المشهد اليمني الأول/
مليارات الدولارات ضختها السعودية والإمارات، وآلاف الضربات الجوية المفرطة في العشوائية والوحشية بحق المدنيين، قوة عسكرية هائلة من السلفيين وإلإخوان المسلمين والحرس القديم والنخب المناطقية، وصولاً إلى «داين جروب» الأمريكية.
ومع ذلك، لا يبدو «التحالف» الذي تقوده الرياض، قادر على حسم الحرب لصالحه، رغم مرور 3 أعوام و4 أشهر. وليس في وارد المملكة، ولا أبوظبي، «إعادة الشرعية»، مع إنشغال الأولى بتجنيد السلفيين والعاطلين عن العمل من جنوب ووسط اليمن، كحراس لحدودها الجنوبية، وتخصيص الثانية دعمها للمليشيات والفصائل المحلية المناهضة للرئيس هادي وحكومته. لم تعد هناك «عاصفة حزم» ولا «إعادة الأمل»، بل حرب مفتوحة ضد الشعب اليمني، وفوضى تعم المناطق «المحررة».
الرياض مرتبكة
في بداية الحرب على اليمن، تلاقت أهداف النظام السعودي وحزب «الإصلاح» (الإخوان المسلمين) في قتال «الحوثيين»، وفتحت المملكة خزائن مالها وسلاحها لتجنيد قواعد الحزب الذي تحالف تكتيكاً مع الرياض، بعد شهور من القطيعة، واتهامه لها بالتآمر على «الربيع العربي»، والضلوع في إسقاط الرئيس المصري السابق محمد مرسي. كدس الحزب المال والسلاح السعودي خلال شهور الحرب، حتى انسحاب قطر من «التحالف» في يوليو من العام 2017، حينها اختار «الإصلاح»، وإن بشكل غير معلن، الإصطفاف إلى جانب الدوحة معقل التحالف الدولي للإخوان المسلمين، ومن يومها صار الحزب عقبة في وجه السعودية والإمارات، وتخرج صحيفة «الرياض» بمقال في عددها الصادر يوم الخميس، في الـ 21 من يونيو عام 2018 يصف فيه حزب «الإصلاح» بـ «الكيان الخبيث»، ويقول إن «جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها الحزب، حركة وصولية إنتهازية تسعى إلى إستثمار انتصارات التحالف لصالحها».
لا انتصارات لـ«التحالف» في اليمن، بل هزيمة مؤكدة وفق المقاييس العسكرية، ولا تزال حركة «أنصار الله» تفرض سيطرتها على صنعاء ومعظم محافظات الشمال، في وقت تشهد جبهات الجوف ونهم وصرواح، ركوداً منذ ظهور نجل شقيق الرئيس السابق العميد طارق محمد عبدالله صالح في فبراير من العام الحالي 2018، مقاتلاً في صف الإمارات، وقائداً لجبهتها في الساحل الغربي، وهو ما اعتبره نائب الرئيس الموالي لحزب «الإصلاح»، اللواء علي محسن الأحمر، طعنة في ظهره، وهو الذي يرى في نفسه الوكيل الأول للسعودية، والوريث قبلياً للشيخ عبدالله الأحمر وسياسياً للرئيس السابق علي عبدالله صالح.
تعدد الحلفاء مع الخصومات فيما بينهم وإختلاف أهدافهم تسبب في فقدان «التحالف» بوصلة حربه في اليمن، وكشف مصدر في مكتب اللواء علي محسن، لـ«العربي»، أن «الملك سلمان بن عبدالعزيز، يعارض توجه نجله محمد المتوافق مع ولي عهد أبو ظبي على تهميش حزب الإصلاح، بل ويعارض سياسة الإمارات في اليمن، وأنه إستعاد زمام القرار السعودي منذ حادثة حي الخزامي في الرياض، في أبريل عام 2018، والتي أكد أن ورائها خلافاً بين الملك وولي العهد».
