المشهد اليمني الأول/
بالقانون الدولي قتل أكثر من عشرة مدنيين دفعة واحدة يعتبر جريمة حرب تستوجب التحقيق وتقديم المجرمين للمحاكمة والقصاص العادل؛ لكن ماذا لو أصبح أولئك المدنيين أطفالاً وبعمر ما قبل الزهور، وأولئك العشرة مائة طفل دفعة واحدة، ماذا لو كان المجرم مسيطراً على الحرمين الشرفين وكانت تلك الجريمة متقنعة بالإسلام، وكان الأطفال من حفظة كتاب الله القرآن الكريم، وكانت الجريمة في الأشهر الحرام، أشهر خطبة الوداع لرسول الرحمة للعالمين “دمائكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم فاشهد”، هل نقول عنها جريمة العصر والزمان أم جريمة القرن، أم جريمة قرن الشيطان على يمن الإيمان وحَفَظَة القرآن أم كل ما سبق.
براعم يمنية أصيلة يفوح منها قبل التفتح عبيرُ الحق، أريجُ الهُدى المُنير، براعم عانَقتها قطرات الندى أخيراً برحلة ترفيهية جماعية طال إنتظارها بعد نجاحهم في دورة صيفية لحفظ القرآن الكريم في مدينة ضحيان الشموخ في صعدة الإباء، وفي عشية اليوم المشهود ركض الطفل الحصيف “أحمد” صاحب الإثنى عشر ربيعاً لحضن والده “عبدالحكيم عامر” يتلوا له ما حفظه من أجزاء القرآن الكريم “ثلاثة وعشرين” جزء بالكمال والتمام وآخرها سورة “الزمر”، وبها نال صغيرنا “أبو الحمد” الإستحسان والموافقة على الرحلة مع مصروف “500” ريال إقترضها الوالد لطفله الحافظ القنوع، يوسف هو الآخر ذهب لأبيه يبشره بالرحلة وعيناه تتلألأ شوقاً لها “يا باه سارحين نزاور الإمام الهادي.. يا باه هب لنا 500 ريال”، وكذلك زكريا ويحيى ويونس وإبراهيم وطه كلٌ كان من الصالحين الفارحين، لم يناموا عشيتها عينٌ على الساعة والأخرى على حقائبهم، يتحينوا ساعة إلتقاطها والإنطلاق لليوم المنظور، واذكر هناك من مائة بيت متواضع غير مدفوع الإيجار لعسر الحال، كان تأهُّب وليد وحميد مختار ورقيب حمد ومعتصم وكمال كلٌ كان من الحافظين الساهرين، وبمصاريف تفاوتت بين المائة والمائتي ريال إستلفوها من الجيران، أم محمد وأم عز الدين وأمهات حسن وفيصل والعَبْدَين الرحمن والحكيم جهزنَ ملابس أطفالهن الجديدة وضعوا الكعك “ذمول” وعلبة العصير في حقائب أطفالهن، لعل قلب الأم يطمئن على فلذة كبدها بضع ساعات، لا أريد لأبني أن العطش وأخاف أن يجوع، يسأل الطفلان علي ورفيق ما للدقائق تأبى السروع، ساعة ساعتين أكثر، جاء وقت الفجر سجودٌ لله وركوع، رباه، أخيراً إنها شمسُ السطوع، تسللت فيه أشعة الشمس بخجل لترسم مع زخات المطر قوس قزح كبير في قلوب مائة طفل صغير، يكسر روتين الحياة المكسورة بعدوان لا يعرف غير رسم الأنين، ويعيد لطفولتهم المسلوبة قليلاً من البراءة والحنين، إلتقطوا حقائبهم وركضاً إلى الباص تكدست باقات الرياحين، ومن تأخر قليلاً سيقف على قدميه النحيلتين طوال الرحلة بكل بهجة وسرور، باص الفل والياسمين مغلفاً بدعوات الوالدين، أمجد كأنك الورد والساقي، حُسين أيها العبد العظيم، إمرح يا ضياء الكون الظليم، يا ضحكات الصباح بعين الضرير الحليم.
