المشهد اليمني الأول/

 

نشرت صحيفة “العربي الجديد” تحقيقا ميدانيا مطولة من السودان تحت عنوان “تأخر الجيش السوداني في إخطار ذوي المتوفين في الحرب اليمنية، والتكتم على التفاصيل يشعل جدلاً”، تحدثت فيه بالتفصيل عن معاناة أسر العسكريين السودانيين من ضباط وافراد لمعرفة مصير ابنائهم ممن ارسلوا للمشاركة في الحرب ضد اليمن.

 

وعرض التحقيق لمعاناة عدة عوائل تم مقابلتها من قبل معدي التحقيق الذين شخصوا عدة طرق يتم فيها معرفة مصير ابنائهم اذا قتلوا او جرحوا أو أسروا، وهي اقرباءهم في السعودية ممن لديه اقرباء، ومجموعات التواصل الاجتماعي وبينها تطبيقات مثل واتس آب يستخدمها العسكريون المشاركون ضمن مجموعات منفصلة اقاموها عبر هواتفهم، او من خلال الوسائل الاعلامية اليمنية التي يديرها انصار الله (الحوثيون كما يصفهم التقرير).

 

وارتكز التحقيق الميداني على اشكالية اخلاقية وانسانية هي عدم قيام قيادة الجيش السوداني باخطار ذوي القتلى او الاسرى او الجرحى بمصير ابنائهم، وعدم معرفة مكان دفن الذين قتلوا منهم ومصير المصنفين مفقودين.

 

ويظهر التحقيق ان قتلى الجيش السوداني في اليمن بالمئات وانهم يموتون بالجملة وباعداد كبيرة مثل حالة عائلة الجندي “محمد فيصل” التي عرفت نبأ مقتل ابنها على الحدود السعودية اليمنية مع 18 جنديا آخر من وحدته، عبر مجموعات تطبيق التواصل الاجتماعي “واتساب” التي تضم الجنود من أبناء الولاية الشمالية، بعد يومين من مقتله في 5 أيار/مايو الماضي، بحسب شقيقته فاطمة.

 

كما وثق التحقيق حالة أسرة المقدم إبراهيم دفع الله محمد حسين، (الدفعة 45 بالقوات المسلحة السودانية)، التي تلقت خبر مقتله عبر أقربائها المقيمين في السعودية، والذين عرفوا نبأ وفاته إلى جانب ثلاثة ضباط وعشرة جنود آخرين من كتيبته بصحراء ميدي الواقعة شمال غربي اليمن في 5 نيسان/ابريل 2018، عبر القنوات الفضائية التابعة للحوثيين ومواقعهم الإخبارية، بحسب تأكيد شقيقه الأكبر مصطفى لـ”العربي الجديد” مؤكدا إنهم عند اتصالهم بالقيادة العامة للجيش السوداني للتأكد من الخبر، لم يؤكدوا لهم الخبر أو ينفوه، لكن أصدقاءه الضباط حضروا لتعزية الأسرة عصر اليوم الذي قتل فيه شقيقه.

 

وينقل التحقيق مخاوف الاهالي من فكرة ترك ابنائهم القتلى جثثا في العراء دون دفنهم بحيث يصبحوا فريسة للضباع تنهشها متى جاعت.

 

ويبرر مستشار وزارة الدفاع السودانية اللواء المتقاعد يونس محمود عدم الإبلاغ الفوري للأسر بمقتل أبنائهم، بأن اللوائح المنظمة للجيش السوداني تنص على إعلان “استشهاد” أفراده بعد مرور عام من الوفاة، مؤكدا لـ”العربي الجديد”، أنه يتم التعامل معهم خلال تلك الفترة على أنهم مفقودون.

 

غير أن مصدرا عسكريا رفيعا (فضل عدم ذكر اسمه بناء على رغبته)، دحض ما ذهب إليه اللواء محمود، مؤكدا لـ”العربي الجديد”، أن اللوائح الداخلية للقوات المسلحة السودانية تنص بوضوح على أنه إذا تأكد استشهاد أحد أفرادها لحظة وفاته يتم تبليغ أسرته في الساعة ذاتها، والشروع فوراً في الإجراءات المالية. ويعيد المصدر العسكري تأخر الجيش في إخطار ذوي المتوفين في الحرب اليمنية إلى “أعداد المتوفين من الشهداء”، محذراً من التأثيرات النفسية المدمرة على أسر “الشهداء” والمفقودين.

 

ويقدر مصدر في الحكومة السودانية عدد الذين قتلوا من الجيش السوداني في حرب اليمن بـ850 ضابطا وجنديا حتى حزيران/يونيو 2018، بينما يعد تصريح قائد قوات الدعم السريع في الجيش السوداني الفريق محمد حمدان حميدتي، في أيلول/سبتمبر من عام 2017 لوسيلة إعلام محلية، بأن عدد القتلى منذ بدء الحرب حتى تاريخ التصريح، بلغ 412 من القوات السودانية، بينهم 14 ضابطاً، هو الرقم الوحيد المعلن من قبل مسؤول سوداني.

 

وينقل التحقيق عن البرلماني في كتلة التغيير المستقلة بالمجلس الوطني (البرلمان السوداني)، أبو القاسم برطم، مطالبته بضرورة معرفة أسر “شهداء السودان كيف ماتوا؟ وأين دفنوا؟”، مستغربا التعتيم من قبل الحكومة السودانية على عدد القوات المشاركة في حرب اليمن، وعدد القتلى والجرحى.

 

وفي رده على سؤال “العربي الجديد” حول مدى صحة المعلومات المنتشرة عن مقتل عسكريين سودانيين بنيران إماراتية “صديقة” داخل الأراضي اليمنية، اكتفى مستشار وزارة الدفاع السودانية اللواء محمود بالقول “هناك تبعات لقرار المشاركة ومستجدات تقتضي مقابلتها بأعمال عسكرية مباشرة أو دبلوماسية، وهناك تضخيم للموقف الإماراتي”.

 

وأجرت معدة التحقيق مقابلة مع المسؤول السابق في هيئة قيادة الجيش السوداني، الفريق أول ركن محمد بشير سليمان وصف فيه قرار مشاركة القوات المسلحة السودانية في حرب اليمن، بـ”التهديد للأمن القومي السوداني” ببعده العسكري، إذ تحتاج الطبيعة الجبلية الوعرة في اليمن إلى قوات ومعدات خاصة وتدريب وتسليح خاص، باعتبار أن الطبيعة تمثل عامل قوة يجب حسابه بدقة، ويعتقد بشير أن الحرب لا نهاية لها، إلى جانب إهمال التقدير السليم لقوة الخصم. كما أن دخول القوات المشتركة في حرب اليمن لم يحقق الأمن القومي في المنطقة، بل على العكس أصبحت السعودية هدفاً لصواريخ الحوثيين كل ساعة، وأصبح أمن السودان مهددا من الحوثيين.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا