المشهد اليمني الأول/
نجحت الإمارات في بناء امبراطورية اقتصادية في الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين، إلا أنّه وبعد فترة على انطلاق ما يسمى بـ “الربيع العربي” بات اسم الإمارات يتداول في العديد من الأزمات الإقليمية ليقترن اسمها بالسعوديّة منذ بدء العدوان على اليمن.
يتشابه النموذج الإماراتي مع النموذج القطري من حيث الشكل وإن اختلف في المضمون، وتسعى الإمارات لإيجاد نفوذ يفوق حجمها الجيوسياسي، هذا الأمر الذي شكّل نجاحاً ملحوظاً على الصعيد الاقتصادي، وكذلك الأمر سياسياً عندما كان الأمر في مرحلته الناعمة والصامتة ما لبث أن اصطدم بالواقع الذي يحول دون وصول الإمارات إلى أهدافها.
التجربة القطرية في الوصول إلى مستوى نفوذ يفوق حجم الجزيرة الغازية جيوسياسيّاً اصطدم بالواقع، والإمارات كانت أحد أطراف هذا الواقع لكن الإمارات لم تتعلم من الخطأ القطري رغم تقارب النموذجين مع وجود بعض الفروقات فكلا البلدين يمتلكان قوة اقتصادية ضخمة تتفوق فيها الإمارات على قطر، قوة إعلامية تتفوق فيها الدوحة على أبوظبي.
اعتقدت الإمارات أنه من خلال القدرة الناعمة التي سعت لبنائها في واشنطن عبر سفيرها الشاب يوسف العتيبة سيمكنها من الوصول لأهدافها وتخطي جميع العقبات.
لاحقاً، عمدت الإمارات إلى محاربة كل الدول التي تسعى للسيطرة على الممرات المائية عبر شركاتها العملاقة في الموانئ “دبي العالمية للموانئ” ولعل “برطلة” الأنظمة ودعم المعارضات حتى المسلحة منها كانت أبرز هذه السياسات بدءاً من الهند وباكستان مروراً باليمن وعمان ووصولاً إلى جيبوتي واريتريا والسودان.
خسائر الجملة
الخسائر الإماراتيّة أكثر من أن تحصى مؤخراً، ففي اليمن فشلت في تحقيق أهداف العدوان وربما يرى البعض أن فشل العدوان في إخضاع اليمنيين لا تعدّ خسارة للإمارات لكن فشلها في تقسيم اليمن إلى شطرين، وقبلها فشلها في سقطرى وعدن في ظل تنامي الغضب الشعبي يؤكد أنّها فشلت بامتياز هناك، مدينة المهرة القريبة من سلطنة عمان أيضاً كانت أحد أبرز وجوه الخسارة الإماراتية في الملف اليمني، وهنا لسنا في وارد الإسهاب في هذا الصدد.
بعدها تلقّت الإمارات صفعتين متتاليتين في جيبوتي وأرض الصومال عبر إلغاء إدارة الإمارات لمحطة الحاويات وإلغاء عقود الامتياز المجحفة التي أنهت دور دبي في القرن الإفريقي، بل إنّ هناك جملة من الإشارات تؤكد أن حكومة هادي ستحذو حذو أرض الصومال وجيبوتي في كسر أحلام الإمارات التوسعية بالسيطرة على سواحل اليمن الاستراتيجية، ولم تتوقف الانكسارات الإماراتية عند هذا الحدّ، بل يشكّل ميناء “جوادار” الباكستاني الذي تسعى الصين لتحويله إلى ميناء ضخم لنقل البضائع عبر العالم موطئ قدم في غاية الأهمية للصين على المحيط الهندي، وعلى بوابة مضيق هرمز الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير على ميناء دبي.
لم تقتصر الخسائر الإماراتية على الشقّ السياسي والبشري (في العدوان على اليمن)، بل طالت رصيدها السياسي عبر توتير العلاقات مع العديد من الأطراف التي كانت تربطها معهم علاقات جيدة.
العقبة الكبرى
اليوم، خسرت الإمارات الكثير من حلفائها السابقين بسبب خروج سياساتها إلى الضوء، وهذه الخسائر مرجّحة للارتفاع مع مرور الزمن والاصطدام بالمزيد من الأطراف، فالأزمة الأكبر التي ستصطدم بها الإمارات هي حليفها الرئيسي اليوم أي “السعوديّة” كون الأخيرة ترى نفسها وصيّة على دول مجلس التعاون، وما الأزمة مع قطر سوى لمحاولة الأخيرة الخروج من العباءة السعوديّة.
وبالفعل بدأت مفاعيل هذه الأزمة الناعمة بالظهور إلى العلن في اليمن في ظل الخلافات والمواجهات الدامية بين جماعات محسوبة على الطرفين، ليس ذلك فحسب، بل بعد يوم واحد على محاولة الإمارات التنصّل من حصارها لقطر عبر رمي الكرة في ملعب السعوديّة والتأكيد على أنها شاركت في الحصار دعماً للسعوديّة، سارع وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري المحسوب على السعوديّة إلى دعوة الإمارات لإغلاق السجون السرية في اليمن وإخضاعها للنيابة رغم محاولات النفي الإماراتية المتكررة في خطوة اعتبرها مراقبون ردّاً سريعاً على الخطوة الإماراتية تجاه السعودية في الملف القطري.
في الخلاصة، إن خروج سياسات الإمارات إلى الضوء، وكذلك طموحها الذي يفوق حجمها الجيوسياسي ويتعارض مع مصالح دول الجوار تسبب بالواقع الجديد الذي سيعيد التجربة القطرية بنكهتها الإماراتيّة، ويعيد هذه الإمارة إلى حجمها الطبيعي.