تبدأ عجلات الحافلة بالدوران آذنة بالإنطلاق، وقلوب الأطفال تربط الأحزمة وتقلع بالبهجة والسرور، وتُعتَمد الإبتسامة لغةً رسمية للجميع، لكن، ما لكن؟، كيف، ما كيف؟، لماذا، ماذا هي الأخرى؟، جواسيس الأرض والسماء تَرصد وتترصد موكب براعم أطفال اليمن الحافظين في قلوبهم الصغيرة “23” جزء من شفرات الصواريخ البالستية، الحافظين في ذاكرتهم “46” حزب من ملفات برنامج الطيران المُسير، الحافظين في أفئدتهم “39” سورة من سور القرآن الكريم الناطقة والفاضحة لأعداء الإنسانية اليهود ونصارى الغرب المتوحش ومن يتولَّهم من المسلمين العرب والعجم الموالين لأمريكا وإسرائيل؛ وشرعية الخيانة تختم بالموافقة لاحقاً، وطائرات الموت الأمريكية وطيارها الصهيوني يراقب الهدف، الذي يتوقف في أحد أسواق مدينة ضحيان، وخلال ثوان فقط تحولت إبتسامات الفرح إلى دماء مراقة وأشلاء متناثرة في كل الإتجاهات، ويسقط أكثر من “150” بين شهيد وجريح ومفقود منهم “40” طفل شهيد، و”51″ طفل جريح، وهناك أطفال مفقودين وفي عداد شهداء الأشلاء مجهولة الهوية، إضافةً لشهداء وجرحى السوق الشعبي، “أحمد” ما زالت والدتك تبكي فقدانك وتشكي الرب القدير، أبيك يبحث عن شيء بين الأكوام إليك يشير، أشتم ريحك يا “يوسف” هذا قميصك كَذِبَ القتلة لستَ سوى طفلي الصغير، زكريا يحيى أين أنت أمي وأبي قلبي المنير.
إبتسامات الأطفال شقت طريقها للسماوات، ضحكات كانت على الأرض مذُّ لحظات وتحولت لأشلاء متناثرة تُرجمت سريعاً إلى حزن الأهالي والشعب والأمة واهتزاز للضمير الإنساني، وصلف وصفاقة للقتلة، وفجور وعهر سافر للمرجفات والمرجفين، في واحدة من أشنع جرائم القرن لقاتل الأطفال المتوحش السعودي المتصهين وحلفائه.
الحافظين للقرآن الكريم شهداء وجرحى ودفعة واحدة، براعم يمنية أصيلة بأخلاق القرآن الكريم لم تتفتح بعد في وجه أعداء الإنسانية “فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر” فكانت الجريمة مع سبق الإصرار والترصد.
قتلوا أطفالاً حافظين للقرآن الكريم إسلام محمد بن عبدالله، ولم يقتلوا رجال التكفير بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة من خريجي جامعة إيمان الزنداني ومدارس حديث وسُنَّة محمد بن عبدالوهاب الذي كفَّر وقتل ويقتل العرب والمسلمين فقط، وبكل صفاقة ودم بارد ناطق العدوان يصرح بأن العملية إستهدفت خبراء الصواريخ الباليستية، وبكل صلف صهيوني يهودي الإعلام الخليجي المعادي يقول أن الهدف عسكري ومشروع بالقانون الدولي، وكيف لا؟.. فالحافظين الشهداء كانوا يحملون حقائب مدرسية بختم منظمة الطفولة للأمم المتحدة “اليونسيف”، والجريمة نكراء شنعاء يقف القلم وتتبرأ الكلمة من توصيفها، لدرجة أن الضمير العالمي الغربي الذي لا يهتز إهتز قليلاً، وكذلك العم سام أمريكا تظاهر بالإهتزاز بالقليل القليل من هول وفظاعة الجريمة، حتى الأمين العام للأمم المتحدة إهتز هو ومجلسه الدولي الهمَّام والجميع أصدروا أنيناً باهتاً إنتهى برد الضحية إلى الجزار السعودي بمطالبة القاتل بالتحقيق الذي سيُحمِّل شرعية الخيانة المسئولية برفع الإحدثيات تماماً كما حدث مع مجزرة الصالة الكبرى.
