المشهد اليمني الأول/
لم يكن متوقعاً للدعوة الأممية – الدولية إلى فتح تحقيق في المجزرة التي ارتكبها تحالف العدوان السعودي الخميس الماضي في محافظة صعدة أن تسلك سبيلها إلى التنفيذ في ظل إحجام الجهات المعنية عن المبادرة أو حتى المطالبة بإرسال محققين مستقلين يمكن أن يخرجوا بخلاف ما اعتادت «اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان» المُموّلة والمدارة سعودياً النطق به.
إزاء ذلك لم يجد أهالي الضحايا بداً من دفن أطفالهم القتلى الذين ارتفع عددهم إلى 52 عقب وفاة طفل متأثراً بجروحه بعدما حاولت صنعاء فسح المجال أمام احتمالية بدء تحقيق جاد هذه المرة. لكن الدعوة ظلت دعوة مُشجِّعةً السعودية على مزيد من «الصلف» في تحميل الضحية مسؤولية مقتله فيما وجدت الإمارات الفرصة سانحة لتلميع صورتها مقارنةً بـ«شقيقتها».
وشيّعت حشود غفيرة يوم الإثنين في محافظة صعدة جثامين الأطفال الذين قضوا في غارة جوية استهدفت حافلة كانت تُقلّهم من دورة صيفية في مدينة ضحيان. ورفع المُشيِّعون الذين قَدِموا من مختلف مديريات صعدة والعاصمة صنعاء ومحافظات أخرى شعارات تتوعّد بالاقتصاص للشهداء وتؤكّد أن مذبحة ضحيان لن تفتّ في عضد اليمنيين. وألقى رئيس «اللجنة الثورية العليا» محمد علي الحوثي في المحتشدين كلمة حمّل فيها الولايات المتحدة المسؤولية عن المجزرة قائلاً إن «جريمة استهداف الأطفال في ضحيان هي جريمة أمريكا وحلفائها في العدوان».
شراكة تعزّزت مع الدعوة الباهتة المُوجّهة إلى تحالف العدوان والحكومة الموالية للرياض للتحقيق في المجزرة والتي رأت فيها المديرة المساعدة لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» أكشايا كومار «فرصة للسعوديين لإجراء تحقيق حول أنفسهم ستكون نتيجته مثيرة للسخرية».
هذا التقدير ظهرت بوادره مبكراً مع الساعات الأولى التي أعقبت مذبحة ضحيان حيث سارعت السعودية إلى توصيف ما جرى للأطفال على أنه «أضرار جانبية» نتجت من استهداف «المخطّطين والمشغّلين لإطلاق الصواريخ». وهو ما عاد وكرّره يوم الأحد المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي في رسالة «عاجلة» إلى مجلس الأمن جدّد فيها وصف مجزرة صعدة بأنها «عمل عسكري مشروع» منتقِداً ما سمّاه «تقاعس مجلس الأمن في مواجهة الانتهاكات الحوثية الصارخة لقراراته».
وتُعدّ رسالة المعلمي جزءاً من خطة الدفاع السعودية المضادّة والتي تقوم على محاولة صرف الأنظار إلى ملعب صنعاء من طريق اجترار الاتهامات المعروفة بحق صنعاء وإحالة «الحادثة» على «اللجنة الوطنية للتحقيق» التي لا شيء يدفع إلى «الثقة بتحقيق ستجريه» بدءاً من ضعف «خبرة السعودية على هذا الصعيد» مروراً بـ«افتقار المملكة إلى الشفافية» وصولاً إلى «ممارساتها على صعيد حقوق الإنسان» وفق ما يؤكد خبراء دوليون.
في خضمّ ذلك يظهر أن الإمارات تجد الظرف مناسباً لترميم صورتها على المستوى العالمي وتعزيز ما تعتقد أنها «أحقيتها» بالوكالة الأميركية بوصفها الطرف «الأقدر» من «شقيقتها» السعودية على التعامل مع «المجتمع الدولي». في هذا الإطار بدا لافتاً تأخر التعليق الإماراتي على مجزرة ضحيان حتى يوم أمس وظهوره بعد قرابة أربعة أيام من وقوع الجريمة على شكل اعتراف بفداحة ما حدث لكن من بوابة التبرير.
إذ قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في مؤتمر صحافي في دبي إن «هذه الحرب كانت ولا تزال حرباً بشعة» مضيفاً: «للأسف هذا جزء من أي مواجهة» متابعاً بأن «الحرب لا يمكن أن تكون عملية نظيفة». وأشار قرقاش إلى «(أنني) أقبل انتقاد الائتلاف بسبب بعض الحالات الإنسانية مثل جميع الأطراف» في لهجة مُخفّفة – مقارنةً بالنبرة السعودية – تستهدف التشديد على ما تلحّ عليه الإمارات باستمرار من أنها «تفهم الرأس» الغربي وتقدر على مخاطبته.
هذه الرسالة تجلّت كذلك في الجولة التي نظمتها القيادة العسكرية الإماراتية في اليمن للصحافة الأجنبية على مدينتَي المكلا وعدن في جنوب البلاد جولة أرادت من ورائها أبو ظبي نفي الاتهامات التي التصقت بها أخيراً من إدارة سجون سرية إلى إبرام اتفاقات مع تنظيم «القاعدة» إلى تعطيل عمل المرافق الحيوية.
وقال الضابط الإماراتي مسلم الراشدي في ختام الجولة إن بلاده «ستواصل العمل حتى القضاء على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كتهديد إقليمي وعالمي». لكن في الوقت الذي كانت تحاول فيه الإمارات تلميع إدارتها لتلك البقعة من اليمن كان قائد الميليشيات السلفية التابعة لها هناك يفضح مجدداً ما قام به الإماراتيون من ممارسات عزّزت وجود المتشددين في تعز والجنوب.
إذ توعّد نائب رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي لأبو ظبي هاني بن بريك مقاتلي حزب «الإصلاح» (إخوان مسلمون) في تعز بـ«كتاف جديدة» في إشارة إلى المعركة التي شهدتها مديرية كتاف في محافظة صعدة قبل سنوات بين السلفيين و«أنصار الله». وقال بن بريك إنه «إذا لم تتحرك رئاسة الشرعية لإيقاف العبث الحزبي في تعز فستكون للأمر تبعات وخيمة وسيتحرك كل السلفيين الذين خرجوا إلى دماج لنصرة إخوتهم في تعز».
وجاءت تصريحات بن بريك تعليقاً على ما تشهده مدينة تعز من مواجهات عنيفة بين «كتائب أبو العباس» السلفية الموالية للإمارات وتشكيلات تابعة لـ«الإصلاح» أدت حتى الآن إلى تمكن الأخيرة من السيطرة على جزء لا يُستهان به من معاقل السلفيين وحصر الأخيرين ومعهم بقية حلفاء أبو ظبي (ميليشيات التنظيم الناصري والقوات المحسوبة على محافظ المحافظة) في مربع جغرافي لا يتعدى بضعة كيلومترات، وفق ما أفادت به بعض الأنباء.