المشهد اليمني الأول/ تقرير – صلاح السقلدي

 

ما يميّــز الخطاب الإعلامي والسياسي الذي ينتهجه «التحالف» بشأن حقيقة هدفه من هذه الحرب التي يخوضها باليمن منذ آذار مارس 2015م، هو الصراحة والوضوح بل والتناقض المتعمد من الهدف المعلن «استعادة سلطة الفار هادي» المنتهية ولايته. فهو يعلنها بين الحين والآخر بشكل مباشرة وغير مباشر بأنه يخوض صراعاً ضد إيران ويندرج ضمن التنافس الإقليمي والدولي المحموم باليمن وبالمنطقة عموماً. صراع قُــطبه إيران من جهة والسعودية والإمارات والولايات المتحدة وقوى عظمى أخرى من جهة ثانية.

 

لم يعد «التحالف» يضع أي اعتبار أو يلقي بالاً لمشاعر وردود أفعال القوى اليمنية المؤيدة له، وبالذات السلطة المعترف بها دولياً، حين يتجاهل دائماً وعن عمد إشاراته إلى طبيعة الهدف المعلن بأنه هدف استعادة «سلطة شرعية» في اليمن وإسقاط «إنقلابيين». بعد أن أغراه استكانة هذه السلطة وخنوعها هي وقوى أخرى شمالية وجنوبية، بل يتجاوز هذا التجاهل المهين إلى ما هو أبعد من ذلك حين يصرّح دوماً ودون أي تحفّظ أو حرج بأنه يخوض حرباً ضد إيران وضد «حزب الله» اللبناني أيضاً، وأحيانا ضد قطر، في وقت يجنح فيه هذا «لتحالف» بعيداً عن المضي صوب صنعاء باتجاه محافظات لا علاقة لها بالوصول إلى صنعاء مثل محافظة المهرة والحُــديدة.

 

فالسعودية أماطت اللثام بصورة جلية عن المغزي الاقتصادي من هذه الحرب، سيّما والرياض شرعتْ منذ شهور بترسيخ وجودها العسكري والقبلي هناك وتعمل بصورة مكشوفة على المُــضي قُــدماً نحو فرض أمر واقع لإطلالتها النفطية على بحر العرب. كما وتفعل الشيء ذاته الإمارات في الحُـــديدة لنفس الغرض الاقتصادي وبذات الطرق والأدوات العسكرية والقبلية والاجتماعية، مع فارق أن هذه الأخيرة بذكاء تمضي تحت مظلة، وإن بدت مهترئة، وهي «محاربة الانقلابين» ومنع وصول الأسلحة إليهم، وخلف ستار شفاف اسمه العمل الإغاثي عبر ذراعها «الهلال الأحمر الإماراتي».

 

آخر هكذا تصريحات خليجية صريحة عن الهدف الحقيقي من هذه الحرب كانت يوم الثلاثاء الماضي 27 سبتمبر الجاري، والتي أطلقها السفير الإماراتي بواشنطن يوسف العتيبة، في المؤتمر الذي عُقــدَ بنيويورك بعنوان «متّــحدون ضد إيران النووية» بمشاركة أمريكا والسعودية واليمن وإسرائيل، حيث قال إن «اليمن هو المكان الأكثر سهولة ومنطقية لمواجهة إيران»، مضيفاً أن «لدول الخليج وإسرائيل مصلحة في مواجهة تهديدات إيران»، ليتبعه بساعات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قائلاً في كلمة له أمام مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بنيويورك يوم الخميس: «نرفض سيطرة إيران وحزب الله على اليمن».

 

فمثل هكذا خطاب خليجي واضح لا لبس فيه من الغرض الحقيقي الذي تخوضه الرياض وأبو ظبي بحربهما باليمن يجعل كل مَــن ما زال يعتقد أن الغرض السعودي الإماراتي من هذه الحرب هو مصلحة اليمن شماله وجنوبه وأنه أتى لاستعادة سلطة شرعية، أن يقطع الشك باليقين. فإن كان ثمة إيجابية للسعودية والإمارات بهذه الحرب فهي في وضوح نواياهما، وفي عدم قدرتهم على التخفي خلف خطاب ونوايا كاذبة، وعدم إجادتهم لدور المنقذ والمخلّــص، فالتلقائية الخليجية والسجية البدوية لها مفعول السحر في كشف حقائق الأمور.

 

ومع ذلك وبالرغم من وضوح ما يعلنه «التحالف» من أنه أتى بحرب اليمن للتصدي للنفوذ الإيراني، فإن هذا الهدف ليس الوحيد الذي يجعل السعودية والإمارات تحشد قضهما وقضيضهما بهذا الكم الهائل، ولا هو الهدف الرئيس من هكذا حرب مكُــلّفة في بلد لا وجود لإيران فيه أكثر من الوجود الإعلامي والفكري، قياساً بما هو حاصل في العراق. وإن كان هناك فعلاً شجاعة سعودية إماراتية لقطع اليد الإيرانية، فجُـــزر طمب وأبو موسى في مياه الخليج فهي على مرمى طلقة مسدّس.

 

وبالتالي، فإن ثمة هدف –أهداف- حقيقية هي التي حملت الرياض والإمارات أن تخوضا غمارها باليمن طيلة هذه الفترة -أكثر من 42 شهراً – وبهذا الثمن الباهض بشرياً ومادياً ونزيف أخلاقي كبير وإهدار سمعة إنسانية وحقوقية وبهذه الاستماتة الغريبة. ففوق أن الدوليتين تسعيان فعلاً إلى منع أي حضور لإيران في اليمن، فإن الغرض الرئيس لهما في اليمن يظل الاستحواذ على مقدراته الاقتصادية والجيوسياسية، وإخضاعه ليكون دولة موز ممزقة ،ضمن الطموح المتزايد لهما بالتوسّع أكثر بالمنطقة، براً وبحراً في إطار الصراع المستعر إقليمياً ودولياً وبالذات على الموانئ والجُــزر والمنافذ والمضائق البحرية والبرية في بحر العرب والبحر الأحمر والقرن الأفريقي ،ناهيك عن الخليج العربي، سيّما بعد تعمّق الأزمة الخليجية ودخول تركيا على الخط بهذه الأزمة، وتعاظم الأطماع الأمريكية بالمنطقة وخصومتها المستعرة مع إيران.

 

وما اللقاء الذي ضم قبل أسابيع في عدن كلاً من رئيس أركان الجيش اليمني اللواء طاهر العقيلي، بقائد القيادة المركزية الأمريكية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل، وبتنسيق مع الرياض وأبوظبي، إلا ذروة التنسيق بين هذه الدول باليمن, عكسَ بصورة واضحة طبيعة الحرب هنا، بأنها حرب إقليمية وصراع مصالح وسعي حثيث للسيطرة على البلد شمالاً وجنوباً. واليمن، لا مصلحة له ولا علاقة له بهذه الحرب إلا أنه ساحة من ساحاتها الإقليمية، وأن كثيراً من قواه المحلية، في الشمال والجنوب، ليست أكثر من أدوات تشرعن لهذا الخارج نفوذه وغاياتها التوسعية.