المشهد اليمني الأول/
منذ اللحظة الأولى لإعلان العدوان السعودي على اليمن، من داخل العاصمة الأميركية واشنطن، في آذار/ مارس 2015، بدت الولايات المتحدة شريكة في الحرب التي أريد منها تبديل وجه جنوب الجزيرة العربية. شراكة سرعان ما تعزّزت مؤشراتها مع تتالي المعلومات عن مساندة أميركية للعدوان على المستويات كافة السياسي منها والعسكري والاقتصادي.
لم تكتفِ واشنطن بالدعم اللوجستي والاستخباراتي المتمثّل في توفير بنك أهداف دائم لـ«التحالف»، وتزويد طائراته بالوقود جواً، وإدارة غرفة العمليات في الرياض، بل تطوّر دورها إلى الحضور المباشر في الميدان. بعدما تصاعدت هجمات القوة الصاروخية اليمنية على السعودية، وثبُت فشل منظومة الدفاع الجوي الأميركية في ردعها دفعت الولايات المتحدة أواخر العام 2016، بقوات حملت شعار «القبعات الخضراء» إلى الحدود الجنوبية للمملكة بهدف تفعيل عمليات الرصد والتدمير للصواريخ الباليستية ومنصّات إطلاقها من داخل اليمن.
وفي مطلع العام 2017 استهدفت بوارج أميركية رادارات تابعة للقوات الجوية اليمنية في وقت سُجّلت فيه عودة قوات أميركية إلى التمركز في قاعدة العند العسكرية (جنوب) بدعوى اتخاذها منطلقاً لتنفيذ عمليات برية ضدّ تنظيم «القاعدة». ومنذ ذلك الحين تصاعدت زيارات القيادات العسكرية الأميركية إلى مدينتَي عدن والمخا ليصل مطلع العام الحالي خبراء أميركيون إلى منطقة العمري العسكرية الواقعة بالقرب من باب المندب ويتم الاتفاق على إنشاء عدد من غرف العمليات المشتركة مع الجانب الإماراتي لإدارة المعارك التي تصاعدت منذ مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2017.
مثّلت معركة الساحل الغربي واحدة من أكثر المواقع التي جلّت البصمة الأميركية بوضوح. بعد سيطرة «التحالف» العام الماضي على مديرية المخا وتحويله ميناءها التاريخي إلى قاعدة عسكرية، طالبت الولايات المتحدة عبر سفيرها في اليمن ماثيو تولر صنعاء بتسليم الحديدة من دون قتال. وهو ما قوبل بردّ حازم من قِبَل الحركة التي أعلنت استعداد الجيش واللجان الشعبية لمواجهة أي تدخل عسكري أميركي وفق ما توعّد به رئيس «المجلس السياسي الأعلى» (سابقاً) صالح الصماد الذي سرعان ما تمّ اغتياله بطائرة أميركية من طراز «أم كيو 9» في 19 نيسان/ أبريل الماضي.
وفي السابع من حزيران/ يونيو الفائت، وصلت قيادات عسكرية أميركية إلى القاعدة البحرية في مدينة عدن حيث التقت قيادات عسكرية سعودية وإماراتية وناقشت معها الترتيبات لاقتحام مدينة الحديدة. وقبيل التصعيد الأخير على جبهة الساحل الغربي، وتحديداً في مطلع أيلول/ سبتمبر وصل قائد القيادة المركزية الأميركية جوزيف فوتيل إلى عدن والتقى هناك قيادة القوات الموالية لهادي. وعقب انطلاق المعركة كشفت وسائل إعلام غربية أن ضباطاً أميركيين أشرفوا على هندسة الخطة الجديدة لإسقاط الحديدة في الرياض في وقت سلّمت فيه الولايات المتحدة السعودية طائرتَي استطلاع جديدتين وزوّدتها بمعلومات «حيوية» للهجوم.
ولم تقتصر المشاركة الأميركية على الجانب العسكري بل تعدّته إلى المجال الاقتصادي الذي تولّى المحاربة فيه سفير الولايات المتحدة لدى اليمن. في مفاوضات الكويت الأخيرة، هدّد تولر وفد صنعاء بتشديد الخناق الاقتصادي في حال رفض التوقيع على اتفاق يمنح «التحالف» نصراً ديبلوماسي وهو ما قوبل بالرفض ليعقب ذلك إغلاق مطار صنعاء ونقل البنك المركزي إلى عدن وتجميد احتياطاته النقدية في البنوك الدولية والتضييق على حركة الملاحة البحرية في الحديدة.
