المشهد اليمني الأول/
“قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق” مثل شعبي مارسته السعودية بشقيه في اليمن، ورغم أن الإسلام دين الرحمة إلا أن السعودية لم ترحم جارتها اليمنية وقطعت أعناق الناس هناك وأرزاقهم دون أن يهتزّ لها جفن، وساعدتها الإمارات في هذه الحرب غير المبررة وظهر تأثير الإمارات بشكل أوضح على السواحل اليمنية وعلى الصيادين بالتحديد وأرزاقهم وعوائلهم، وقد تضرر هذا القطاع الذي يعمل فيه أكثر من 150 ألف صياد ويترزّق منه أكثر من 1.7 مليون نسمة وبنسبة 8.6 بالمئة من إجمالي عدد السكان في اليمن، وليس هناك من يريد أن يسمع بما يجري هناك لا مجتمع دولي ولا غيره.
مع بداية التدخل العسكري “السعودي – الإماراتي” في اليمن مطلع العام 2015، وضع هذا التحالف السواحل اليمنية نصب عينيه لكونها الأكثر تأثيراً على الشعب اليمني بمجمله، فاليمن ليس لها حدود برية سوى مع السعودية التي تشنّ حرباً عليها، وحدود ضيّقة نسبياً مع سلطنة عمان بالقرب من محافظة المهرة والتي توجّهت إليها الإمارات وعبثت بها بعد أن كانت آمنة على أهلها وقطعت الطريق عليهم مع عمان، وبالتالي لم يتبقَ لدى اليمنيين سوى الحدود البحرية التي تعرضت لقصف مستمر طوال الأعوام السابقة بهدف شلّ الحياة الاقتصادية في اليمن وقطع كل سبل الحياة عن الشعب اليمني وإجبارهم على الرضوخ للتحالف وشروطه، ويكاد التحالف نفسه يتفكك ويرضخ واليمن ما زال صامداً بالرغم من كل شيء، ولكن لا بدّ من المرور على واقع اليمنيين اليوم على طول الشريط الساحلي لمعرفة ما حققه العدوان حتى اللحظة.
مع بداية العدوان السعودي على اليمن تم قصف الموانئ اليمنية الرئيسية مثل ميناء (الحديدة) و(المخا) و(عدن) و(ميدي)، أو الموانئ المخصصة للصيادين على طول الشريط الساحلي اليمني في البحرين الأحمر والعربي، وعلى إثر هذا العدوان حدث خلل في بنية المجتمع الساحلي على عدة مستويات وكانت الغاية من ذلك واضحة منذ اليوم الأول ونلخصها بالتالي:
أولاً: كان المطلوب أن يفقد العاملون على الشواطئ عملهم بمن فيهم الصيادون من أجل دفعهم نحو الانخراط في الفوضى بعد خسارتهم لعملهم، وبالتالي انتقال هذه الفوضى إلى الداخل وإحداث فتنة بين جميع الأطراف وتبادل إلقاء التهم بينهم، وبالتالي اختراق المجتمع اليمني وتشويه بنيته لتعمّ الفوضى جميع أرجاء البلاد، وتحقق ذلك إلى حد ما.
ثانياً: أعداد هائلة تعمل في مجال الصيد في اليمن وكانت خطة التحالف إبعاد هؤلاء عن مهنتهم الأساسية ومحاولة جرّهم للمشاركة مع المرتزقة الذين جلبتهم الإمارات والسعودية للقيام بأعمال العنف ضد الأحزاب والجماعات التي تحاربها.
ثالثاً: تريد الإمارات تحويل الساحل اليمني إلى مستعمرة شخصية تمكّنها من وضع موطئ قدم لها على سواحل البحر الأحمر، في إطار مشروعها الكبير فيما يخصّ السيطرة على أكبر عدد ممكن من موانئ العالم، وبالتالي فإن الحرب على اليمن جاءت فرصة مناسبة للإمارات للخوض في غمار هذا المشروع فضلاً عن رغبتها في تحويل الساحل إلى مركز عمليات لإدارة المعارك في الداخل وترك مخرج لها في حال حدوث أي طارئ.
أرقام وحقائق
تسع محافظات يمنية من أصل 22 محافظة تطلّ على سواحل البلاد، ويعتمد أهلها بشكل أساسي على مهنة الصيد، وبحسب التقرير الاقتصادي الصادر عن برنامج نظام معلومات الأمن الغذائي فإن 65% من الصيادين اليمنيين فقدوا سبل عيشهم جرّاء العدوان والحصار منذ مارس 2015م، والذي ألحق أضراراً بالغة بالقطاع السمكي الذي يعدُّ من أهم القطاعات الإيرادية في اليمن.
وتشير الأرقام والإحصاءات إلى أن خسائر القطاع السمكي في البحر الأحمر نتاج الاستهداف المتعمّد من طائرات وبوارج تحالف العدوان منذ بدء الحرب حتى مارس الماضي وصلت إلى ثلاثة مليارات و114 مليوناً و330 ألف دولار كإحصائية أولية تم حصرها من قبل الهيئة العامة للمصائد السمكية التي أصدرت التقرير في مناسبة اليوم الـ1000 للصمود في وجه العدوان.
في المهرة، وصلت قوات سعودية إلى محافظة المهرة نهاية 2017، وهي تمنع حركة الملاحة والصيد بميناء نشطون على مضيق هرمز، كما حوّلت مطار الغيضة الدولي إلى ثكنة عسكرية ومنعت الرحلات المدنية من الوصول إليه، وحرم أكثر من 50 ألف صياد من ممارسة الصيد في البحرين الأحمر والعربي.
الوضع اليوم
يحاول الصيادون العودة إلى مزاولة مهنتهم بشتى الطرق الممكنة لكن القوات الإماراتية والسعودية والمرتزقة لا يسمحون لهم بذلك، وقبل يومين وجّه عدد من صيادي المخا رسالة إلى قوات “التحالف العربي” والقوات الحكومية المرابطة في المدينة، تطالبهم بالسماح لهم بمزاولة مهنة الصيد. وشكى الصيادون ما أسموه تعنّت القوات الإماراتية في منعهم من مزاولة مصدر رزقهم الوحيد منذ ما قبل تحرير المدينة، وقال الصيادون في نداء “إن أبناء المخا الصيادين لهم ما يقارب سنتين وهم محظورون من الاصطياد في بحر المخا، وأنتم تعرفون أن أغلب أرزاق أبناء المخا على البحر والميناء”، وأضافوا “صيادو المخا اليوم يتذوقون مرارة الحياة بسبب قطع أرزاقهم والبعض منهم يذهبون إلى مناطق بعيدة ليصطادوا هناك وفي بعض الأحيان يتم منعهم ويقال لهم لدينا توجيهات من القوة الإماراتية”. وتساءل الصيادون في رسالتهم إلى القوات الإماراتية: “أجئتم لتحرير البلاد أم لاحتلالها وقطع أرزاق مواطنيها؟ وختموا رسالتهم: “كفاية سكوت.. كفاية ذل.. كفاية مهانة وخضوع”.