المشهد اليمني الأول/ منى صفوان – رأي اليوم
ليس لمصلحة اليمن انتقال إدارة ميناء الحُديدة الهام إلى يد تحالف الشرعية- السعودية ، وهذه النقطة يعيها المجتمع الدولي الذي رفض الفكرة منذ عامين، واقترح سلطة محايدة تستلم اليها إدارة الميناء الأول والأهم وشريان الحياة الوحيد في اليمن ، حيث تصل اليه البضائع والمساعدات لملايين اليمنيين .
فلقد اثبتت تجارب تحالف الشرعية في إدارة الاقتصاد وموارد البلاد فشلها، وتخبطها، خاصة بعد نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن قبل عامين ونصف، وهي الخطوة التي حذر منها خبراء الاقتصاد العالمين، بانها ستكون خطوة خاطئة سوف تتسبب بحدوث مجاعة، وهذا فعلا ما حدث، وكانت دليلا على أن تحالف الشرعية- السعودية لا يهتم لمصائر الناس وحياتهم، بقدر حرصه على تسجيل النقاط ضد الحوثيين.
فقطعت رواتب الموظفين منذ اكثر من عامين، فقد كانت الرواتب تصرف والبنك في صنعاء تحت سيطرة الحوثيين، وبعدها فجرت ازمة إقتصادية كبيرة، تسببت بزيادة المجاعة والأزمة الإنسانية. وانهارت العملة المحلية، مع ارتفع سعر الصرف، فالمواطن اليمني يريد عملا وراتب وليس مساعدات، وقد تحويل ملايين اليمنيين الى عاطلين ينتظرون المساعدات الشحيحة اصلا. مما فاقم الوضع الانساني والاقتصادي سوء .
وبعدها اجتمع الرباعي في الرياض لبحث الأمر، و اللجنة الرباعية مكونة من – امريكا – بريطانيا – السعودية- الامارات، وتم الاجتماع مباشرة بعد ازمة انهيار الريال اليمني مطلع هذا العام، وقرروا نقل البنك المركزي إلى الأردن، وهي الخطوة التي لم تحسم ولم تكن لتعطي نتيجة افضل، ونحمد الله أن الخطوة لم تنفذ، لكنه دليل تخبط وفشل اقتصادي واداري.
ومن هنا ينطلق التخوف من وضع الميناء الاهم والوحيد تحت سيطرة تحالف الشرعية العسكرية لما قد يعني دمار انساني شامل، وليس فقط ازمة إنسانية، في وضع تشكو فيه المنظمات من صعوبة ايصال المعونات مع اغلاق كامل المجال الجوي والبري، ومع عرقلة عملها.
لذلك بقي الميناء على ساحل البحر الاحمر الشريان الوحيد، لايصال ما يمكن ايصاله مع تنامي نسب المجاعة وانتشار الاوبئه، لذلك فان السيطرة عليه من قبل حلفاء السعودية، قد يعني اشتعال معركة تعطل عمل الميناء، او تحويله لطريقة جديدة لحصار الحوثيين، بعد فشل خطة حصارهم اقتصاديا بنقل البنك المركزي من صنعاء، حيث لم يؤثر هذا الانتقال على مصير الحوثيين بقدر ما انعكس على حياة ومصير غالب الشعب اليمني خاصة موظفي الدولة.
لذلك لايمكن القبول بوضع مصائر اليمنيين تحت رغبة سُعار الانتصار العسكري، الذي لاتراعي الاطراف فيه حرمة المدنيين ولا مصيرهم.
الحوثيون لحد الان يتخوفون من فكرة اللجنة المحايدة، ويعتقدون انها فخ، أو غطاء للادارة السعودية، والهدف منها محاصرتهم، وهذا يعني محاصرة ملايين اليمنيين. وفناؤهم.
لذلك عاد المبعوث الدولي إلى صنعاء مسرعا، لكي يؤكد للجانب الحوثي أن قرارا دوليا لم يتخذ بشأن السماح للتحالف السعودي بالسيطرة على الحديدة، بعد تدجد واشتعال المعارك على الشريط الساحلي.
فالأمم المتحدة وخلفها بعض الدول منها روسيا، ما تزال تؤيد فكرة الجهة المحايدة . انطلاقا من الحرص على حياة ملايين اليمنيين. وهو الأمر الذي لا يعني اي من أطراف الصراع كما تشاهدون. وكانت روسيا قد اعلنت قبل عامين وقت اشتعال اولى معارك سيطرة التحالف على الحُديدة، انها قلقة على الوضع الانساني في هذه الحالة.
لذلك فهي رغبة أن لم تكن ضغطا دوليا ان يتم حل مسألة الحُديدة في المفاوضات، بحيث تخرج مدينة الحُديدة من سيطرة الحوثي، ولكن لا تقع تحت سيطرة التحالف السعودي، تعامل كمدينة محايدة وميناء ومطار عام، يفتح لكل اليمنيين؛ وليس كما حدث في عدن، حيث تتهم أن هناك تمييز ضد الشماليين، لدرجة ان بعضهم يمنع من دخول المدينة او السفر عبر مطار عدن.
فالضرورة الاقتصادية / الإنسانية والوطنية، تقتضي عدم وضع الحديدة تحت تصرف تحالف السعودي و – الشرعية. وهو الامر الذي يحتاج لمزيد من الضغط والثقل الدولي، وان يكون ملف الحديدة هو اهم ملفات المفاوضات لا جبهة عسكرية.
فالخارطة العسكرية التي تضع محافظة الحديدة كلها تحت مرمى الصواريخ الحوثية التي تتخذ من الجبال في الشمال منصة صواريخ ، تكون القوات في السهل والساحل الغربي هدفا سهلا لها، وهو امر يعني دخول المدينة المكتضة الى خط النيران، وهي التي تعاني الان من المجاعة، بعد تناقص المواد الغذائية ، وكذلك المشتقات النفطية التي كانت تسهل للناس اعمال الزراعة واستخراج المياه.
الوضع الاقتصادي معقد، وليس هناك اهتمام جاد به، فحياة غالب اليمنيين تقوم على تلقي المساعدات، مع ان الوضع يحتمل وضع خطة اقتصادية عاجلة- خطة انقاذ- ونستغرب ان يخفق الرباعي الامريكي- البريطاني- السعودي- الاماراتي بحل هذه المعضلة على الاقل في المناطق التي تقع تحت سيطرته وادارته، ناهيك عن تفشي الفساد والسرقات في حكومة الشرعية المقيمة في الرياض، والتي تتخذ من مدينة عدن الجنوبية مقرا مؤقتا لها.
ان الحديدة مهمة تاريخيا للسعودية، كما هي مهمة لاي حاكم يمني يحكم صنعاء، فمن يحكم صنعاء ولايسيطر على الحُديدة، فانه يبقى معزولا ومحاصرا بين الجبال، وهذه هي خطة السعودية ، حصر وحصار الحوثيين في سلسلة الجبال الشمالية، ويبدو ان الامارات التي تقود معارك الساحل الغربي متحمسة للدور الجديد، وهو السيطرة على كامل الساحل اليمني، بعد سطرتها على ساحل حضوموت و الجنوب وميناء عدن.
لحد الان المعارك مشتعلة ، والجغرافيه المنبسطة في السهل التهامي الغربي تجعل من الصعب السيطرة عليها بسهوله برغم وجود الغطاء الجوي لقصف الحوثيين، ويبدو انه قادر على تحريك قواعد اللعبة العسكرية ، خاصة بعد قدرته على اغتيال رئيس الحوثيين صالح الصماد في الحديدة قبل شهر ونصف.
من هنا يراهن التحالف السعودي على فكرة الحسم العسكري، ويجد ان الشروط التي وضعها الحوثي للانسحاب غير مقبوله حتى وان لم يعلن ذلك، فانه لم يؤيد فكرة دخول الحُديدة على جدول المحادثات.
وكما وضع الحوثيون شروطهم للمبعوث الاممي، ومنها دفع الرواتب المتأخرة لموظفي الدولة وفتح الحصار على صنعاء وفتح مطار صنعاء امام الرحلات التجارية، وهي مطالب محقه بشان اليمنيين، اشترطت السعودية تسليم الحوثيين للصواريخ الباليستيه التي تهددها.
ان حسم خيار الحديدة يمكنه ان يقرر مصير هذه الحرب، لذلك لانتوقع ان يتنازل عنها الحوثيون بسهوله، وان تم اخراجهم منها عنوة، فانهم قادرين بهذه الصورايخ على احراقها، او حصارها، وهو الامر المرفوض لانه لايهدد قوات التحالف السعودي على الارض، وانما يعني تهديد حياة اليمنيين ومصيرهم، سواء في الحديدة او في صنعاء. فكل المواد الغذائية تصل من ميناء الحديدة.
وخارج سياق الامنيات المعقودة، يبدو ان مجرد تبادل الشروط من قبل الجانبين السعودي- الحوثي هو ما يجعلنا ننتظر احياء ملف المفاوضات، وهنا نتوقع ان تقبل الامارات على مضض بوجود حل هكذا، لانها تفضل حتما ان تسيطر وحدها على الساحل، وليس اي جهة ثالثة تتفق عليها السعودية والحوثيين.
ولكن الامارات تستند في ارض المعركة على المقاومة الجنوبية والتي تحارب خارج ارضها الجنوبية وقد تجد في ذلك استنزافا لها، ومن القوات الشمالية لديها القوات التي يقودها طارق صالح بعد انشقاقه عن الحوثيين بعد قتلهم لعمه الرئيس “علي عبد الله صالح” .
فان كانت الامارات هنا تراهن على قوات طارق صالح بالسيطرة على الحديدة، والشريط الساحلي، فان طارق لم يثبت لحد الان انه خيار عسكري ناجح، وان كان يتحرك بدافع الانتقام من قتلة عمه، فان الامر يحتاج لاكثر من نار الانتقام الشخصي.
وان كانت معركة الساحل استنزاف او اخفاق لطارق صالح ، فهي معركة مصيرية بالنسبة للحوثيين، لكنهم لن يتمكنوا من حسمها بسهولة، ولا سبيل امامهم الا تسليم المدينة والميناء للامم المتحدة. فلا من صالح اليمنيين بقاء المعركة مشتعلة ولا من صالحهم بقاء الحديدة مع اي من اطراف الصراع.