المشهد اليمني الأول/
حتى في حال انتهاء الحرب الدائرة على اليمن بالحسم العسكري أو بالتسوية السياسية فإن هذا البلد المُنهَك سيكون على موعدٍ مع حروبٍ وصراعاتٍ شتّى وبأشكالٍ مُتعدِّدةِ من بينها الصِراعات المُسلّحة والفكرية العنيفة والقبلية في كثيرٍ من المناطق وبين جميع القوى السياسية والدينية المؤدلَجة وبالذات الجماعات المُتطرّفة التي لا تقبل بمفهوم الدولة المدنية والتعدّدية السياسية فضلاً عن رفضها لأيِّ تعايُشٍ مع قوى ترى فيها الكفر والضلالة كما ستكون هذه الحروب والصراعات لمصالح جهات اقليمية بدرجةٍ رئيسيةٍ بحسب درجة الولاء المُرتِكز على الدعم المالي والمادي.
هكذا يعمل التحالف السعودي في اليمن وهكذا يتم نسج خيوط المستقبل المُظلِم فيه. يمنٌ مُفخّخ بكل ما تحتويه الكلمة من معانٍ. ففي الجنوب تعمل الإمارات والسعودية منذ ثلاث سنوات على إفراغه من جوهره المدني لمصلحة دولة الميليشيات ووضع اللادولة وطَمْس ما تبقّى فيه من مؤسّساتٍ رسميةٍ نظاميةٍ أمنيةٍ وعسكريةٍ واستخباراتية ومدنية وتشكيل عوضاً عنها جهات أمنية وعسكرية بحسب الانتماء الجَهَوي والولاءات النفعيّة وخارج سياق المؤسّسات الرسمية وتُدار عبر أشخاص موالين للرياض وأبو ظبي ويتلقّون الأموال والتوجيهات الرسمية عن بُعد ليتسنّى السيطرة عليها وتوجيهها الوجهة التي تريدها هذه الدول بحسب مقتضيات الزمان والمكان ويتم ضرب أية قوى مُناوِئة للوجود الخليجي بقوى يمنية جنوبية أخرى وفق مبدأ “كَسْر الحجر بأختها”.
كما يتم تسمين الجماعات المُتطرّفة بالمالِ والسلاحِ في اليمن عموماً وتمكينها من مفاصل الدولة أو بالأصحّ ما تبقّى من الدولةِ ومرافقها الحيوية الهامة لتكون السلاح الأيدلوجي الأمضى بوجهِ كلِ مَن يُناهض هذا الوجود مستقبلاً وليس فقط ضد حزب الإصلاح “إخوان اليمن” كما يعتقد البعض بل حتى ضد القوى اليسارية كما درجت عادة السعودية مع نظام دولة الجنوب حتى عام 1990م. كما يتم شحن الضغائن والأحقاد جغرافياً وسياسياً وفكرياً على طول البلاد وعرضها واستدعاء كل مُفردات التمزيق والفِرقة من مفردات طائفية ضد المذهب الزيدي في الشمال ومُفردة مُحاربة أهل الشرك وأصحاب البِدَع مُستهدفين بذلك فِرَق الصوفية ذات الفكر المُسالِم والمنتشرة في عموم الجنوب منذ مئات السنين والتي ترى فيها الجماعات المُتطرّفة ذات المنشأ الوهّابي فرقة ضالّة قبورية مُبتدِعة واجب قتالها وبالفعل فقد شرعت تلك الجماعات المُتطرّفة بتدمير كل التراث الصوفي وغيره من المدارس والمذاهب المُعتدِلة في الجنوب ومنها المذهب الشافعي على طول الجنوب وعرضه منذ الحرب الأولى على الجنوب عام 1994م واستهدفت وما تزال هذا المهذب الذي يُدين به معظم الجنوب وازداد هذا الاستهداف ضراوةً منذ بداية الحرب الأخيرة هذه التي اندلعت في مارس 2015م.
فالرياض التي تُصنّف الحركة الإخوانية ومنها إخوان اليمن بالحركة الإرهابية تستضيف رموز هذه الحركة من حزب الإصلاح في فنادقها وتُغدِق عليها بالمال والسلاح لتصوّبها بوجه الحركة الحوثية وقوات المؤتمر الشعبي العام التابع للرئيس السابق صالح والتي ما تزال تُقاتل مع” أنصار الله”. وفي الجانب الآخر تعمل الإمارات على تسليح وتأهيل القوات المُنسلِخة عن حزب المؤتمر الشعبي العام والمُلتحِقة بصفّها لغرَض مُجابهة حزب الإصلاح “إخوان اليمن” كما تعمل أي الإمارات على دعم الجماعات المُتطرّفة السلفية في تعز شمالاً بقيادة السلفي الجهادي أبو العبّاس وغيره من الرموز السلفية الجهادية العنيفة لذات الغرض وبذات أدوات الدعم والتأهيل. بمعنى أدقّ نحن إزاء تعاطل خليجي بتحشيد كل القوى على اختلافاتها ضد بعضها البعض أي ضرب الكل بالكل.
فلا يقتصر هذا التفخيخ الخليجي في اليمن على الجبهة الفكرية الطائفية ولا على الجبهة السياسية والحزبية والاجتماعية بل يطاول القبيلة والجغرافيا بالتوازي مع إنهاك البلاد اقتصادياً وإفقاره بكل صوَر الإفقار من نهب موارده والسيطرة على موانئه وجزره ومنابع ثرواته النفطية والغازية والتخطيط لجعله حديقة خلفيّة وممراً نفطياً إلى بحر العرب ويُضاف إلى ذلك طرد مئات الآلاف من المُغتربين في ظروفٍ غايةٍ في الصعوبة والسوء ما يعني أعباء اقتصادية واجتماعية ثقيلة ستهدّ حَيْل اليمن وأهله.
(صلاح السقلدي)