المشهد اليمني الأول/

 

ارتفع سقف مطالب الخارج ليصل إلى مطالبة البعض بالبحث عن ولي جديد للعهد

 

ارتبطت الحرب على اليمن بالأمير السعودي محمد بن سلمان، الذي أطلق ليل الـ26 من مارس 2015 عملية عسكرية واسعة النطاق تحت مسمّى «عاصفة الحزم»، وقادها شخصياً من غرفة العمليات كوزير للدفاع، وخلال أربع سنوات، هي عمر الحرب حتى الآن، اشترى بن سلمان بمليارات النفط، صمت المجتمع الدولي على قتل وتجويع الشعب اليمني، ودفع ملايين الدولارات لتحسين صورته وتسويق برنامجه ورؤيته «2030»، أفلت من جريمة اختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، واحتجز العشرات من كبار الأسرة الحاكمة والوزراء ورجال الأعمال في «حملة على الفساد»، وبعد أن صار على بعد خطوة من إعتلاء عرش المملكة، بفضل الصلاحيات الواسعة التي منحها له والده، استفاق الملك سلمان من غيبوبته على نبأ إخفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في 2 أكتوبر الحالي، بقنصلية الرياض في اسطنبول، ومطالبة زعماء العالم بتفسير لاختفائه، لتتحول قضيته إلى قضية رأي عام عالمية، وسط شكوك بتورط محمد ابن سلمان فيها، وبعد أسبوعين من النفي والارتباك في الديوان الملكي؛ اعترف النظام السعودي بمقتل خاشقجي في قنصلية اسطنبول وأرجع السبب إلى «شجار مع أشخاص قابلوه هناك».

 

هذه التخريجة لم تقنع العالم ولم تكن منطقية، إلا بمنظور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المضارب المميز في البورصة. لقد صار «جمال خاشقجي أغلى جثة في التاريخ»، بحسب توصيف رئيس تحرير جريدة السفير طلال سلمان، الذي قال إن «هذه الجريمة تحقق لترامب أقصى ما كان يطمع في جبايته من ذهب السعودية الأسود، الذي يُهدر على القصور واليخوت والحروب العبثية كما في اليمن».

 

ومهما تكن التخريجات السياسية التي سيتم التوصّل إليها بعد انتهاء التحقيق الجنائي، فإن الحقيقة أن «عاصفة خاشقجي» ضربت النظام السعودي، وارتفع سقف مطالب الخارج، ليصل إلى مطالبة السيناتور الأمريكي ليندسي جراهام للسعودية، بالبحث عن ولي جديد للعهد، فيما رأى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، من أن مستقبل الأمير الشاب الطامح لكرسي العرش، أصبح على المحك، لتبرز التساؤلات عن نصيب اليمن من «عاصفة خاشقجي» والحظوظ المتبقية لمحمد بن سلمان للبقاء في سدة الحكم، وماذا بعد العاصفة؟

عزلة وانسحاب من اليمن

الناشط السياسي والحقوقي جلال الحلالي، قال لـ«العربي»، إن «الإطاحة بأبرز مساعدي محمد بن سلمان، لن تطمس الحقيقة، وربما لن تتوقف تداعياتها حتى دخول بن سلمان في قفص الإتهام المباشر بقتل خاشقجي، فلم يعد هناك مجال للتستر عليه في هذه القضية، التي صارت قضية رأي عام عالمي، تتجاوز المواقف البراغماتية لرؤساء الدول. إنها قضية تتفاعل تصاعديا في البرلمانات والصحافة الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، والرئيس الأمريكي ليس الحاكم الفصل في هذه القضية، كما أن كل أموال السعودية ليست ذات قيمة لإسكات العالم. الحقيقة الكاملة على وشك الظهور، والأمير الشاب على وشك الغياب».

 

من جانبه، قال الكاتب والباحث مصطفى الجبزي، إن «النظام السعودي يمر الآن بمرحلة متنامية من الحرج والعزلة دولياً، ولا تقتصر الأسباب في ذلك على قضية خاشقجي فقط، بل إن تراكمات الكارثة الإنسانية اليمنية في ذهنية المجتمع الدولي، وتحميل السعودية بشكل أساسي مسؤولية الأزمة الإنسانية الأسواء في العالم، مع الإصرار على إبقاء وضع عدم الاستقرار على الأرض، كان أحد أسباب استنزاف السعودية يومياً وبالنقاط، وهو ما كلفها الكثير من خسارة سمعتها دولياً، لتأتي قضية خاشقجي وتقضي عليها بالضربة القاضية».