الإمارات تبحث عن مخرج
الإمارات الشريك الأبرز للسعودية في تحالف الحرب على اليمن، صارت هي الأخرى تواجه بوادر ثورة شعبية عارمة في الجنوب، بعد أن عمت الفوضى وتصدرت الإغتيالات وغابت الخدمات وتعطلت المنشئات الإقتصادية والحيوية، بسبب السياسة التدميرية لأبو ظبي في عدن والجنوب. وتوج كل ذلك، موقفها الملتبس إزاء مستقبل الجنوب، وتراجعها عن دعم خيارات أبناءه والذي ظهر جلياً في حديث رئيس «المجلس الإنتقالي» عيدروس الزبيدي، الأسبوع الماضي، لقناة أبوظبي الذي قال إن مجلسه لا يفكر بالإنفصال، ولكنه يطالب بحق تقرير المصير مع دعوته للرئيس هادي بفتح صفحة جديدة، وإدعاء تمثيل الجنوب ومهاجمته للحراك الجنوبي. حديث إعتبره مراقبون مسمار في نعش «المجلس الإنتقالي» الذي تراجعت شعبيته وتنصل عن كافة إلتزاماته ووعوده.
الرمال المتحركة تحت بساط الإمارات في الجنوب إلى جانب مزاحمة السعودية لها في سقطرى والمهرة وحضرموت، دفعت أبوظبي للهروب إلى الأمام والإستماته في تحقيق نصر في الساحل الغربي لليمن، وبحسب تقرير حديث لصحيفة «المونيتور» الأمريكية، فإن «القيادة الإماراتية ترى في السيطرة على مدينة الحديدة وميناءها سلماً للنزول من الشجرة، وسحب جميع قواتها من اليمن في أسرع وقت ممكن، تقليصاً للخسائر وتجاوباً مع ضغوط داخلية زاد تذمرها من طول أمد الحرب من دون مؤشرات للغلبة بالقوة أو مخرج سلمي».
حسابات مختلفة
مع طول أمد الحرب في اليمن، تعاظمت التعقيدات وتحطمت الروابط الضعيفة بين رفقاء الحرب، وتحولت الولاءات بين الجماعات بعد أن توافقت سابقاً حول الخصومة المشتركة ضد «أنصار الله»، مع إختلاف مصالحها وأهدافها.
وما تشهده مدينة تعز من صراع دموي بين «كتائب أبي العباس» السلفية، والموالية للإمارات والألوية العسكرية التابعة لحزب «الإصلاح»، يكشف بجلاء، مأزق «التحالف» في اليمن. لقد صار حلفاء الإمارات في تعز «الكتائب، التنظيم الناصري، محافظ المحافظة»، محشورين في مربع جغرافي لا يتعدى بضعة كيلومترات، تتقلص يوماً بعد آخر مساحته بفعل الهجمات عليه من قبل ألوية وقواعد حزب «الإصلاح» الرافضة لسياسة الإمارات في اليمن، والمرتبطة بالنظامين القطري والتركي، اللذان تمكنا وعبر «الإصلاح» من مبادلة أبوظبي الضربات تحت الحزام، وتحت مظلة الرئيس هادي و«الجيش الوطني»، لتتحول تعز إلى مسرح حرب بالوكالة.
قراءة تحليلة للمركز اليمني «أبعاد للدراسات والبحوث»، أكدت أن «عاصفة الحزم دخلت عامها الرابع في وقت يبدو التحالف منقسم فعلياً حول الهدف الرئيس الذي قامت من أجله»، مضيفة أن «هناك اعتقاد سائد لدى السعودية والامارات في أن دعم تجزئة اليمن يسّهل التحكم به مستقبلاً، بينما هناك بعض أطراف مجلس التعاون الخليجي، ترى في إطالة الحرب في اليمن، استراتيجية مثالية لاستنزاف الإمارات والسعودية».
الكاتب والباحث محمد عبدالوهاب الشيباني، قال في حديث إلى «العربي»، إن «قوات التحالف تخوض أعمالها العسكرية في اليمن، من دون عقل ناظم أو استراتيجية لاستعادة الدولة»، مضيفاً أن «إضعاف الأطراف كلها من الشرعية إلى الحوثيين والاصلاح والحراك وتعطيل السياسة ووأد التجربة الحزبية، صار في حكم المتحقق على الأرض، لأن في ذلك هدف تريده السعودية، حتى تستطيع بناء تحالفاتها على قاعدة توازن الضعف في البلد الركام، التي لم يعد لأهلها غير الجبال العارية، يسقون أحجارها وضياحها بدمائهم، التي يسترخصها رعاة الحرب وتجارها. أما مجالها الحيوي من ممرات وموانئ وجزر وخلجان ومناطق ثرواتها في مأرب وشبوة وحضرموت وقرارها السيادي، فقد صار كله مرهوناً بفاتورة أكلاف الحرب الباهظة، التي سندفعها كيمنيين جيلا بعد جيل».
تقرير – فايز الأشول