المشهد اليمني الأول/
بعد اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي يوم الثلاثاء 11 أكتوبر 1977م وشقيقه عبدالله الحمدي في حفلة الغداء الدموية بالقرب من السفارة السعودية بصنعاء، تحول اليمن من دولة مستقلةّ ذات سيادة إلى دولة خاضعة للوصاية السعودية.
أشهر مرت على الاغتيال فأنشأت السعودية «اللجنة الخاصة» المعنية بالوضع في اليمن من قبل مجلس الوزراء في الرياض وضمّت كل رجالات المملكة في اليمن حينذاك في كشوفات عطائها الشهري التي بلغت 56 مليون ريال سعودي شهرياً، ثم تضاعفت إلى عدة أضعاف في ما بعد.
استراتيجية المال
يؤكد إدريس الشرجبي وهو قيادي يساري سابق أن «السعودية استخدمت استراتيجية المال لفرض سيطرتها على شمال اليمن بعد اغتيال الحمدي وأقدمت على شراء الذمم عبر إقامة تحالفات واسعة مع مشايخ القبائل والوجاهات الاجتماعية والقيادات العسكرية والسياسية لتحكم سيطرتها على كل مفاصل السلطة في اليمن وعملت على القضاء على مشروع الرئيس الحمدي».
ولم يستبعد «وقوف المال السعودي ضد الحركات المناهضة للتدخل السعودي في شمال اليمن كحركة 15 اكتوبر 1978م التي تعرض أعضاءها للقمع والتصفيات الجسدية والاعتقالات والتغييب القسري» ويرى أن «اليمن تحولت بعد مرحلة الحمدي إلى ملف بعُهدة الأمير سلطان بن عبدالعزيز».
لم تكن الهيمنة السعودية تروق للكثير من اليمنيين أواخر عقد السبعينات فقد كانت هناك ممانعة شعبية لا سيّما وأن التوغّل السعودي في شمال اليمن بعد جريمة اغتيال الحمدي، ضاعف من اتهامات الرياض بالوقوف وراء جريمة الاغتيال السياسي.
«حركة 15 أكتوبر»
بعدما تعرضت قيادات وعناصر حركة «13 يونيو التصحيحية»، التي أعلنها الرئيس الحمدي للتصفيات والتنكيل والإخفاء القسري والتغييب والملاحقة الأمنية؛ أعلن عدد من القيادات العسكرية الموالية للرئيس المغدور «حركة 15 أكتوبر» 1978م كحركة عسكرية بقيادة عيسى محمد سيف الذي كان يشغل منصب الأمين العام للتنظيم الناصري وكان هدفها القيام بانقلاب أبيض لتصحيح مسار الثورة والتخلص من النفوذ السعودي من خلال الإطاحة بنظام الرئيس علي عبدالله صالح وتعيين مجلس عسكري لحكم البلاد لفترة انتقالية.
وفي منتصف مساء 15 أكتوبر سيطرت الحركة على مبنى «القيادة العامة للقوات المسلحة» وغرفة العمليات والاتصالات العسكرية ومطار صنعاء الدولي والمطار الحربي ومبنى الإذاعة والتلفزيون والاتصالات ومداخل صنعاء؛ وكادت الحركة أن تنجح إلا أن العديد من القيادات العسكرية التي تم التنسيق معها غدرت بقيادة الحركة لتفشل المحاولة صبيحة اليوم التالي وتتحول إلى «نكسة».
تفيد المصادر بأن قائد الحركة عيسى محمد سيف وجه بعدم المواجهة حتى لا تسقط دماء حيث أكد عبر إذاعة صنعاء في نفس اليوم أن «الحركة لم تكن تستهدف الرئيس بل كانت تستهدف الواقع وكنا حريصين أن لا تسقط قطرة دم وهدفنا هو التخلّص من النفوذ والوصاية السعودية على وطننا». وفيما رفض الهروب وفضل البقاء ومواجهة الأمر الواقع، ألقي القبض عليه ومعه كبار قيادات الحركة الذين كانوا ينحدرون من الشمال والجنوب وفي ظرف عشرة أيام فقط، تمت محاكمتهم محاكمة علنية وصدرت الأحكام المستعجلة بالإعدام في 26 أكتوبر1978م لـ 10 من قادة الحركة المدنيين على رأسهم عيسى محمد سيف، وسالم محمد السقاف وعبد السلام مقبل ومحمد محسن الحجاجي الذي ينحدر إلى الضالع وناصر محمد ناصر اليافعي وآخرون ليتم إعدامهم في 5 نوفمبر 1978. وتشير المصادر إلى أن «القادة العشرة دفنوا في مقبرة جماعية في صنعاء» .
شهداء وأجساد مخفية
يرى الكثير من الناصريين ومن رفاق عيسى محمد سيف الذين فروا من قمع السلطات في صنعاء حينذاك، أن «السعودية حرّضت على التسريع في إصدار أحكام الإعدام المستعجلة لقادة الحركة، كون الحركة كانت تستهدف الوصاية السعودية في اليمن قبل نظام صالح، وأعقبت تلك الإعدامات تصفية عدد من القادة العسكريين من رفاق الحمدي الذين وقفوا إلى جانب حركة الإنقلاب وعلى رأسهم المقدم محسن أحمد فلاح الذي كان يشغل منصب قائد الشرطة العسكرية وأركان حرب صاعقة الوحدات المركزية وأركان حرب اللواء السابع صاعقة وضباط من الاستخبارات العسكرية والقضاء العسكري.
لا يزال الكثير من أعضاء وقيادات الحركة حتى اليوم، مخفيين قسرياً كما هو حال رفاق الرئيس الحمدي مثل الرئد علي قناف زهرة قائد اللواء الاول مدرع الذي اختطف ولم يتم العثور على جثته حتى اليوم والرائد عبدالله الشمسي مسؤول كتائب الصواريخ فيما صدر بحق الكثير من رفاقهم عفواً رئاسياً في نوفمبر 1979م.
(رشيد الحداد)