المشهد اليمني الأول/
في الوقت الذي تواجه السعودية تشكيكا دوليا متزايداً في روايتها بشأن اختفاء الكاتب الصحافي جمال خاشقجي، التي وصفتها الدول الغربية بأنها كاذبة وغير مقنعة، عرض مسؤول حكومي سعودي رفيع المستوى “رواية جديدة” لما حدث داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، تناقض في جوانبها الرئيسة الرواية الأولى، التي قال إنها استندت إلى “معلومات خاطئة” قدمتها جهات داخلية إلى الحكومة.
وتتضمن الرواية الأحدث التي قدمها لـ “رويترز” مسؤول سعودي طلب عدم الكشف عن هويته، تفاصيل عن كيف هدد فريق من 15 سعودياً أرسلوا للقاء خاشقجي في الثاني من أكتوبر 2018، بتخديره وخطفه قبل أن يقتلوه في “شجار” عندما قاوم. ثم ارتدى أحد أفراد الفريق ملابس خاشقجي ليبدو الأمر وكأنه غادر القنصلية.
وبعد إصرارها على عدم تورطها في اختفاء خاشقجي (59 عاماً) لمدة أسبوعين، قالت المملكة، يوم السبت 20 أكتوبر 2018، إنه توفي في شجار داخل القنصلية. وبعد ذلك بساعة، عزا مسؤول سعودي آخر الوفاة إلى “الخنق” وهو ما كرره المسؤول رفيع المستوى.
وزعم المسؤول السعودي، استناداً إلى ما سمّها “وثائق مخابرات سعودية”، وجود خطة لإعادة المعارضين إلى السعودية. ورفضت السلطات السعودية في البداية التقارير التركية عن اختفاء خاشقجي داخل القنصلية ووصفتها بـ “الكاذبة”، وأصرت على أنه غادر المبنى بعد قليل من دخوله. وحينما ذكرت وسائل الإعلام التركية بعد بضعة أيام أنه قُتل هناك وصفت الرياض الاتهامات بأنها “لا أساس لها”.
وردا على سؤال عن سبب تغيُّر تفسير الحكومة لموت خاشقجي باستمرار، قال المسؤول إن رواية الحكومة الأولى “استندت إلى معلومات خاطئة قدمتها جهات داخلية في ذلك الوقت”.
وقال المسؤول إنه “بمجرد أن تبين أن التقارير المبدئية كانت كاذبة بدأت الرياض تحقيقاً داخلياً وتوقفت عن الإدلاء بالمزيد من التصريحات مضيفا أن التحقيق مستمر”.
ووفقا للرواية الأحدث، قال المسؤول إن الحكومة السعودية أرادت “إقناع” خاشقجي، الذي انتقل للإقامة في واشنطن قبل عام خوفاً من الانتقام بسبب آرائه، بالعودة إلى المملكة كـ “جزء من حملة للحيلولة دون تجنيد أعداء البلاد للمعارضين السعوديين”.
وأضاف المسؤول “من أجل ذلك شكل نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري فريقا من 15 فرداًٍ من الاستخبارات والأمن للذهاب إلى اسطنبول ومقابلة خاشقجي في القنصلية ومحاولة إقناعه بالعودة”.
وادعى المسؤول أن “أمر العمليات يمنحهم (الفريق) سلطة التصرف من دون الرجوع للقيادة”، قائلاً: “عسيري كوّن الفريق واستعان بموظف يعمل مع (المستشار في الديوان الملكي سعود) القحطاني كان يعرف جمال جيداً إذ عملا سوياً في سفارة المملكة في لندن”.
وتابع قوله: “القحطاني، الذي عمل مع ولي العهد (السعودي محمد بن سلمان)، وافق على أن يدير أحد موظفيه المفاوضات”، وفقاً للخطة، كان سيحتجز الفريق خاشقجي في “مكان” آمن خارج اسطنبول لبعض الوقت ثم “يفرج عنه إذا رفض في نهاية الأمر العودة إلى السعودية”، كما ادعى المسؤول نفسه.
وأضاف “الأمور ساءت من البداية إذ أن الفريق تجاوز التعليمات ولجأ سريعاً إلى العنف”، وتم توجيه خاشقجي إلى مكتب القنصل العام محمد العتيبي حيث تحدث أحد أفراد الفريق ويدعى ماهر عبد العزيز مطرب معه عن العودة للسعودية.
