المشهد اليمني الأول/

 

صحيح أن كل عدوان خارجي واسع النطاق في كل ظرف أو مرحلة وفي كل بلد ترافقه معارك داخلية أو نطاق خاص وحتمي لاحتراب أهلي هنا وهناك تفرضه وتقوده قوى محلية ذات ارتباطات ومصالح خاصة أعلنت موقفها وولاءها للعدوان دون رجعة أو مراجعة .. لكن يجب أن نحاصرها ونضيق إطار ومساحة الاحتراب ما أمكننا إلى ذلك سبيلا بحيث تبقى محدودة المساحة .. وبأن تحرص كل القوى الوطنية المناهضة للعدوان أن تحاصر يوما بعد يوم تمددها وتتحاشى محاولات توسيع نطاقاتها ومساحاتها الأهلية .. وذلك بتكثيف وتركيز الجهد والطاقة والعدة والعدد نحو توسيع دائرة ونطاق المعركة مع جيش العدو على أرضه وبالصدام مباشرة أو خوض حرب استنزاف مع جيشه.. لأن المستفيد في حساب المعركة ومآلاتها من جراء اتساع نطاق المعارك الأهلية على حساب المعركة الرئيسية مع العدو هو تحالف العدوان نفسه والخاسر الأكبر هو القوى الوطنية المناهضة للعدوان والاحتلال ..

 

وما لم تنتقل المعركة الرئيسية إلى مواقع الجيش السعودي ومناطق العدو برا وبحرا والى عمقه وتحدد أهدافها معلنة نحو التحرير فإنها تفقد معانيها وخياراتها الوطنية وتتحول كليا إلى حرب أهلية.. أما على هذا النحو من السير في المعركة بلا مراجعة يغدو العدو الرئيسي وأطرافه في الحلف العدواني بعيدا أو ثانويا عن مركز أهدافنا فهنا بالضبط تتعرض الروح الوطنية إلى الانكماش وتذبل بالتدريج المشاعر الوطنية وتضمر سريعا تجاه العدو وتضمحل بحيث تغدو يوما بعد يوم ظاهرة الحرب في الداخل في اتساع متزايد في نطاقها الأهلي مع ما يقابلها في الضفة الأخرى من الحرب من تراجع وتقلص مساحة صيرورتها حرب وطنية ..هذا الوضع يصنع بيئة تتفشى فيها روح التهاون واللامبالاة ومن ثم الاستسلام على كافة المستويات ..
..
في القضايا الوطنية الكبرى علينا أولا أن نحدد موقعنا في هذا الموقف أو ذاك من هذه القضية أو تلك في سياق منسجم مع الموقف والإطار الكليين.. أو على أساس من خياراتنا وأهدافنا الكلية ومنذ البدء سيقف أمامنا السؤال ..

 

هل نقف على أرضية نقرر فيها كوننا جزءاً من حركة التحرر الوطني في الموقف من الاحتلال . وهنا هل نقف في خيار حرب التحرير التي نراها لم تبدأ بعد ، أم يا ترى إننا نضع أنفسنا في إطار ما يسمى بمكون من مسميات مكونات المجتمع المدني وهناك بون شاسع بين الإطارين ..؟؟

 

وفي الموقف من الفساد المزمن والمستفحل هل موقفنا هنا جزئيا أم كليا وبالتالي أين نضع الخطوة الأولى في السير نحو التغيير ؟
بالتأكيد لا نستطيع أن نقف على أهداف تعبر عن رؤى التغيير لدينا إلا أن نكون في إطار حركة ثورية وبدونها سنكون تحت سقف الأعمال المنظماتية السائدة التي لا عد لها ولا حصر وتغرق في جزئيات العناوين والقضايا معزولة عن بعضها أو عازلة إياها عن بعض ولا تتجشم صعاب القضايا الشعبية والوطنية الكبرى ..

 

أن نكون حركة ثورية في التغيير في الداخل فحتمي أن نكون في إطار حركة تحرر وطني في انجاز وإيجاد صيغ جبهات التحرير أو جبهة تحرير وطني ..وفي إيجاد إطار وبرنامج التغيير الاقتصادي الاجتماعي بمنظور كلي ؟

 

من هنا أود أن أسأل . ألا تنطوي مآلات أوقفوا العدوان على الوقوع في مآلات مشابهة مماثلة في النتائج مع شعار أوقفوا الحرب دون حساب الحقوق الوطنية وطرحها في طليعة البرنامج والأهداف ؟! سواء كنا ماركسيين أو قوميين .. يساريين أو وطنيين فليس في الأمر تناقض أن نقف على أرضية مشروع وطني ثوري واحد متكامل الأركان ومترابط السياقات ؟!

