المشهد اليمني الأول |
تخطط السلطات السعودية للسيطرة على نقطة استراتيجية في بحر العرب، عبر إنشاء ميناء وأنبوب نفطي، في محاولة منها لضمان تأمين خطوط نفط بديلة للخليج الفارسي، ومواجهة النفوذ الإماراتي بهذه المنطقة.
وشرعت السلطات السعودية في إنشاء أنبوب نفطي بديل من حدودها، يمر عبر مدينة المهرة (شرقي اليمن)، وصولاً إلى بحر العرب.
وتنتشر قوات سعودية على امتداد الشريط الساحلي للمهرة، تمهيداً لمد أنبوب النفط السعودي، من منطقة الخرخير المحاذية للحدود اليمنية، إلى ميناء نشطون في المهرة، حسب مصادر تحدث إلى صحيفة “العربي الجديد”.
وأضافت المصادر أن السعودية استحدثت أكثر من 20 موقعاً على المديريات الساحلية التابعة لمحافظة المهرة، وعملت على منع المواطنين من الاقتراب منها بحجة أنها مواقع عسكرية، لكن رجال القبائل والمواطنين اليمنيين تصادموا مع تلك القوات، وأوقفوا بعض الإنشاءات في تلك المناطق.
تأتي هذه التحركات، لتكشف رغبة سعودية في وضع احتياطات فعلية، للتهديدات بإغلاق مضيق هرمز، وإيقاف تصدير النفط الخليجي.
وكشف الناشط في المدينة “رائد محمد”، وهو أحد المراقبين لعمليات التجهيزات التي تقوم بها السلطات السعودية، أن أغلب التجهيزات لمد الأنبوب لا تزال قيد الإنشاء، ولم تبدأ بشكل واضح.
ولفت إلى أن ضباط سعوديين يحاولون إقناع الأهالي وشراء ولاءات رجال القبائل الرافضين لوجود القوات السعودية في المدينة، وقيامها بأي أنشطة مشبوهة.
وتابع “محمد”، أن هذه المرحلة الأولى التي تتبعها السعودية من خلال محاولة تغيير مسؤولي السلطات المحلية بأشخاص موالين لها، وكذلك كسب المواطنين بإقامة بعض المشاريع الخدمية حتى تتمكن من عقد اتفاق نهائي لتنفيذ مشاريعها وإحكام سيطرتها الكاملة على المدينة.
ميناء نفطي
ولا يعد مشروع الأنبوب، وحده الذي يثير مطامع السعودية في الأراضي اليمنية، ولكنها تستعد لتنفيذ ميناء نفطي أيضاً، حيث بدأت شركات سعودية بالنزول إلى العديد من المواقع والقيام بعمليات مسح ميداني لجمع البيانات الخاصة بالمشروع.
وأظهرت وثيقة رسمية تداولتها وسائل إعلام يمنية خلال الأيام الماضية، رسالة من شركة “هوتا” للأعمال البحرية، إلى السفير السعودي لدى اليمن “محمَّد بن سعيد آل جابر”، تعبر عن شكرها له على ثقته بالشركة، الذي منحها إعداد “عرض فني ومالي لتصميم وتنفيذ ميناء لتصدير النفط في محافظة المهرة اليمنية”.
وقالت مصادر رسمية في السلطات المحلية للمحافظة، إن القوات السعودية مثلما عملت على استحداث مواقع عسكرية من أجل مد أنبوبها النفطي في البر، ذهبت أيضاً لتحديد مساحات كبيرة من مياه البحر في محافظة المهرة ومنعت الصيادين من الاقتراب منها وأبلغتهم أن تلك المواقع عسكرية محظورة.
ووفقا لمصادر يمنية وتقارير إعلامية، فإن السعودية تنوي استخدام أنابيب نفط عراقية كانت تمر في أراضيها، واستولت عليها سابقاً من أجل الإسراع في بدء ضخ النفط إلى الميناء النفطي الذي ستقوم بإنشائه في المهرة، حيث تتسع تلك الأنابيب لنقل 1.6 مليون برميل نفط يومياً.
مواجهة نفوذ ابوظبي
من جانبه، قال الباحث الاقتصادي اليمني “عبدالواحد العوبلي”، إن السعودية تسعى من خلال هذا المخطط إلى ضمان خط إضافي لتصدير النفط.
