المشهد اليمني الأول |
لايشبع توحش تحالف العدوان وابل القنابل والصواريخ من الجو والبحر التي قتلت وشردت وأعاقت مئات الآلاف، فأوكل للغزاة والمرتزقة ارتكاب جرائم القتل والاختطاف والاغتصاب والاعتقال والتعذيب في كل مكان من أرض اليمن المقدسة تدنسه أقدامهم الملطخة بالإجرام.. عدوان همجي وحرب قذرة تطال الأبرياء منذ مارس 2015م مع سبق الإصرار والترصد ليس ما يرتكب بحق نساء اليمن في تحيتا الحديدة وتعز وعدن والجوف ومارب من اعتداء واختطاف إلا نموذج لمدى السقوط والإجرام الذي وصل إليه أولئك المعتدون في انتهاك لكل الديانات والقوانين والأعراف التي تجرم إيذاء المرأة وإن كانت في قلب المعارك، فكيف بقتلها في بيتها والاعتداء عليها في الطرقات العامة بل واختطافها وما يمثله ذلك من عيب أسود عند قبائل العرب، وجرم لا يغتفر في كل الثقافات.
تصاعد مُخيف لجرائم الغزاة والمرتزقة بحق النساء في اليمن كان آخرها قتل امرأة مُسنَّة دهساً في منطقة حِميَر بتعز واختطاف امرأة في مديرية الحزم بمحافظة الجوف وقتل أُخْرَى مع زوجها أثناء سفرهما في منطقة قانية بين البيضاء ومارب ، وفي عدن حوادث اختطاف طي الكتمان.
وفي الساحل الغربي، حيث المعارك لا تحسم حرباً اقتحم الغزاة في تحيتا الحديدة البيوت، انتهكوا حرماته واعتقلوا ثمان فتيات كن في طريقهن لجلب المياه من الآبار واقتادوهن إلى مكان مجهول، لا فرق بين صهاينة إسرائيل في فلسطين وبين صهاينة العرب.
لا تكفي الإدانات
مجلس التلاحم القبلي بمحافظة الحديدة أدان جريمة الاختطاف، داعياً الجميع إلى تحمل مسؤوليته الوطنية والإنسانية.
وبعث القائمُ بأعمال محافظ الحديدة محمد عياش في تصريحات، صحفية رسالةً دعا فيها كُلَّ المواطنين إلى الثأر من كل المعتدين وإلحاق الهزيمة بالغزاة في الساحل الغربي، وقال: الاختطافات تتكرر فقد اختطفوا نساء في الجوف والتحيتا ودهسوا واختطفوا في تعز .. العدوّ المحتلَّ لا يردعه شرعٌ أو دين ولن يوقفه إلا السيف.
بدورها أدانت مؤسسة يمانيات للمرأة والطفل جرائم اختطاف النساء ودعت في بيان لها كل منظمات المجتمع المدني وكافة النشطاء الحقوقيين والإعلاميين في اليمن، وجميع الشرفاء والأحرار في العالم فضح ما يرتكبه تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي من جرائم وحشية في اليمن.
وقال بيان لصندوق الأمم المتحدة للسكان جاء فيه :”النزوح وتعطّل آليات الحماية قد زاد بشكل كبير من تعرّض النساء والفتيات في اليمن للعنف، والإبلاغ عن عشرة آلاف قضية في عام 2016م، مع الأخذ بعين الاعتبار أن موقعهن في المجتمع كان سيئاً قبل بدء النزاع”.
سجون سرية
وفي تقرير لـ منظمة العفو الدولية قالت فيه: إن العدالة لا تزال بعيدة المنال بعد الكشف عن شبكة من السجون السرية في جنوب اليمن. وثقتها تقارير وكالة أسوشيتد برس، ويوثق التقرير الانتهاكات الصارخة التي تُرتكب بشكل ممنهج، بما في ذلك ممارسات الاختفاء القسري والتعذيب وغيرهما من ضروب المعاملة السيئة التي تصل إلى مصاف جرائم الحرب.
وتعقيباً على التقرير قالت مديرة برنامج الاستجابة للأزمات في المنظمة ذاتها ، تيرانا حسن: “تعيش عائلات المحتجزين في اليمن كابوساً لا ينتهي بعد اختفاء ذويهم قسراً على أيدي القوات المدعومة إماراتياً، ويُجابه أفرادها بالصمت أو التخويف إذا طالبوا بمعرفة أماكن أحبتهم، أو إذا كانوا على قيد الحياة أم لا”.
وأضافت تيرانا حسن القول : الإفراج عن عشرات المحتجزين بينهم مجموعة صغيرة ممن كانوا مخفيين قسراً بعد احتجازهم لفترات طويلة دون تهمة بلغت في بعض الحالات ما يقارب السنتين، الأمر الذي يبرز مدى الحاجة إلى محاسبة الجناة، وضمان توفير سبل إنصاف الضحايا،ويجب التحقيق في تلك الانتهاكات بصفتها جرائم حرب.
