المشهد اليمني الأول/

 

حتى زعماء عصابات السطو وقطاع الطرق الذين يستخدمون الأفراد وسيلة لتحقيق مكاسب مالية محضة يضعون في حسبانهم قيمة الأفراد التابعين لهم ويعملون ألف حساب لحياتهم ونجاتهم ويضعون لذلك حسابا وخططا تؤدي لنجاح أكثر عملياتهم إجراما وكسبا شخصيا ولكن أكثرها نجاحا في حفظ حياة وسلامة دماء أفرادهم وعودتهم سالمين ..

 

وبقطع النظر عن طبيعة المعركة وصواب المبدأ وعدالة القضية التي عليها تقاتل من عدمها فان قادة الجيوش مهما كانت وجهة حروبهم خاطئة وبلا قضية فهم بكل مستوياتهم يلتزمون مبدأ وخطة انتزاع النصر وتحاشي الخسارة في جيوشهم مهما كانت أهمية المعركة والنصر فيفكرون مليا ويتصفون ما أمكن بتوفير أرواح ودماء جندهم المنقادين لأوامرهم ..

 

من جهة ثانية فأن تكون صلبا في التمسك بعدالة قضيتك فهذا هو الأصل لكن ان تتعامل مع أفراد خصمك وخاصة جنده العاديين كانسان فهذا هو الأصل والمحدد لانسانيتك وعدالة قضيتك ..بحيث أن القائد الذي يقود حربا عادلة لا يضع أمامه خطة كم قتل من خصومه بقدر ما يعمل ويعصر فكره في كيف يحقق الهدف من المعركة ويظفر بالنصر مع اشد الحرص في تحاشي القتل لأن الهدف انتزاع النصر وعامة الجنود في صف الخصم قوة محتمل الاستفادة منها بأن قد تتأثر بسلوكك تجاهها وتنضم او أنها تبدأ تفكر بمغادرة الموقع الخطأ في الحرب وهذا المنطق او القاعدة ليس من عندي بل صادر من القائد والمفكر ماو تسي تونج وكان لا يزال لديه ثمانمئة جندي بثلاث مئة جندي في أعالي الجبال البعيدة أمام جيش قوامه أربعة ملايين جندي وضابط معززين بالدبابات والطيران والمدفعية ..لكن قيم المقاتل وعدالة القضية هي من تنتصر بالإرادة الصلبة والتمسك بالنصر في نهاية المطاف وليست عدة وعدد الجيوش ..وبالفعل انتصر صاحب نظرية حرب العصابات في العصر الحديث بعد حرب ثلاثين سنة وأوصل الصين إلى ماهي عليه اليوم ..

 

على قاعدة: من كذب عليك ثلاثا فلا تصدقه في الرابعة … وعلى هذه القاعدة تعاملت مع الخبر العاجل على شاشة الحدث والعربية وأخواتهما وبناتهما أيضا عن السيطرة على كيلو 16 في الحديدة ولو كان عندي داعي تصديق نسبته واحد في الألف لهممت من ساعتي ولاتصلت باي من أصدقائي الساكنين في الكيلو 16 على الأقل كما فعلت في المرات السابقة مستسفرا عن حقيقة السيطرة على المطار قبل ان نهم بالتوجه إلى الحديدة مباشرة للتحقق من خبر السيطرة على المطار كما صار معنا في المرات السابقة في رمضان الماضي عند إطلاق فيديو السيطرة على مطار وميناء الحديدة ومنطقة الدوار وغيرها من عشرات الفيديوهات التي لم تصمد الصورة الواحدة منها ليوم واحد من عشرات المقاطع …

 

لم اعثر في علمي ومعلوماتي المقروءة والمرئية طوال متابعتي وفي ما قرأت وسمعت على طول الحروب التي قرات فيها وعنها كهذه الظاهرة الإعلامية المولعة بتكرار الفوز بإنجاز عسكري لا يحظى أصحابه بنشوة النصر ولو لدقائق ..بل لدقائق فقط تكفي الكاميرا أن تلتقط مقاطع على مهل يبدو فيه المتصورون أنهم فعلا تمكنوا من السيطرة بقطع النظر عن ضمان الصمود وكم يوم قد يحتفظون بهذا الموقع …

 

فور مشاهدتي لقناة الحدث قبل يومين وهي تنقل مشاهد تقول عنها أنها مشاهد السيطرة الكاملة على الكيلو 16 كنت أشاهد مقاطع الفيديو المسلوقة على عجلة أصحابها البادية للعيان في الصورة وآلاتهم ومدرعاتهم وأطقمهم تتحرك بسرعة المنسحب ولا تبدو من تلك العجلة أن هذه المجاميع والكتل الآدمية هي التي حطت لتوها في مربع الكيلو 16 ..!!