 

وأكد الجبزي أن «السعودية ستغادر المشهد اليمني إلى حد كبير، وستخلف وراءها جزراً متناثرة من الوحدات القتالية غير المتناغمة، وحكومة لا تعرف الميدان اليمني لا إدارياً ولا عسكرياً، ومليشيات خارج السيطرة، ونصف الأرض تحت هيمنة حليفتها الإمارات، وحكومة بلا موارد ولا نقاط منافذ استراتيجية».

 

وبالإضافة إلى ذلك، وبحسب الجبزي، فإن «مصير القوات التي على مشارف الحديدة الهلاك، أو العودة إلى عدن ولحج، فيما الحوثي سيعزز من هجومه على تعز ومأرب قريباً».

كباش فداء

عقب إطاحة الملك سلمان بنائب رئيس الاستخبارات اللواء أحمد عسيري، والمستشار الأمني لولي العهد سعود القحطاني، علّق الكاتب والمحلل السياسي علي السقاف، بالقول «يبدو أن هناك كباش فداء لا كبشاً واحداً ولا إثنين»، مؤكداً لـ«العربي» أن «منصب محمد بن سلمان وطموحه في اعتلاء العرش صار في خطر، كما لم يعد النظام السعودي مهتم بحرب اليمن بعد أن ألقت به قضية الخاشقجي إلى قلب العاصفة، وفي حال بقاء بن سلمان في السلطة، فإن حضوره سيكون ضعيفاً ومرتبكاً، وسيظل عرضة للابتزاز حتى نفاذ الخزينة السعودية، أما إذا أطيح به فإن النظام الاماراتي وعلى رأسه محمد بن زايد، لن يكون بمقدوره المضي في حرب اليمن وسيبحث عن مخرج من المستنقع اليمني».

 

كما يرى الدبلوماسي الأمريكي السابق نبيل خوري، أن «ولي العهد السعودي خسر معركة الرأي العام، والتي كلفته الملايين كي يلمع صورته الشخصية وصورة السعودية، خاصة في واشنطن».

 

وعن تداعيات الموقف داخل السعودية، أوضح خوري لشبكة «السي إن إن» الأمريكية، أنه «ربما يستنتج الملك سلمان أن وضعه لابنه في هذا المنصب الرفيع، ربما يكون تصرفاً سابقاً لأوانه. أما بالنسبة للأسرة الحاكمة بشكل عام، فيمكن أن تطالب بتغيير القيادة الحالية، إذ أن تلك التصرفات ليست في مصلحة السعودية».

انتقام ولي العهد

موقع «المونيتور» الأمريكي، رحّج أن يكون موقف خاشقجي من حرب بلاده في اليمن، هو السبب وراء انتقام ولي عهد المملكة، الأمير محمد بن سلمان منه. وذكر الباحث في معهد «بروكينغز» والمحلل السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية «CIA» بروس ريدل، أن «انتقادات خاشقجي للحملة العسكرية التي شنّها ولي العهد السعودي في اليمن، بلغت حد التأكيد على أن السعودية لم تعد تختلف من الناحية الأخلاقية عن الديكتاتور السوري بشار الأسد، وهو محتوى مقاله الأخير الذي نشره بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية».

 

واقتبس ريدل مقتطفات من المقال الذي دعا فيه خاشقجي الرياض إلى «وقف فوري لإطلاق النار في اليمن، والقبول بهدنة شاملة، وعقد مؤتمر سلام في الطائف (التي كانت محلاً لوساطات سلام سعودية سابقة)، والعمل مع الحوثيين، والانفصاليين الجنوبيين، وحكومة هادي، وكل القوى السياسية اليمنية على التوصل إلى حل سياسي».

 

واعتبر خاشقجي أن «كرامة السعودية ودورها كقيادة للعالم الإسلامي باتت على المحك؛ لأن الحرب المستمرة في اليمن منذ أكثر من 3 أعوام شوهت سمعة المملكة».

 

والخلاصة بحسب المراقبين، أن «السعودية في مرحلة ما بعد مقتل خاشقجي لن تكون كما قبلها. وفي هذا السياق، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي جمال عامر، لـ«العربي» أن «رأس الحكم السعودي تعرض لهزة غير مسبوقة أفقدته توازنه، وأخرجت ذله وهوانه من السر إلى العلن، بالتوازي مع خسائر اقتصادية وفقدان لمصداقيته السياسية والأخلاقية بسبب حربه المدمرة والعبثية في اليمن».
ـــــــــــــــــــــــ
فايز الأشول

مصدرالعربي