خارج القانون وضد الإنسانية
ويرى مراقبون أن ما يحدث من اختطافات فعل مدبر حيث لجأ العدوان ومرتزقته مؤخراً لاختطاف النساء بعد أن فشل في تحقيق أهداف العدوان المعلنة والخفية، بعد أن عرف أن الأسلحة الفتاكة تقتل وتتسبب بالإعاقات والدمار لكنها لا تغير موقفاً ولا تحسم حرباً ، وسيبقى اختطاف النساء جريمة لا تغتفر .
وتشهد ذاكرة التاريخ أن صراعات سياسية ومحاولات انقلاب على أنظمة وحكومات خلفت عبر عقود مئات المخفيين قسرياً في الشمال والجنوب ربما نسيهم الناس خوفاً لكن ” الجدران تتذكر وجوههم ” حملة رسم فنانين تشكيليين وجوه المخفيين على جدران بعض شوارع صنعاء في عام 2011م جددت المأساة لتؤكد أن الاختطاف والإخفاء جرم لا يسقط بالتقادم ، وهو العام الذي حددت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 30 أغسطس يوماً دولياً لضحايا الاختفاء القسري.
وتعود قضية الاختفاء القسري إلى لحظات الحرب الأهلية في شمال اليمن في ستينيات القرن الماضي، والصراعات السياسية التي شهدها الجنوب منذ استقلاله عن الاحتلال البريطاني عام 1967م، وقد مر اليمن بمحطات عديدة من الصراع على السلطة سواء على الصعيد الشطري في الشمال والجنوب أم في إطار الدولة الموحدة عام 1990م، التي شهدت أيضا حرب صيف 1994م، بين قوات الشمال وقوات الجنوب.
لم يعد الاختفاء القسري وقمع الحريات نتاج دكتاتوريات عسكرية تنكر اعتقال الخصوم السياسيين الذين حاولوا الانقلاب على الحكم أو هددوا برحيل الحاكم وتحرمهم من حق الإحالة إلى النيابة والقضاء فحسب بل أصبح وضعاً اعتيادياً لا تنكره الأطراف السياسية بعد أن أصبح شبه ظاهرة بسبب تنامي الفجوة الاجتماعية والاقتصادية في ظل صراعات وحروب على السلطة وانتشار للجماعات الإرهابية والمليشيات وشلل في أجهزة الدولة وعدوان غاشم في سبيل تحقيق غاياته الخبيثة امتلك مئات السجون السرية والمعتقلات في الجنوب.
الإرهاب
اليوم عادت السجون والمعتقلات والاغتيالات والتفجيرات والاختطافات والإخفاء قسرياً من قبل تحالف العدوان والجماعات المتطرفة ما يفرض قرع ناقوس الخطر ؛ فإن كان المخفيون سابقاً يدركون الجرم والمجرم وأبعاد القضايا السياسية فإن المخفيين قسراً في زمن العدوان والحروب وصراع الجماعات الإرهابية ضحايا لا يعرفون الجلاد ولا التهمة وستقيد كل الجرائم ضد مجهول باستثناء مجازر وجرائم يقترفها العدوان فإن وجوه المختطفين والمحتجزين والمعتقلين لن تتذكرهم الجدران وحدها بل كتب التاريخ وذاكرة الأجيال، فالضحايا بالآلاف وما يحدث في السجون مشابه لما يحدث من توحش في سجون ابو غريب وغوانتانامو.
ويعد الإخفاء القسري ممارسة خارج نطاق القانون والمحاكمات العادلة ، وعادة لا يتم الإفراج عن الأشخاص أبداً ويظل مصيرهم مجهولاً، ويتكرر تعرض الضحايا للتعذيب ويعيشون في ظل خوف دائم من التعرض للقتل، فهم يعلمون أن عائلاتهم لا تعرف أماكن تواجدهم وأنه من المرجح ألا يأتي أحد لمساعدتهم ، وحتى لو أفلتوا من القتل واُفرج عنهم في نهاية المطاف، فسوف تلازمهم آثار محنتهم الجسدية والنفسية على الدوام فكيف يغدو الحال إن كان السجان محتلا قاتلاً يمارس صنوف التعذيب في معتقلات بلاده.
الإطار القانوني
تُعرف منظمة العفو الدولية الاختفاء القسري بأنه: ` يحدث إذا ما قُبض على شخص أو احتُجز أو اختُطف على أيدي عناصر تابعة للدولة أو تعمل لحسابها، ثم تنفي بعد ذلك أن الشخص محتجز لديها، أو لا تفصح عن مكانه؛ ما يجعله خارج نطاق الحماية التي يوفرها القانون `،ويعد الاختفاء القسري في الحروب جريمة ضد الإنسانية .
من جانبه، يؤكد رئيس المعهد الأوروبي للقانون الدولي، والعلاقات الدولية محمود رفعت، على أن: «الاختفاء القسري جريمة قانونية متكاملة في الشكل والموضوع، تقوم بها أجهزة الدول القمعية في العالم العربي، وهي جريمة تتنافى مع المواثيق الدولية، مثل اتفاقية حقوق السجين 1984م، واتفاقيات المحاكمة العادلة الموقع عليها من قبل الدول العربية، وهي جريمة تتناقض مع مبدأ علانية العقوبة، التي تكفلها مواثيق الأمم المتحدة».