 

لم تراودني الشكوك مطلقا في ان المشاهد المتحركة بالفعل هي تماما في نفس المكان .. لكن عجلة المصور والكاميرا قالت لي: ان المشهد لا يعدو ان يكون تكرارا لذات المشاهد التي تكررت عن صورة مماثلة قالت وكررت أنها سيطرت على المطار والدوار ….

 

ليست أكاذيب السيطرة على المطار في شهر رمضان الماضي وتبيان الوقائع التالية والفورية بعدمها في الواقع وإنما سرعة انكشافها خلال يومين من مشاهداتنا الحية والمباشرة بانتقالنا إلى موقع الحدث مرارا هو ما جعلني اصدق حدسي بكونها لحظة تسجيل فيديو فقط وآمنت بكذبها هذه المرة من ساعتي واتخذت قراري بأنني لن اذهب هذه المرة إلى كيلو 16 لأتحقق من صدق السيطرة الكاذبة او المصورة فحسب ..

 

في الليلة نفسها والليلة التالية نفت و كذبت الخبر نفس القنوات التي بثت الصورة باخبر قيام طيرانها بغارات استهدفت نقطة الكيلو 16 ..!!!

فخبر قيام الطيران المعادي بقصف المربع الذي تمت السيطرة عليه يعفيني ويعفي اي متابع عاقل ولا أقول لبيب ليكتشف ان السيطرة التي تحدثوا عنها هي سيطرة لم تتعد زمن تصوير المقطع..بعدها فسيغادر قادة الخيانة تاركين جندهم كباش فداء لقادة بيع الوهم وشراء فيديوهات النصر بدماء جنودهم المسترخصة ….

وهنا عدت ثانية بالنظر إلى هؤلاء الجنود المساكين الذين يلقون بهم إلى فخ الهلاك المحقق دون اي هدف ميداني حقيقي يتقدم او وفق خطة سيطرة جادة ومحكمة فما ان تنتهي الكاميرا من التصوير يلوذ المصورون سريعا .. وسريعا يقع عشرات الجنود في فخ نصبته قيادتهم وقدمتهم فريسة سهلة للخصم قتلا وأسرا ..

لا احتاج إلى أدنى معرفة او علم عسكري لان أفكر في محيط الكيلو 16 وهو مكشوف ويضع المجاميع المستقدمة للتو في فخها وحتفها المحتوم كيف لا وهي الآن مكشوفة من كل الاتجاهات أمام الاخر وفي متناول البندقية العادية قبل المتوسطة ليضع هؤلاء الجنود المسترخصون من قادتهم المتاجرين بثمن قطره في قيمة مقطع الفيديو الذي سيباع حالا لقنواتهم المخصصة ..

 

قبل يومين أيضا قرأت لأحد الأصدقاء في تعز تلقيتها كرسالة ع الخاص في طريقها للنشر وقد وجدت طريقها إلى تلك القيادة المزعومة في فنادق الرياض وأبوظبي وهي تنضح بالمرارة والوجع بما يكشف مصير الضحايا والقتلى والجرحى الذين يتم استغلال وضعهم المعيشي بإغراء لا يتعدى في أعلى الجائزة الفوز بضمهم إلى قائمة الجنود والمجندين وجاء في الرسالة :
( الـريال الـسعودي يقتل أبناء تـعـز في جبهات الـحـدود ..
في ظل صمت السلطات الرسمية في تـعـز ..!!
لابد من إيقاف سماسرة جبهة البقع عند حدهم
مستشفى ظهران الجنوب مليانه مصابين وقتلى غير معلومين الهوية كلهم يمنيون ،،،
القتلى يتم دفنهم حسب الأولوية وبدون علم أهلهم ،،،
أتحدى لجنة رئاسية او فريقا إعلاميا أو حقوقيا ينزل للمستشفى ،،،
أوقفوا_محارق_البقع
عدة حافلات مليان شباب تنطلق يوميا من التربة باتجاه مأرب والوديعة ومنها للجبهات البقع رازح حيران حرض
استنزاف لشباب تعز مستغلين البطالة والوضع الاقتصادي ،،،
أوقفوا_محارق_البقع …)
أصارحكم القول ان عينيّ اغرورقتا بالدموع وقد احتشد أمامي وفي مخيلتي واقع استرخاص الجنود في المعركة إلى الدرجة التي يبدو فيها هؤلاء مجرد كباش ليس بهدف سيطرة ممكنة بل للفوز بمقطع فيديو ينالون ويظفرون فيه بما تيسر من مكافأة سريعة ليس إلا ..
صحيح أننا نتألم لفقدان البشر في مجمل الحروب و في المعارك نعم .. لكن الألم والحزن له وقع آخر حين يكون الجندي مجرد أضحية وشيئا من فيديو السيطرة في ضمير قائده وقادته ..!!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبدالجبار الحاج

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا