المشهد اليمني الأول/

 

عودة هادي مَــرّة أخرى إلى المملكة العربية السعودية تبدو اعتيادية، خصوصاً أنّها ليست المرة الأولى التي يعود أدراجه إلى هناك، وهي عودة تكررت كثيراً خلال السنوات الثلاث الماضية، لكن أن يقضي رئيس الدولة أيام عيد الأضحى المبارك خارج البلاد في ظروف لم يستجد فيها أي جديد يستدعي سفره، والحرب تراوح مكانها، فهذا ما يبعث على الغرابة ويفرض كثيراً من علامات الإستفهام، في وقت تصاعدت فيه الأخبار عن أن الرياض استدعت هادي، كان في زيارة إلى القاهرة، لتعيده ثانية إلى وضع الإقامة بقصر الناصرية لدواعٍ أمنية، بحسب ما قالت سابقاً.

 

هذه الأخبار قد لا تكون دقيقة، وقد يعود هادي خلال أيام الى عدن، ولكن الشيء المؤكد أن الرجل اتجه إلى الرياض بخلاف رغبته وقناعته بعد استدراجه إلى القاهرة، وربما يتملكه التوجس من أن يعود ثانية إلى إقامته الجبرية غير المعلنة، بعد ما أفلتَ منها على اثر التفاهمات التي تمت بين حكومته والطرف الإماراتي برعاية سعودية، قُــبيل العملية العسكرية المتعسرة التي قادتها الإمارات لاقتحام مدينة الحديدة…

 

وبعيداً عن الافتراض بأن الرجُــل قد أجبرب على العودة إلى مقر إقامته السابقة بقصر الناصرية الوثير، وبصرف النظر عمّـا يدور في الكواليس، فثمّــة أمرين -على الأقل- من المرجح أن يُــطرحا أمامه من قِــبلِ «التحالف» ممثلاً بالسعودية والإمارات.

 

الأمر الأول، ويتمثل بـالمفاوضات المزمع إجراءها مطلع سبتمبر المقبل في جنيف، وهي التي اقتصرت على الطرفين الرئيسيين بالحرب «سلطة هادي» وحركة «أنصار الله»- بخلاف ما كان متوقعا أن تُدعىَ إليها أطراف أخرى كـ«المجلس الانتقالي الجنوبي»- حيث من المؤكد أن «التحالف» سيفرض وجهة نظره بقوة بهذه المفاوضات بلسان «الشرعية»، سيما وأن السعودية قد أسـدَتْ لهادي وسلطته خدمة جليلة لتمرير مشروعها السياسي، وهي التي تتصلب بفرضه على الجميع وعلى الجنوب بالذات (مشروع دولة اليمن الاتحادي بأقاليمه الستة)، حين استضافت قبل أيام في عاصمتها الرياض مؤتمراً للأمانة العامة لـ«مجلس التعاون الخليجي»، كُــرِّس للتأكيد على التمسك بما بات يُـعرف بالمرجعيات الثلاث لحل الأزمة اليمنية، والتي من بينها «مخرجات حوار صنعاء» الذي أقر مشروع دولة الأقاليم الستة، الذي يرفضه الجنوبيون بشدة.

 

الأمر الثاني، وهو عودة موضوع محافظة المهرة للتأزم مرة أخرى بين قوى داخل «الشرعية» وبالذات حزب «الاصلاح» (إخوان اليمن)، وبين «التحالف» والإمارات بالذات كما حدث في السابق، ولكن هذه المرة دخلت السعودية بقوة على الخط واُزيح الطرف الإماراتي بعيداً بعض الشيء إلى الهامش. 

 

فبعد نجاح «الشرعية» و«التحالف» قبل أسابيع في نزع فتيل الأزمة، مؤقتاً، عادت لتطل برأسها من جديد بالمحافظة، على شكل إجراءات وقرارات مثيرة للجدل، كـالقرار الذي اتخذه المحافظ راجح باكريت، الذي كان مقرباً من «الإصلاح» قبل أن يدير ظهره للحزب مؤخراً ويتقرب من «التحالف»، برفع الرسوم الجمركية على البضائع الآتية من سلطنة عمان، عبر منفذي المحافظة صرفيت و شحن، بنسبة 100 في المائة.

 

هذا القرار أدى إلى تراجع النشاط التجاري في المحافظة، بعدما أحجمتْ مئات الشاحنات من الدخول إليها وبقيت على الجانب العماني، فانعكس ذلك سلباً على العرض في الأسواق، و هو ما ساهم في رفع الأسعار، دافعاً إلى السطح نذُر عودة التوتر في المحافظة، بين لجنة متابعة تنفيذ مطالب المعتصمين والسلطة المحلية، حيث وجهت الأولى اتهامات للثانية بتعمد عرقلة الاتفاق الذي تم التوصل إليه قبل أسابيع، والذي نص على جملة من البنود منها عدم عرقلة نشاط منافذ المحافظة وميناءها، وسحب القوات العسكرية من مرافق المدنية.

 

القرار الذي اتخذه باكريت، فوق ما يحمله من بُـعد سياسي واضح يصب بدرجة أساسية في مصلحة «التحالف»، كان البُــعد الاقتصادي فيه حاضراً بقوة، فهو ينطوي على توجيه رسالة ضغط بوجه سلطنة عمان التي يرى فيها «التحالف» والسعودية بالذات، خارجة عن السرب الخليجي، كما يستهدف تقليص الحركة من هذه المنافذ بعد أن أثّـرَ نشاطها الملحوظ والتسهيلات العمانية سلباً على نشاط الحركة التجارية لمنفذ الوديعة السعودي، وأضر بعوائده الجمركية والضريبية. كما تأتي هذه التطورات والتوترات في وقت تسربت فيه أخبار عن اقتراب السعودية من إنشاء ميناء بالمحافظة لتصدير النفط عبر شركة «هوتا للأعمال البحرية»، بحسب رسالة منسوبة للمدير التنفيذي للشركة يشكر فيها ثقة السفير السعودي باليمن بالشركة؛ وبالتالي فإن كل هذه التطورات مجتمعه جعلتْ «التحالف» يستدعي هادي إلى الرياض للتشاور بشأنها، أو بالأحرى لإعطائه التوجيهات اللازمة بتنفيذها حرفياً.

(صلاح السقلدي )

مصدرالعربي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا