المشهد اليمني الأول/
85 ألف طفل على الأقلّ قضوا خلال ثلاث سنوات ونصف سنة من عمر العدوان. رقمٌ مفزع يفصح عن فظاعة الجرائم غير المباشرة التي ترتكبها السعودية والإمارات بحق اليمنيين، من طريق الحصار المُشدَّد المفروض على البلاد.
رقم يقتصر على الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن خمس سنوات، ولا يشمل بقية الفئات العمرية والشرائح السكانية، التي سيسفر إحصاء عدد الضحايا فيها عن معطيات أخطر بكثير.
وفي انتظار ما ستكشفه الأيام من هول المذبحة المرعيّة أميركياً، يبقى ثابتاً أن 14 مليون يمني على بعد خطوة واحدة من المجاعة، إذا استمرّ تضييق الخناق على ميناء الحديدة.
وهو خطر جدي يضاف إلى تهديدات أخرى قد تُدخل اليمن في سجلّ أكبر مجاعات القرن الواحد والعشرين… بـ«فضل» محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، ومن ورائهما شركاؤهم الغربيون.
«اليمن السعيد». تسمية تحضر إلى الأذهان كلّما ذُكر هذا البلد بأفراحه وأتراحه على السواء. المفارقة أن واحداً من الأسباب التي تُفسَّر بها تلك التسمية هي أن اليمن، في تاريخه القديم، كان بلداً مقروناً بالثراء. سِمة يكاد المراقب لا يجد لها أثراً في يمن القرن الواحد والعشرين، والذي يشهد أسوأ أزمة جوع على مستوى العالم.
يتضوّر الملايين على امتداد الخريطة اليمنية، خصوصاً على ساحلها التهامي الأشدّ فقراً، يقفون على بعد خطوة واحدة من المجاعة، ولا يعرفون ما إذا كانوا سيحصلون على وجبتهم التالية.
يعجز أطفال هؤلاء الناس حتى عن البكاء بفعل الهزال الضارب في أجسادهم، فيما يطلب طفل سعودي من ولي عهد المملكة، أثناء زيارة الأخير إلى تبوك، سيارة «مرسيدس»، فيجيبه محمد بن سلمان: «تبي (تريد) مرسيدس؟ على خشمي (أنفي)». على «خشمه» أيضاً و«خشم» حليفه في العدوان، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، أطفال اليمن ونساؤه الأكثر تضرّراً من الحصار المفروض منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة.
يتبرّع لهم «المحمدان» بمساعدة جديدة قدرها 500 مليون دولار كـ«مبادرة إنسانية مميزة تضاف إلى الجهد الإنساني للبلدين في اليمن» على حد تعبير وزير «التلميع» الإماراتي أنور قرقاش. ما المقصود بذلك «الجهد» إلا سدّ منافذ الحياة على جموع بشرية هائلة تعاني أصلاً من الفقر وقلّة الحيلة، لكنهم هكذا «يقتلون القتيل ويمشون في جنازته».
يوم أمس، خرج إلى العلن الرقم الأثقل وطأة في أرشيف الجرائم السعودية والإماراتية بحق اليمنيين، خصوصاً الأطفال منهم. قرابة 85000 طفل، دون سن الخامسة، ماتوا بسبب الجوع ما بين نيسان/ أبريل 2015 وتشرين الأول/ أكتوبر 2018، وفقاً لمنظمة «أنقذوا الأطفال».
رقم يرتفع لدى وزارة الصحة في العاصمة صنعاء إلى ما يقارب 180 ألف طفل دون الخامسة أيضاً، بحسب ما أفادت مصادر من الوزارة.
وهي حصيلة لا تزال مرشّحة للارتفاع، بالنظر إلى أن أكثر من 400 طفل يعانون حالياً من سوء التغذية الحاد، في إحصائية رسمية تتطابق مع إحصائية «أنقذوا الأطفال».
عملياً، وفي قبالة «كل طفل تقتله القنابل والرصاصات، يموت العشرات من الجوع والمرض» مثلما أكد المدير الإقليمي في المنظمة، تامر كيرلس، الذي رسم صور مروّعة لمعاناة الأطفال الذين يموتون بهذه الطريقة بقوله إن «وظائف أعضائهم الحيوية تتباطأ وتتوقف في نهاية المطاف»، وإن «نظمهم المناعية ضعيفة للغاية، لدرجة أنهم أكثر عرضة للعدوى، ولا يقدرون حتى على البكاء»!