وحدهم الشرفاء كان لهم موقف بإدانة العدو السعودي من الضاحية الجنوبية لبيروت المقاومة، وطهران الثورة الإيرانية الإسلامية، ودمشق الشام قلب العروبة النابض، حتى الحزب الشيوعي الفلسطيني الماركسي الملحد أدان آل سعود القاتل لأطفال اليمن شبيهة وقرين القاتل الصهيوني لأطفال فلسطين المحتلة حسب بيان الحزب الفلسطيني “الملحد”، والخارجية الفرنسية تدين المجزرة وكذلك الألمانية وبوليفيا الإشتراكية، ومنظمة العفو الدولية تدعو إسبانيا لعدم بيع الأسلحة لقاتل أطفال اليمن، والمديرة التنفيذية لمنظمة اليونسيف تقول “لقد طفح الكيل”، “طفح” على الأطفال أم على حقائبكم الملطخة بالدماء والأشلاء، فلتأخذوا حقائبكم وأعيدوا لنا أطفالنا، إحتفظوا بالطفح لأنفسكم لانريد أن نتسخ بقذارة الطفح النتن، مواقف رفع العتب إستمرت، والإعلام العالمي وبكل اللغات واللهجات تناول المجزرة بالإستنكار والإدانة، فقط المرجفين والمرجفات من شرعية الخيانة وإخوانها وحُراس الجمهورية العائلية وعشاق فتح الصفحات الجديدة مع الشقيقة، وأصحاب المشاريع الصغيرة الوهمية يبررون للقاتل جريمته بأراجيف النفاق، ستنتهي بإبتلاع ألسنتهم بإعتراف القاتل بالجريمة وتحميل المسئولية لشرعية الخيانة التي إعترفت بالأمس تسببها في إنهيار الإقتصاد وارتفاع سعر صرف الدولار بطبع ترليون و400 مليار ريال يمني بدون تغطية، والمرجفات لا يزلن يرجفن، فالقتلة يعترفون والمرجفون يرجفون، ولسان حالهم كنا نخوض ونلعب مع الخائضين ومصيرهم إلى سقر جهنم وبئس المصير، ولسان حالهم لقد أظلنا قومنا من زعماء ومشائخ إسلام آل سعود وإخوانه وحراسه، ومصيرهم نفس مصير قوم فرعون الذيَّ أظل قومه ونهايتهم الغرق جميعاً في البحر كما تَعلم الشهداء الحافظين للقرآن الكريم.
وعربياً سنذكر موقف واحد فقط لشيخ الأزهر الذي إعتبر ذات يوم القتيل الإماراتي الغازي لليمن شهيد، واليمني في بلاده غير شهيد، سبحان الريال السعودي والدرهم الإماراتي الّذي ألجم العربي والمسلم التركي، ولم يلجم النصراني الغربي والماركسي الفلسطيني والإشتراكي البوليفي، وبالطبع للإسلام الوهابي والإخواني والسلفي التكفيري شؤون وشؤون، فاليهودي الصهيوني أهل كتاب، والمسلم اليمني خطر على الإسلام السعودي الإخواني حتى وإن حفظ القرآن الكريم وكان طفلاً في الشهر الحرام.
يوسف أعرض عن هذا، زكريا وأحمد فلتكملوا الإحتفال، غداً ستفتحون أبواب الجنان لمن سار على دربكم القرآني، وتغلقونها في وجه من ظلمكم بالكلمة والصمت وإتباع خطوات الشيطان، نعم وبالرغم من إهتزاز الضمير العالمي العقيم، فإن يمن الحافظين للقرآن الكريم من المجاهدين أطفالاً ورجالاً ونساءاً على موعد مع الإنتصار الحاسم في المعركة الكبرى في ساحل تهامة اليمن، وكما غرق فرعون وقومه في البحر سيغرق العدو وأسياده وأذنابه في مياه البحر الأحمر، وذلك هو رد الفعل الميداني على مجزرة العصر وكل مجازر وأفعال قرن الشيطان الرجيم وأعوانه، وعندها سنتلوا جميعاً آخر آية من سورة الزمر من الجزء الثالث والعشرين، التي تلاها الطفل اليماني الأصيل “أبو الحمد” لوالده قبل إستشهاده ونهاية الآية المباركة ((وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).. معجزة قرآنية تبشرنا بالنصر الإلهي القادم.. وكفى بالله هادياً وولياً ونصيراً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
جميل أنعم العبسي