كتب/ أحمد زين الدين
هل وصل التهوُّر السعودي إلى مداه الأقصى، فما عادت الرياض قادرة على ضبط أعصابها أمام الانهيارات التي تعانيها على شتى الجبهات والمواجهات التي افتتحتها، ويمكن القول إنها طالت العالم كله.
حروب ومواجهات عديدة باشرتها مملكة الكاز الكبرى، فهي لم تكتف بتصدرها واجهة ما زعم “الربيع العربي” والإرهاب، بل أخذت على عاتقها مواجهة كل من يتجرأ على أن يقول “لا” للولايات المتحدة الأميركية، أي أنها أرادت أن تقدم نفسها على أنها الحليف الأساسي والأوفى لواشنطن والمدافعة عن مصالها الحيوية.
بالطبع، لم تُبدِ واشنطن أي اعتراض على هذا السلوك الذي يصبّ في حسابها ومصلحتها، وإن كانت تدرك أن هذه المملكة تتنطح إلى دور لم تخلق من أجله، بل تعرف تماماً ألا قيامة لها دون توفير الحماية اللازمة والكاملة، وربما هذا ما وعاه المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب بإعلانه أن “على السعودية أن تدفع ثمن حمايتنا لها”، وهو ما جعل محمد بن سليمان في لحظة غضب يكشف أن بلاده تمول أكثر من عشرين بالمئة من حملة منافسة ترامب، هيلاري كلينتون الرئاسية، المهووسة بالرحلات والهدايات وأشياء أخرى.
تعددت أشكال التهور السعودي في إظهار نفسها كمدافع عن المصالح الأميركية، ومنها:
1- ضخّها أكثر من مليون ونصف مليون برميل نفط يومياً، خارج حصتها في “أوبك”، مما جعل الأسعار تتهاوى إلى أكثر من الثلثين، فأثّر ذلك على العديد من المشاريع التنموية في الدولة المنتجة، خصوصاً في روسيا وأميركا اللاتينية، ما أسهم في انعاش شركات أميركية عابرة للقارات، كما أثّر بشكل فظيع على السعودية نفسها، وصارت تستدين من المصارف.
2- تهوُّرها في معارك وحروب ارتكبت فيها جرائم حرب موصوفة، خصوصاً في اليمن، التي جعلتها ميداناً لتجربة أسلحة أميركية و”إسرائيلية” جديدة، بشكل جعل الولايات المتحدة تعلن مؤخراً، كما أوردت صحيفة “واشنطن بوست”، أنها مستمرة في بيع القنابل العنقودية للسعودية، شرط عدم وضع ختم “المصنّع” عليها، مشيرة إلى أن “القنابل العنقودية الأميركية تهشم الحياة في اليمن”.
3- إصرار السعودية على لسان السفير السعودي السابق في واشنطن ووزير الخارجية الحالي عادل الجبير، على مواجهة الرئيس بشار الأسد، حيث إن تصريحاته في كثير من الأحيان تثير ضحك الكثير من الدوائر الدبلوماسية العالمية، وهو يعتقد أنه بذلك يجعله رقماً هاماً في المعادلة الأميركية والغربية، في وقت بدأت العديد من عواصم الغرب اتصالات سرية وعلنية مع دمشق من أجل التنسيق أو التعاون الأمني، بعد أن أخذت وتيرة الإرهاب المتسارعة ترتدّ نحو البلدان التي جاء منها قسم كبير من الإرهابيين التكفيرين، خصوصاً نحو البلدان الغربية التي سبق للرئيس بشار الأسد أن حذّر كل الدول المنخرطة في العدوان على الدولة الوطنية السورية، منذ الأيام الأولى للعدوان، من أن هذا الإرهاب سيرتدّ عليها آجلاً أم عاجلاً.
كان واضحاً منذ البداية أن العواصم الغربية تريد تنسيقاً أمنياً من تحت الطاولة، وهو ما ردت عليه دمشق بوضوح بأنه لا تعاون أمني دون اتفاق سياسي مرتكزة مكافحة الإرهاب، والاعتراف بالسيادة الوطنية السورية، وإعادة فتح سفاراتها في العاصمة السورية، بالإضافة إلى ضرورة وقف العقوبات ضد سورية، خصوصاً العقوبات الاقتصادية.
ولاحظنا أن من مبادرات التجاوب مع دمشق بدأت بوصول وفود أوروبية برلمانية وحكومية في زيارات رسمية وعلنية مع الدولة الوطنية السورية.
وهنا ربما كان ولي العهد السعودي محمد بن نايف قد تلمّس ذلك، فدعا عبر “الوطن أون لاين” لتقديم تنازلات مؤلمة لدمشق، وهو ما أثار نائبه محمد بن سلمان، الذي سارع إلى واشنطن ليجري صفقات السلاح، في محاولة منه لكسب رضا شركات السلاح والنفط، كاشفاً عن صراع قد يتحول إلى قاتل على السلطة وصل ببعض المراقبين لأن يضع علامات استفهام حول التفجيرات الأربعة الأخيرة، ويضعها في خانه الصراع على السلطة والنفوذ، بينما طلع ابن عمه الآخر تركي الفيصل من باريس مهدداً ومتوعداً في مؤتمر لما يسمى “المعارضة الإيرانية”، طهران بـ”الويل والثبور وعظائم الأمور”، ما استدعى رداً حاسماً منأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام في جمهورية إيران الاسلامية، محسن رضائي، الذي قال: “رسالتنا إلى آل سعود هي أننا لا نغضب سريعا، لكننا لو غضبنا فسوف لن نبقي لآل سعود أثراًعلى وجه الأرض”.
وكتب رضائي في صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي: تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات السعودي الأسبق شارك في مؤتمر المنافقين (زمرة خلق الإرهابية) في باريس، وطلب منهم البدء بعمليات الاغتيال في إيران. إن الدعم الرسمي من جانب السعودية للمنافقين أثبت أن جميع عمليات الاغتيال التي قامت بها هذه الزمرة خلال الأعوام الأخيرة إنما نُفِّذت بدعم من السعودية.
فهل بدأت “براقش” السعودية تجني على نفسها؟
كاتب وصحفي لبناني