وقال المسؤول إن خاشقجي “رفض وأبلغ مطرب أن شخصاً ما ينتظره في الخارج وسيتصل بالسلطات التركية إذا لم يظهر خلال ساعة”. وكانت خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي، قد قالت لـ “رويترز” إنه كان قد سلمها هاتفيه المحمولين وطلب منها أن تنتظره وتتصل بمساعد للرئيس التركي إذا لم يعد.
وداخل القنصلية، وفقاً لادعاء المسؤول، قال خاشقجي لمطرب: “هذا الأمر مخالف للأعراف الدبلوماسية والأنظمة الدولية. ماذا ستفعلون بي هل لديكم نية لخطفي؟”، ورد مطرب بالقول: “نعم سنخدرك وسنقوم باختطافك”، وهو ما وصفه المسؤول بـ “محاولة تخويف تخالف هدف المهمة”.
وعندما رفع خاشقجي صوته “أصيب الفريق بذعر”، وفقاً للرواية الأحدث، حيث حاولوا أن يسكتوه وكتموا أنفاسه، بحسب قول المسؤول، فـ “نتيجة اصرار جمال رفع صوته وإصراره مغادرة المكتب حاولوا تهدئته لكن تحول الأمر إلى عراك بينهم. ما اضطرهم إلى تقييد حركته وكتم نفسه”.
وأضاف “حاولوا أن يسكتوه لكنه مات. لم تكن هناك نية لقتله”. وفي محاولة لتبرير خنق خاشقجي، قال المسؤول: “إذا وضعت شخصاً في سن جمال في هذا الموقف سيموت على الأرجح”.
وبحسب المسؤول، فإنه لتغطية الجريمة “لف الفريق جثة خاشقجي في سجادة وأخرجوها في سيارة تابعة للقنصلية وسلموها إلى “متعاون محلي” للتخلص منها”. وأضاف أن صلاح الطبيقي، خبير الأدلة الجنائية والطب الشرعي، حاول إزالة أي أثر للحادث.
وفي الوقت ذاته، ارتدى أحد أفراد الفريق ويدعى مصطفى المدني ملابس خاشقجي ونظارته وساعته من نوع “آبل” وغادر من الباب الخلفي للقنصلية، في محاولة لإظهار أن خاشقجي خرج من المبنى. وتوجه المدني إلى منطقة السلطان أحمد حيث تخلص من المتعلقات، وفف ما زعم المسؤول ذاته.
وذكر المسؤول إن الفريق كتب بعد ذلك “تقريراً مزوراً” إلى رؤسائه قائلاً فيه إنه “سمح لخاشقجي بالمغادرة بعد أن حذر من أن السلطات التركية ستتدخل وأنهم غادروا البلاد سريعاً قبل اكتشاف أمرهم”.
وتؤكد مصادر تركية أن لدى أنقرة تسجيلاً صوتياً يشير إلى مقتل خاشقجي داخل القنصلية لكنها لم تكشف عنه. ويشتبه مسؤولون أتراك في أن جثة خاشقجي، المنتقد البارز لولي العهد السعودي محمد بن سلمان والذي كان يكتب عموداً في صحيفة “واشنطن بوست”، قُطعت، وهو ما يناقض ادعاء المسؤول السعودي بأنه تم لفها في سجادة وتسليمها إلى “متعاون محلي” للتخلص منها.
وكان مسؤولون أتراكاً قد أبلغوا “رويترز” أن قتلة خاشقجي ربما ألقوا أشلاءه في أحراش بلجراد المتاخمة لاسطنبول، وفي موقع ريفي قرب مدينة يلوا التي تبعد بالسيارة عن جنوب اسطنبول مسافة 90 كيلومتراً.
وقال مسؤول تركي رفيع المستوى إن المحققين الأتراك سيعرفون على الأرجح ما حدث للجثة خلال فترة “غير طويلة”.
ويتساءل متشككون عن سبب مشاركة مثل هذا العدد الكبير وبينهم ضباط في الجيش وخبراء في الطب الشرعي متخصصون في التشريح في العملية إذا كان الهدف هو إقناع خاشقجي بالعودة إلى لسعودية بإرادته.
وقال المسؤول إن جميع أفراد الفريق ومجموعهم 15 شخصاً اعتقلوا ويجري التحقيق معهم إضافة إلى ثلاثة مشتبه فيهم آخرين.