نصّ إعلان الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي أقرته الجمعية العامة في العام 1992م، على أن “ الاختفاء القسري يقع حين يقوم مسؤولون أو عملاء حكوميون بالقبض أو الاحتجاز أو الاختطاف لأشخاص ضد إرادتهم ، ثم رفض الكشف عن مصائرهم أو أماكنهم أو رفض الإقرار بحرمانهم من حريتهم، مما يجعل هؤلاء الأشخاص خارج مظلة حماية القانون”.
كما يضم الإعلان عدداً من الأحكام التي تهدف إلى منع “الإخفاء” وينص على أنه: “يجب احتجاز المعتقلين في أماكن احتجاز معروفة رسمياً، ويجب أن تُخطر أسرهم بها على الفور، ويجب أن يُسمح لهم بمقابلة المحامين، وأن يضم كل مركز احتجاز سجلاً حديثاً بكل الأشخاص المحرومين من حريتهم فيه”. ويتبيّن من الإعلان، وبوضوح، أن النزاعات المسلحة، سواء كانت دولية أو غير دولية، لا تبرر أبداً ممارسة الاختفاء القسرية ، إذ “ لا يجوز اتخاذ أي ظروف مهما كانت، سواء تعلق الأمر بالتهديد باندلاع حرب أو قيام حالة حرب أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو أية حالة استثنائية أخرى، ذريعة لتبرير أعمال الاختفاء القسري”.
ودخلت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري حيز التنفيذ في عام 2010م، وتهدف إلى منع الاختفاء القسري وكشف تفاصيل حقيقة ما جرى والحرص على حصول الناجين وعائلات الضحايا على العدالة.وتُعد هذه الاتفاقية واحدة من أقوى معاهدات حقوق الإنسان التي تبنتها الأمم المتحدة، ووقعت 94 دولة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري وصادقت عليها 44 دولة.
وفي العام 2006م، تم تعزيز الحظر على الاختفاء القسري عبر تبني الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (اتفاقية الحماية من الاختفاء القسري)، وهذه المعاهدة متعددة الأطراف، أصبحت مُتاحة للتوقيع في فبراير 2007م، ولم توقع اليمن على الاتفاقية.
تدعو اتفاقية مناهضة الاختفاء القسري الدول إلى التحقيق في وقائع الاختطاف وغيرها من الأعمال التي تدخل ضمن تعريف “الاختفاء”، والتي يرتكبها فاعلون من غير الدول، من أجل مثول هؤلاء الأشخاص أمام العدالة، ويعتبر القانون الدولي “ الاختفاء ” جريمة مستمرة طالما استمرت الدولة في إخفاء مصير أو مكان الشخص “ المختفي”. وحين يتم ارتكاب أعمال “الاختفاء” كجزء من حملة موسعة أو منهجية على سكان معينين، فهي تُشكل جريمة ضد الإنسانية، وورد ذكرها في اتفاقية مناهضة الاختفاء القسري ونظام روما للمحكمة الجنائية الدولية.
ويحظر الدستور اليمني الاحتجاز “ في غير الأماكن الخاضعة لقانون تنظيم السجون ”. وفي عام 1998م، أصدرت اليمن قانوناً خاصاً بقضايا الاختطاف، وأوردت فيه عقوبات بالسجن لأكثر من 20 عاماً للمسؤولين الذين يثبت قيامهم بالمشاركة “ في أعمال اختطاف أو سرقة ” إلا أنه لا يوجد قانون يمني في الوقت الحالي يُجرّم الاختفاء القسري على وجه الخصوص.
أما بعد ..
بالمجمل، هي مأساة أن تجد نفسك خاضعاً لرغبات معتدٍ متوحش يحركه شيطان .. مئات المعتقلات والسجون يديرها المعتدون على امتداد وطن أنهكته الحروب في معارك السيطرة ونهب الثروات.. ومأساة أن يمتلك كل طرف سجوناً لإخفاء الخصوم وتعذيبهم بعد الاعتقال والاختطاف لمجرد شكوك واشتباه وقمعاً للحريات المكفولة بنص القوانين والتشريعات السماوية والوضعية وتصفية حسابات، فكيف يكون حال اليمنيين إن كان السجّان عدواً تستهويه صرخات السجناء في الزنازين ، عدوان حاقد يقتلك لمجرد أن ملامحك تكشف هويتك.
فمتى يعي اليمنيون الحكماء الأرق قلوباً والألين أفئدة أن معارك الدم وصرخات التعذيب ليست سوى ذبحاً للوطن على خطى توحش داعش وتحالف العدوان وغيرهما من تسميات الجماعات الإرهابية مهما كانت تبريرات السجان القاتل.
صحيفة الثورة ــ تقرير / سارة الصعفاني