 

وهنا أسأل ، ما علاقة شعار أوقفوا الحرب بشعار أوقفوا العدوان في المآلات التي كنا نحن معا قد سجلنا خشيتنا وشكوكنا ووقفنا منها على الرفض المطلق في بيانات أعلناها على الملأ وحظيت بتأييد شعبي والتفاف واحترام واسع .. ونبذنا تلك الشعارات وعريناها بل ولعبنا دورا في تعطيل مساراتها السرية والعلنية في عمان والكويت .. فقط سؤال للاستيضاح وللحديث نقاش وبقية ومتسع في الآراء والصدور .

 

اليوم شعار أوقفوا الحرب هو ربما لا يختلف عن شعار أوقفوا العدوان وكفى بما هما شعاران يلتقيان في المآلات دون اكتراث للحقوق الوطنية التي ستسقط حتما جراء الذهاب خلف هذا اللون من الشعارات لكنه بالتأكيد شعار يعكس الخيبة والألم والمرارة من انحراف الحرب عن وجهتها الوطنية.. وهو أي شعار أوقفوا الحرب إلى جانب شعار أوقفوا العدوان الصادر عن مجالس منبعها المنبت الرسمي وقد تصدينا له باكرا وبقوة مرارا وتكرارا ..

 

الشعاران مع تقديري لطيب النوايا لدى أصحابه في شعار أوقفوا الحرب وما يغلب عليه من نظرة غلب عليها الجانب الإنساني المحض لكنها نظرة ساذجة تناست البعد الوطني سلبا وإيجاباً وحتى لو افترضنا أن تكتيكا ما ربما لم تظهر ملامحه فهو تكتيك عدمي الأهداف .. إذن هما شعاران مع هذا الفارق أما أنهما نسيا البعد الوطني أو أن الشعار الرسمي من أوقفوا العدوان على إدراك وسير خفي يقصد ويتجاهل ومستعد لكل التنازلات الوطنية في حين أن أصحاب أوقفوا الحرب لو أدركوا المخاطر الوطنية لتراجعوا فورا عن شعاراتهم وتوجهوا إلى شعارات وأهداف وبرامج وأطر أوسع وستختار طريقاً أطول وتضحيات أكثر على أن تتخذ من شعار جزئي طريقا سهلا.

 

إجمالا مع هذه الاستثناءات فهما يؤديان إلى مخاطر وطنية ولا يخفيان استعدادهما لتنازلات عن استحقاقات التضحية وضياع الأرض والجزر والمياه والمضيق بل وتمييع لمبدأ السيادة كليا وفي كل الأحوال فالمسؤولية والمترتبات تقع على قيادة سياسية عسكرية هي التي تدير الحرب ما لم تسارع إلى الاستجابة سريعا لإيجاد جبهة وطنية يمنية للتحرير تتصدر العركة الوطنية الشاملة وتستبعد احتكار المعركة وتتخلى فورا عن فكرة الاستبداد بوجهتها الخاطئة لأن حالة الحرب الوطنية أو الحالة والمرحلة الثورية دائما وضروري أن تستدعي قيام جبهة وطنية واحدة .

 

في حين الظروف السياسية الطبيعية والاعتيادية تستدعي التعدد وتمقت الانفرادية الواحدية السياسية وبالتالي فالإسراع في نقل المعركة إلى عمق ارض العدو واصطداما بجيشه ومنشآته الحيوية دون إغفال في كل لحظة لمهمة تحرير كل الأرض والجزر والمياه وبحيث تكون دائما هذه الخارطة للحقوق واضحة أمام كل الشعب .. ولا يعيب أبدا أن ننقل للشعب الأخبار أولا بأول عن كل احتلال جديد فالعيب والخطيئة الكبرى أن نخفي حقائق الاحتلال في كل تقدم له أو تراجع .

ــــــــــــــــــــــــــ

عبدالجبار الحاج

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا