المشهد اليمني الأول/
جسَّدت السيّدة عايدة توما سليمان، النائِبة العَربيّة في الكنيست الإسرائيلي حقيقة القانون العُنصري الذي يَجعل كيان إسرائيل دَّولة قوميّة للشعب اليهوديّ، عندما رَفعت لافتة تقول “الأبارتهايد بالنُّسخة الإسرائيليّة”.
هذا القانون الذي أيّده 62 نائبًا في الكنيست مُقابِل مُعارَضة 55 آخرين، وصَدر صباح الخميس يَجعَل من الكيان الإسرائيلي النَّموذج الأبشَع للتمييز العُنصري في تاريخ البشريّة، ويُلغي المَقولة التي تقول بأنّها الديمقراطيّة الوَحيدة في مِنطَقة الشرق الأوسط.
إنّه قانون يَجعل من الكيان الإسرائيلي الوَطن التَّاريخيّ لكُل اليهود في جميع أنحاء العالم، ويُكَرِّس اللغة العبريّة كَلُغَةٍ رسميّةٍ وحيدةٍ في الدَّولة، ويُلغِي اللغة العربيّة التي تحدّثتها هَذهِ الأرض الفِلسطينيّة لآلاف السِّنين.
القُدس “الكامِلة” باتت العاصِمة المُوحَّدة ليس فقط للكيان الإسرائيلي، وإنّما ليهود العالم أجمع، وِفقًا لهذا القانون الذي صَدَر عن الكنيست “الدِّيمقراطيّ”، الحَضاريّ، الذي يُمَثِّل الحَضارة الغَربيّة في المِنطَقة.
صُدور هذا القانون جاءَ تَمهيدًا لشَرعَنة خطوات إسرائيليّة قادِمة:
ـ أوّلاً: طَرد “غير اليهود” من أرضِ فِلسطين، وهذا يَشمَل جميع العرب، مسيحيين كانوا أو مُسلمين، وهذا يشمل مليون ونِصف مليون يقيمون في الأراضي المُحتلَّة عام 1948، وكانوا يُعتَبرون مُواطنين إسرائيليين حتّى صُدورِه.
ـ ثانيًا: لم يُحَدِّد القانون حُدود الدولة اليهوديّة وتركها مَفتوحة، ممّا يعني أنّ الخُطوَة القادِمة ستكون ضم الضِّفّة الغربيّة، أو مُعظَمِها، وتطبيقه على سُكَّانها، وجَعلِهم مواطنين من الدَّرجةِ العاشِرة باعتبارِهم غير يهود لا حُقوق سياسيّة أو إنسانيّة لَهُم.
ـ ثالثًا: تطبيق هذا القانون العُنصري على هَضبة الجولان المُحتَل، والمواطنين العرب المُقيمين على أرضِه، ومارس نِتنياهو ضُغوطًا عَديدةً على حَليفه دونالد ترامب لإصدارِ قَرارٍ يُؤيِّد ضَم الهضبة، وخَطوات تهويدها على غِرار قراره الأخير بشَأن القُدس، ومن غير المُستَبعد أن يَصدُر هذا القرار في أيِّ لحظة.
نِتنياهو والأحزاب العُنصريّة الإسرائيليّة يُعيدون التَّاريخ 300 عام إلى الوراء، وإلى زَمن إبادة المُستَعمرين البيض للهُنود الحُمر، سُكّان أمريكا الأصليين، فبَعد المَجازِر التي ارتَكَبها الإسرائيليّون على مَدى 70 عامًا من قِيام دولتهم، والاستيلاء على مُعظَم الأراضي العربيّة الفِلسطينيّة، ها هم يَنتقِلون إلى الخَطوة الأهَم وهي الطَّمس الكامِل لهَويّتها، وعدم الاعتراف بأهْلِها لأنّهم من دينٍ مُختَلِف.
لن نَسأل أين العرب، وأين أبناء العَقيدة الإسلاميّة الذي يَزيد تِعدادهم عن مِليار ونِصف المِليار مسلم، كما أنّنا لن نُناشِد المُجتمع الدولي والدُّوَل الأُوروبيّة التي أقامَت الدولة اليهوديّة تعويضًا عن جرائِم النازيّة العُنصريّة، لأنّنا نُدرِك جيّدًا أنّنا لن نَجِد الجَواب، في الوَقتِ الرَّاهِن على الأقَل.
السُّؤال الأهَم: ماذا سيَفعل “الرئيس” محمود عباس، ماذا ستَفعل قِيادته والمُؤسَّسات الخمس التي يَتربّع على كُرسِي زعامتها، ماذا سيفعل ماجد فرج، قائِد قُوّات أمن السُّلطة، ماذا ستَفعل اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير، والمركزيّة لحركة “فتح”؟ وهل سَيَرُدُّون بِحَل السُّلطة؟ هل سَيُوقِفون التَّنسيق الأمنيّ؟ هل سَيُفَجِّرون انتفاضةً جديدة؟
الإجابة للأسف “لا” كبيرة، والإذعان الكامِل، ولهذا تَقدَّم نِتنياهو بهذا القانون إلى الكنيست، ونجح في إصداره، لأنّه مُطمَئِن إلى غِياب أي رُدود فِعل عربيّة أو إسلاميّة، أو دوليّة، ناهِيك عن السُّلطة الفِلسطينيّة.
الشَّعب العَربيّ الفِلسطينيّ المسيحيّ المُسلِم لن يكون هُنود حُمر القرن الواحد والعشرين، ولن يَرفَع الرايات البيضاء، وسَيُقاوم دولة “الأبارتهايد” اليهوديّة المُتغَوِّلة بكُل الطُّرق والوسائِل، بأشكالِها المُقاوِمة كافَّةً، وما جرى ويجري على حُدود قِطاع غزّة، وفي مُخيّم جنين في الضفّة، وكفر قاسم في الأراضي المُحتلَّة عام 1948، والقُدس، ومُجرَّد أمثلة للتَّذكير فقط.
النِّظام العُنصريّ في جَنوب أفريقيا سَقَط، والنظام العُنصريّ الإسرائيليّ سيَسقُط أيضًا، و”الهُنود الحُمر” الفِلسطينيّون سيَنتَصِرون لأنّهم لن يكونوا وحدهم، وهُناك مِحور مُقاومة يُساندهم، وأُمَّتان عربيّة وإسلاميّة تُشَكِّلان العُمق الاستراتيجيّ لَهُم، والنَّصر صَبر ساعة.. والأيّام بَيْنَنَا.