المشهد اليمني الأول/
تحسنت القيمة الشرائية للعملة اليمنية مقابل العملات الأجنبية في السوق المحلي، في العاصمة صنعاء، والمحافظات الأخرى، خلال الأيام القليلة الماضية، لتستعيد 38% من قيمتها الشرائية، إلا أن ذلك التعافي في سعر العملة وتراجعها من 740 ريال للدولار أواخر الأسبوع الماضي إلى 540 ريال يوم أمس، لم ينعكس على أسعار الغذاء والدواء والوقود في السوق، إذ أن الصرافين يكتفون بالشراء ولا يبيعون.
برر البنك المركزي في عدن، ذلك الانخفاض، بحصوله على تسهيلات للسحب من الوديعة السعودية المقدرة بملياري دولار لتغطية واردات التجار، وفقاً لاجتماع الرباعية الدولية في الرياض الأسبوع الماضي، وتمكنه من سحب السيولة من العملة المحلية من السوق، وتحديداً من التجار للحصول على العملة الأجنبية وفتح اعتمادات مستنديه. وعلى الرغم من ذلك، رفض قطاع الأعمال اليمني التجاوب معه، ووصفة بـ«الانخفاض غير الآمن» الذي تحركه مضاربات، تحرك سعر صرف الدولار هبوطاً وصعوداً، لوا يعكس إي إصلاحات اقتصادية حقيقية.
أسعار الغذاء لا تنخفض
التحسن في سعر صرف العملة اليمنية لم ينعكس إيجاباً على المستوى العام لأسعار السلع والمنتجات في السوق المحلي في صنعاء أو عدن. التجار والموردون سارعوا إلى رفع أسعار منتجاتهم خلال الفترة 15 ـ 30 سبتمبر الماضي، تجاوباً مع ارتفاع سعر صرف الدولار حينذاك من 545 ريال إلى 800 ريال، وبنسبة ارتفاع بلغت 20,2% في دقيق القمح، و19,7% لزيت الطبخ، و11,5 % للفاصوليا، و17% للسكر، يضاف إلى ارتفاع أسعار البترول بنسبة 66%، والديزل بنسبة 48.1 %، مقارنة بمتوسط أغسطس الماضي، إلا أن تلك الأسعار لم تتغير على الرغم من تحسن سعر الصرف.
أثار إصرار التجار على البيع بالسعر السابق، سخطاً شعبياً عارماً، على حكومتي صنعاء وعدن. ويبرر التجار بأن تلك البضائع تم شراؤها بسعر صرف للدولار يفوق 800 ريال، وفي حال انتهاء الكمية سيتم تعديل السعر. كما يبرر تجار أخرون في العاصمة صنعاء الإبقاء على الأسعار مرتفعة بعد استقرار سعر صرف الدولار عند سعر محدد، ويشترطون تثبيت سعر الدولار مقابل التخفيض حتى لا يخسرون مرتين.
الحفاظ على الدولار
حكومة «الإنقاذ» اتهمت حكومة هادي الأسبوع الماضي بـ«المضاربة بأسعار الصرف، وعدم القيام بأي إجراءات اقتصادية فاعلة»، معتبرة «التذبذب بأسعار الصرف عملاً ممنهج يندرج في إطار الحرب الاقتصادية»، فيما شددت «الإنقاذ» على السوق المحلي، ومنعت خروج تلك الأموال من المناطق الواقعة تحت سيطرتها إلى المحافظات الأخرى.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر مصرفية في العاصمة صنعاء، «للعربي»، أن «السلطات المالية في حكومة الإنقاذ، شددت الرقابة على حركة الأموال بين المحافظات الشمالية والجنوبية، ووجهت بعدم تحويل أي أموال من العملات الصعبة إلى المحافظات الخارجة عن سيطرتها بأي حال من الأحوال خشية سحب السيولة من العملة الأجنبية من السوق المحلي، وتبديدها في نفقات عبثية من قبل حكومة هادي التي تنفق 90مليون دولار شهرياُ كرواتب ونفقات على كبار موظفيها في الخارج».
وأشار المصادر، إلى أن «الرقابة شملت التعامل بالعملة المطبوعة، والحركة اليومية للسوق المصرفي وتدفق الأموال بين الشمال والجنوب».
أخطر الازمات
يؤكد تقرير المستجدات الاقتصادية والاجتماعية الصادر عن وزارة التخطيط في حكومة «الإنقاذ» لشهر سبتمبر 2018، أن «أزمة العملة من أخطر التحديات الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد اليمني في ظل أوضاع الحرب والحصار».
ويشير التقرير، الذي حصل «العربي» على نسخة منه، إلى أن الأزمة المالية «تزداد خطورة أكثر في اليمن، لأن اليمن بلد يستورد معظم احتياجاته الاساسية من العالم الخارجي بما في ذلك الغذاء والدواء والكساء والوقود، وهو ما يجعل الاسعار المحلية والظروف المعيشية للمواطنين رهينة للتغيرات في الاسعار الدولية وصدمات سعر الصرف المتتالية».
معالجات غير مستدامة
وأكد تقرير، أن «تكفل البنك المركزي في عدن بتغطية الاعتمادات المستندية لمستوردي السلع الأساسية (القمح، الأرز، السكر، الحليب، زيت الطعام، والأدوية) بسعر صرف رسمي انخفض تدريجياً من 585 ريال للدولار نهاية سبتمبر، كان مهماً لو نفذ مبكراً لمنع تدهور سعر الصرف، ولايزال يتطلب آلية للتحقق من اتساق كميات الواردات على الورق مع الواقع».
ولفت التقرير، إلى أن «استلام حكومة معين عبدالملك منحة نقدية جديدة بمبلغ 200 مليون دولار، ومنحة عينية (مشتقات نفطية لوقود الكهرباء) بقيمة 180 مليون دولار، وتخصيص 70 مليون دولار لصرف إعانات مالية للمعلين وتخصيص 10 مليون دولار شهرياً لتغطية جزء من واردات شركة النفط من الوقود لعدن وما جاورها بسعر الصرف الموازي، جميعها عوامل ستخفف من الضغط على الدولار، إلا أنها تفتقر للاستدامة وتأثيرها محدود خاصة ان أدوات السياسة الاقتصادية الكلية تخص اقتصاد واحد وعملة واحدة، لكهنا باتت إما معطلة أو متعارضة مع بعضها».
الخيار الأمثل
وشدد التقرير الرسمي، على أن «المدخل الأساسي للسيطرة على أزمة العملة يتمثل في استئناف إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز الطبيعي المسال لتوفير العملة الصعبة، وحشد الدعم الخارجي الكافي لتغطية واردات السلع الأساسية والوقود بسعر صرف رسمي، والتغلب على أزمة انقسام السلطة النقدية في البلاد»، مؤكداً في الوقت ذاته، أن «التوصل لتسوية سياسية الخيار الأمثل لإيقاف التدهور الاقتصادي والمعيشي لليمنيين».
(تقرير – رشيد الحداد)