات أطراف الصراع.

 

(تقرير – رشيد الحداد)

مصدرالعربي