العدوانية الأميركية تجاه اليمن لم تكن وليدة «عاصفة الحزم» بل هي متقادمة قِدَم ما سُمّيت «ثورة الشباب» التي أطاحت الرئيس السابق علي عبد الله صالح. قبل العدوان بعدة سنوات ومنذ صعود هادي كرئيس انتقالي لعامين وفقاً للمبادرة الخليجية عملت الولايات المتحدة على تنفيذ أجندة خفية محورها تفكيك المنظومة الصاروخية اليمنية. ووفقاً لمعلومات فإن السفير الأميركي السابق في اليمن جيرالد فايرستاين أشرف بنفسه على هذه الأجندة تحت لافتة دعم عملية إعادة الهيكلة التي أطلقها هادي. وتفيد المعلومات بأن الولايات المتحدة حوّلت سفارتها في صنعاء إلى غرفة عمليات عسكرية واستحدثت غرفة أخرى في جبل نقم شرق العاصمة واستقدمت ما يزيد على 300 جندي وخبير عسكري تحت ذريعة حماية السفارة.
وبحسب المصدر نفسه فإن «القوات الأميركية التي وصلت قاعدة العند العسكرية عام 2012 تحت ذريعة مكافحة الإرهاب أقدمت على تفجير 1500 صاروخ أرض ـــ جو روسية الصنع وعطّلت رادارات القاعدة الجوية فيما أشرف خبراء أميركيون على تفجير مئات الصواريخ الحرارية التي تُستخدم ضد الطائرات المعادية». ويضيف المصدر أن «السفير الأميركي السابق فرض نفسه وصياً على اليمن ونفّذ الكثير من الأجندة الأميركية بتنسيق كامل مع السعودية وسفيرها في صنعاء وتحت غطاء تنفيذ المبادرة الخليجية».
الحرب أميركية بامتياز
يؤكد عضو المكتب السياسي لأنصار الله» سليم المغلس أن «الحرب على اليمن أميركية بامتياز من صناعة قرارها وتوفير غطائها الدولي، إلى توفير سلاحها، إلى تخطيطها وإدارتها العملياتية والاستخبارية المباشرة، إلى المشاركة التنفيذية في قواتها». ويقول المغلس إنه «لا خلاف على أن قرار العدوان على اليمن هو قرار أميركي وأن الحرب الدائرة على اليمن اليوم هي حرب المحور الأميركي ـــ الإسرائيلي وتنفيذاً لأجندتهما سواء مباشرة أو عبر أدواتهما التنفيذية» مضيفاً أن «هذا واضح منذ اليوم الأول لإعلان العدوان والذي حصل من واشنطن بلسان وزير الخارجية السعودي حيث أوضح أن قرار الحرب أميركي بامتياز وتحت غطاء واشنطن الدولي قامت السعودية بدور المتصدّر والمتبنّي لهذا العدوان».
ويشير المغلس إلى أن «أميركا لم تكتفِ بصناعة قرار الحرب، وتوفير الغطاء السياسي الدولي لها بل قامت بتوفير الأسلحة اللازمة وشاركت في الإدارة العملياتية المباشرة عن طريق خبرائها العسكريين كما باشرت التخطيط والمراقبة جواً، وجمع المعلومات الاستخبارية والدعم الطبي والتزويد بالوقود والاعتراض البحري» متابعاً أن «ذلك الدور وكل تلك الجرائم التي ارتكبتها أميركا بحق الشعب اليمني لم تكن كافية لواشنطن خلال السنوات الماضية من العدوان بل شاركت مشاركة تنفيذية بقواتها وقامت بتنفيذ عمليات عسكرية مباشرة سواء بحرية في الساحل الغربي أو ضربات جوية أو مشاركة برية في بعض الجبهات كجبهات الحدود».
ويؤكد المغلس أن «جرائم أميركا بحق الشعب اليمني لن تسقط بالتقادم ولا مناص من تحمّل أميركا مسؤولية العدوان إلى جانب أدواتها في المنطقة وهي شريكة في شكل رئيسي في كل الجرائم التي ارتُكبت بحق أبناء شعبنا قراراً وسلاحاً وإدارةً وتنفيذاً».
(تقرير – رشيد الحداد)