المشهد اليمني الأول/
تناولت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها مسألة معالجة العائلة المالكة السعودية لقضية الصحافي السعودي المقتول جمال خاشقجي والجدل الدائر حول إمكان عزل ولي العهد محمد بن سلمان من منصبه أو الحد من سلطاته.
والآتي ترجمة نص التقرير: مع تزايد الغضب الدولي تجاه المملكة العربية السعودية بسبب القتل الواضح للصحافي جمال خاشقجي في اسطنبول، أوفد الملك سلمان المذعور شخصاً مهماً من العائلة المالكة لمعالجة هذه المسألة مع الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان).
عاد الأمير خالد الفيصل إلى البلاد من أنقرة مع رسالة قاتمة للعائلة المالكة إذ أخبر الأمير خالد أحد أقاربه بعد عودته أن “من الصعب حقاً الخروج من هذا الأمر”.
وقد أشار واحد من أفراد الأسرة هذا الأسبوع قائلاً: “لقد انزعج بالفعل من ذلك.” تواجه المملكة العربية السعودية أكبر أزمة دولية منذ الكشف عن أن مواطنيها خططوا ونفذوا الهجمات في 11 أيلول – سبتمبر 2001. إذ ينتاب أعضاء الأسرة الحاكمة قلقاً متزايداً بشأن اتجاه البلاد تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، الإبن المفضل للملك سلمان البالغ من العمر 33 عاماً والحاكم اليومي للمملكة. لكن بخلاف عام 2001، عندما اجتمعت العائلة المالكة معاً لحماية مصالحها الجماعية، فإن هذه المرة قد لا يكون الأمر ممكناً.
فبدلاً من ذلك، هناك قلق عميق، حيث يبحث أفراد العائلة المالكة، حتى الآن من دون جدوى، عن طريقة لاحتواء ولي العهد، الذي عزز سلطته بشكل كامل بحيث تم تهميش الجميع تقريباً.
الشخص الوحيد الذي يمكن أن يتدخل هو الملك نفسه، ولكن كبار الأمراء وجدوا أنه من المستحيل تقريباً نقل مخاوفهم إلى الملك البالغ من العمر 82 عاماً، ويشك البعض في أنه يدرك تماماً ما يحدث أو يرغب في تغيير المسار.
“لا يملك الملك القدرة على التعامل مع الأمر”، قال أحد موظفي الأمير البارز الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته مثل الآخرين في هذا المقال بسبب الخوف من التداعيات.
وتحدث الموظف عن ولي العهد محمد، وقال: “إنه الرقم 1 والرقم 2.” منذ تأسيس الدولة السعودية في عام 1932، تم في بعض الأحيان تمزّق العائلة المالكة بسبب الخلافات، وحتى الاغتيال. لكن الآلاف من الأمراء والأميرات الذين يشكلون آل سعود وجدوا في نهاية المطاف طرقاً للحفاظ على الأسرة الحاكمة.
كان هناك ببساطة الكثير على المحك للسماح بحدوث انشقاقات عائلية تعيق أنماط الحياة الفخمة، والرواتب الباهظة والامتيازات التي لا تضاهى. بعد ذلك جاء ولي العهد محمد (بن سلمان)- شاب، شجاع، حريص- الذي قام بشكل منهجي بتفكيك نظام الإجماع الذي أبقى السلام لعقود.
مع كل السلطة التي يتمتع بها، تخلى ولي العهد عن أسلوب السياسة الخارجية السعودية التقليدي الذي استخدم أسلوب التعامل الهادئ وراء الكواليس ودبلوماسية دفتر الشيكات.
بدلاً من ذلك، تحرك بعدوانية، وشن تدخلاً عسكرياً مأساوياً في اليمن. خطف رئيس الوزراء اللبناني. ومزق العلاقات مع قطر وكندا. في غضون ذلك، قام بتسويق المملكة العربية السعودية الجديدة في الخارج، حيث سيزدهر اقتصاد ديناميكي وستقود النساء السيارات.
وفاز هذا اللعب على المشجعين الذين رأوا فيه بالضبط نوع القائد الذي تحتاجه المملكة للتخلص من ماضيها المحافظ. ومن بين هؤلاء المشجعين إدارة ترامب، التي جعلت منه دعامة لسياستها في الشرق الأوسط. لكن صعود بن سلمان قد أثار غضب العديد من أبناء عمومته الذين يخشون الآن أسوأ ما لديهم وهم يراقبون أن سمعة المملكة أصبحت سامة.
وقال مساعد آخر لفترة طويلة للعائلة المالكة: “إنهم ليسوا حفنة قاسية بشكل خاص”، واصفاً فلسفة بعض الأمراء بأنهم يقولون: “نريد فقط أن تأكل البرغر ونذهب في عطلات خارجية”.