وأضاف: “كما يبدو أن السعودية تفكر بمنافسة النفوذ الإماراتي تحسباً لأي خلاف مستقبلي من أجل الحصول على منفذ على بحر العرب”.
وتابع الباحث والمحلل اليمني “ياسين التميمي”، أن المحفزات الاقتصادية التي تأتي من المميزات الاستثنائية للمهرة كمحافظة حدودية تضم منافذ برية تجارية نشطة وذات عوائد كبيرة هي التي سرعت في التحركات السعودية وفتحت شهيتها من أجل الهيمنة على المحافظة ومصادرة الصلاحيات السيادية للدولة اليمنية ومعها الأدوار التنفيذية لسلطتها المحلية.
واستطرد: “السعوديون، لا شك، يسعون إلى تحقيق طموحات جيوسياسية تنتهي بفرض السيطرة على المحافظة، لكنهم ابتداءً حرصوا على التحكم بالمورد الاقتصادي للمدينة وكل ما يمكنه أن يقوي موقف أبناء المحافظة ويعزز قدرتهم على مواجهة أطماع الرياض وشريكتها في التحالف أبوظبي”.
وقبل يومين، وضع “آل جابر”، حجر الأساس لثمانية مشروعات جديدة في محافظة المهرة اليمنية، بإشراف وتمويل السعودية، في إطار مشاريع البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن.
وتشهد المحافظة، منذ أبريل/نيسان الماضي، اعتصامات سلميّة للمطالبة بخروج القوات السعودية والإماراتية من المهرة، وتسليم منفذي شحن وصيرفت، وميناء نشطون، ومطار الغيضة الدولي للقوات المحلية.
وتصاعد الرفض الشعبي للوجود السعودي في يوليو/تموز الماضي، عندما شهدت المدينة التي توصف بأنها “بوابة اليمن الشرقية”، حراكا شعبيا رافضا لسياسات الرياض وهيمنتها على منفذي شحن وصرفيت وميناء نشطون ومطار الغيضة الدولي وإغلاقها.
ويقع في المهرة منفذان بريان على الحدود مع سلطنة عُمان، وتمتلك أطول شريط ساحلي في اليمن يقدر بـ560 كلم على بحر العرب، إلى جانب ميناء نشطون.
ودخلت قوات سعودية إلى محافظة المهرة، نهاية 2017، ومنعت منذ ذلك الحين حركة الملاحة والصيد في ميناء نشطون، كما حوّلت مطار الغيضة الدولي إلى ثكنة عسكرية، ومنعت الرحلات المدنية من الوصول إليه.
ويعتبر أهالي محافظة المهرة وجود القوات السعودية داخل حدودها بالاحتلال ويطالبون منذ أبريل الماضي، بخروجها، وينفذون منذ ذلك الوقت اعتصامات سلميّة للمطالبة أيضاً بتسليم منفذي شحن وصيرفت، وميناء نشطون، ومطار الغيضة الدولي، للقوات المحلية، والحفاظ على السيادة الوطنية.
مظاهرات توقف إنشاء مواقع سعودية بالمهرة
وقد تظاهر عدد كبير من سكان مديرية سيحوت، بمحافظة المهرة جنوب شرقي اليمن، يوم ٢٤ أغسطس ٢٠١٨ بسبب اعتراضهم على إنشاء السعودية لـ 4 مواقع عسكرية متفرّقة داخل المحافظة.
وبحسب تقارير إعلامية، فإن هذه الخطوة جاءت بعد أسبوعين من رفض مشايخ وأعيان المديرية إقامة هذه المواقع العسكرية التي سمحت السلطة المحلية بإقامتها.
بدورها قالت مصادر يمنية من محافظة المهرة رفضت الكشف عن اسمها: إن “مفاوضات تجري بين أهالي مديرية سيحوت والسلطة المحلية المقرّبة من القوات السعودية، لكن لم يتم التوصّل إلى اتّفاق حتى الآن”.
وفي السياق، أكد عضو اللجنة الإعلامية لاعتصام المهرة، علي مبارك بن محامد، وجود أعمال إنشائية مكثّفة تشهدها المحافظة، وحفريات قرب منازل المدنيين، مشيراً إلى أنه قد تم الطلب من المقاولين وقف تلك الأعمال حتى التواصل مع السلطات المحلية.