يقول مساعدون للعائلة المالكة إن كبار الأمراء لا يمكنهم الوصول إلى الملك سلمان كما كانوا يصلون إلى ملوك سابقين، مما يجعل من الصعب التعبير عن مخاوفهم. بعض الأمراء لا يمكنهم دخول الديوان الملكي أو قصر الملك إلا إذا تم وضع أسمائهم على الباب في وقت مبكر، كما اشتكى أحد أفراد العائلة المالكة.
لكنهم يرون الملك في المناسبات الرسمية حيث يعتبر أمراً سيئاً إثارة قضايا شائكة خلالها أو أنهم يزورونه ليلاً عندما يلعب الورق، وهو وقت سيئ أيضاً للحديث الجاد.
في الوقت نفسه، كان الأمير محمد يندفع للتخفيف من أضرار(حادثة خاشقجي). وقال أحد المستشارين الغربيين إنه حتى فوجئ بغضبه.
وقال المستشار “لقد كان في صدمة حقيقية من حجم رد الفعل”. وقد انعكس الاضطراب في القصر في تفسيرات المملكة العربية السعودية المتغيرة لما حدث للسيد خاشقجي. وطوال أسابيع، أصر المسؤولون الحكوميون على أن خاشقجي قد غادر القنصلية السعودية في اسطنبول بعد وقت قصير من وصوله وأنه لم يكن لديهم أي فكرة عن مكان وجوده.
وفي وقت مبكر من يوم السبت قالت وسائل إعلام سعودية إن خاشقجي قُتل في شجار داخل القنصلية وأن 18 سعودياً غير معروفين محتجزون بسبب وفاته.
وكان هذا أول اعتراف من المملكة بأن السيد خاشقجي قد مات. رفض ولي العهد بثبات طلبات المديرين التنفيذيين في “وول ستريت” بتأجيل مؤتمر للمستثمرين من المقرر أن يستضيفه الأسبوع المقبل في الرياض، حتى بعد أن ألغى واحد بعد من المشاركين حضورهم بسبب الفضيحة، بما في ذلك وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين.
وبدلاً من ذلك، شكل ولي العهد لجنة أزمة تضم ممثلين لأجهزة الاستخبارات ووزارة الخارجية وأجهزة الأمن لإطلاعه على آخر التطورات في فضيحة خاشقجي. وقد استدعى شقيقه الأصغر الأمير خالد بن سلمان ، السفير في واشنطن، لتسريع خططه لتعيينه كنوع من مستشار الأمن القومي لإعادة النظام إلى حد كبير إلى هذه العملية السياسية الطارئة.
وقد هدد الديوان الملكي بالانتقام من أي تحركات تتخذ ضد المملكة، مما يوحي بأنها قد تستخدم نفوذها في أسواق النفط كرافعة للاقتصاد العالمي.
واقترح أحد المعلقين الموالين أن العقوبات ضد المملكة يمكن أن تدفع بها والعالم الإسلامي “إلى أحضان إيران”. بدا أن البيان المقتضب الذي صدر في ساعة مبكرة من صباح اليوم السبت بأن السيد خاشقجي قد توفي داخل القنصلية أثناء شجار كان جزءاً من استراتيجية الاعتراف بوفاته، لكنه نقل المسؤولية عن ولي العهد.
ومن المعروف أن المسؤولين كانوا يزنون ما إذا كان ينبغي إلقاء اللوم على اللواء أحمد العسيري، نائب رئيس الاستخبارات والمقرب من الأمير الشاب.
وقال أشخاص على دراية بالخطة إنها ستتهم الجنرال العسيري بتدبير مؤامرة تهدف إلى القبض على السيد خاشقجي لكنها قتله في نهاية المطاف – وهو تفسير يأمل السعوديون أن يساعد في حماية ولي العهد من المزيد من الاتهامات المضادة. يوم السبت، تم عزل الجنرال العسيري من منصبه، إلى جانب ثلاثة مسؤولين آخرين رفيعي المستوى على الأقل، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية.
ولم يتضح ما إذا كانت عمليات الفصل لها أي علاقة بقضية خاشقجي. وفي حين كانت المملكة العربية السعودية تُحكم تقليدياً من قبل أمراء كبار الذين تقاسموا الوزارات الكبرى واتخذوا قرارات سياسية كبيرة بتوافق الآراء في ظل الملك، فإن العديد من هؤلاء الأمراء تم تهميش نفوذهم مرة واحدة.
بعضهم تم عزلهم من مناصب بارزة، وآخرون قد احتجزوا في فندق ريتز كارلتون في الرياض العام الماضي بتهمم الفساد التي صدرت عن ولي العهد محمد. ولا يزال البعض الآخر منهم وأسرهم ممنوعين من السفر ويخافون كثيراً من أنه قد يتم اعتقالهم إذا تحدثوا بصوت عالٍ. الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق وقيصر مكافحة الإرهاب، لا يزال قيد الإقامة الجبرية.
وقال أحد أقاربه إن زوجته وابنتيه وجدن في وقت مبكر من هذا العام أن حساباتهن المصرفية في السعودية قد جفت. لقد تم تحييد أبناء الملك السابق، عبد الله، الذي توفي في العام 2015. وتمت إزالة أحدهم من منصب رئيس الحرس الوطني، واتهم بالفساد وجرّد من الأصول المالية، بما في ذلك ميدان سباق الخيل الذي ورثه عن والده.
وتم اعتقال شقيقه، وهو حاكم سابق للرياض، وهو ابن آخر لملك سابق. وهناك أخ آخر يختبئ في أوروبا، خائفاً من أنه يمكن اختطافه وإرساله إلى الوطن.
هذا لا يترك سوى والد ولي العهد، الملك سلمان، قادراً على زعزعة سلطته. وقال جوزيف كشيشيان، الباحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض: “هناك شخص واحد داخل المملكة العربية السعودية يستطيع تحدي محمد بن سلمان وهو الملك”.
لكن على الملك أن ينظر ليس فقط في تأثير مسألة خاشقجي على سمعة ابنه، وإنما أيضاً في كيفية مواصلة برنامج الإصلاح المعروف باسم رؤية 2030 الذي بدأه ولي العهد، كما قال السيد كشيشيان.
ويتساءل آخرون عما إذا كانت صحة الملك تسمح له بإدراك كل ما يحدث. تقول مضاوي الرشيد، الأستاذة الزائرة في كلية لندن للاقتصاد، ومؤلفة العديد من الكتب عن المملكة العربية السعودية: “هناك قلق بشأن الحالة العقلية للملك سلمان.
هل هو حقاً في وضع يتيح له اتخاذ هذه القرارات في هذا السن المتأخر؟” وقد تؤدي إقالة ولي العهد القوي هذا إلى تعطيل كبير، ولن يرغب سوى عدد قليل من الأمراء في المنصب مع خشية من غضبه وتدبيره مكيدة ضد بديله.
لكن أحد الدبلوماسيين الغربيين الذين يتمتعون بخبرة طويلة في المملكة أشار إلى أن الملك قد يكبح الأمير الصغير من خلال تقليص سلطته، وربما يعيد توزيع السيطرة على الأجهزة الأمنية إلى أمراء آخرين يحظون بالاحترام. وقال الدبلوماسي: “لقد تم تلطيخ السمعة بشكل لا يمكن إصلاحه – على الصعيد المحلي هم في حاجة فعلاً إلى القيام بشيء للسيطرة على محمد بن سلمان ولي العهد. إنهم بحاجة إلى القيام بشيء لتطويقه.”
وقد يكون الأمير خالد الفيصل، الذي طار إلى أنقرة للقاء الأتراك، من بين القلائل الذين يتمتعون بمكانة قوية لحث الملك على إجراء مثل هذا التحول. فهو ابن الملك الراحل فيصل وهو الآن حاكم إمارة مكة ويبلغ من العمر 78 عاماً، ويحظى بالتقدير في العائلة على أساس وزنه وذكائه. إن قيام الملك بإرساله في مهمة حساسة من هذا القبيل يشير إلى أنه يملك بالفعل ثقة الملك.
كان أخوه غير الشقيق الأمير تركي الفيصل صديقًا قديمًا وراعيًا للسيد خاشقجي في العقود التي كان يعمل فيها في المؤسسة السعودية قبل أن ينتقد ولي العهد محمد. يأمل بعض خصوم ولي العهد في أن يتم تحدي العرش من أخ الملك، الأمير أحمد بن عبد العزيز. الأمير أحمد، 73 عاماً، هو الأصغر بين سبعة أبناء من أبناء الملك الراحل عبد العزيز الذين شاركوا جميعهم نفس الأم، هناء بنت أحمد السديري.
السديريون السبعة، كما كانوا معروفين، شكّلوا كتلة قوية داخل العائلة ومرروا العرش من الأخ إلى الأخ – وهو نمط ربما كان امتد إلى الأمير أحمد لو لم يعد الملك سلمان توجيه الخلافة إلى ابنه.
لذا، كان نقاد الأمير محمد مكروبين الشهر الماضي عندما خاطب الأمير أحمد المتظاهرين في الشارع في لندن الذين كانوا يهتفون ضد العائلة المالكة بسبب الحرب في اليمن.
وقال الأمير أحمد في تصريحات تم التقاطها على شريط فيديو “ما علاقة هذا الأمر بآل سعود؟ “المسؤولان هم الملك وولي عهده”.
عندما سئل عن الحرب في اليمن، أجاب الأمير أحمد: “آمل أن ينتهي الوضع، سواء في اليمن أو في أي مكان آخر، اليوم قبل الغد”.
على شبكة الإنترنت، قام منتقدو ولي العهد ببيعة الولاء للأمير أحمد، لكن دوره كزعيم للمعارضة لم يدم طويلاً. وسرعان ما أصدر بياناً قال فيه إن تعليقه قد أسيء تفسيره. وبقي في لندن، خائفاً من العودة إلى دياره.