المشهد اليمني الأول/ إفتتاحية رأي اليوم
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “حَربًا تِجاريّةً” على حُلفائِه الغَربيين اليوم الجمعة، عندما فَرض رُسومًا على الحَديد والصلب ومنتوجات الألمنيوم والسَّيارات تتراوَح بين 15 إلى 25 بالمِئة، وجاء الرَّد الأوروبيّ حتى الآن في تَقديم شكوى لمُنظَّمة التِّجارة الدوليّة، وإعداد قائِمة بالسِّلع الأمريكيّة التي يَعتزِم الاتِّحاد الأوروبي فرض ضرائِب عليها في إجراءٍ انتقاميٍّ.
الرَّد الأبلَغ على هذا الاستفزاز الأمريكي جاءَ حتّى الآن من كندا والمكسيك، حيثُ فرضت الأولى رُسومًا تَصِل قيمتها 12 مليار دولار كخُطوَة أولى على صادِرات أمريكيّة، بينما هدَّدت الحُكومة المكسيكيّة بخَطواتٍ مُماثِلة تشمل كُل البضائِع الأمريكيّة التي تَستورِدها دون أيِّ استثناء.
الرئيس ترامب يَنتهِك قوانين مُنظَّمة التِّجارة الدوليّة، وكُل المُعاهدات المُنبَثِقة عنها، واتِّباع سِياسات “حِمائيّة” تطبيقًا لشِعارَه الانتخابيّ “أمريكا أوّلاً”.
ما زالت الأسباب التي دَفعت ترامب لإعلان هذه الحرب غير واضِحة، ولكن مراقبين يُؤَكِّدون أنّ الرئيس الأمريكي يَشُن هذا “الإرهاب” التِّجاري من أجل تحقيق أهداف سِياسيّة، وأبرزها تركيع الاتِّحاد الأوروبي، وإجباره على تَبنِّي القرار الذي اتَّخذه بالانسحاب من الاتِّفاق النووي مع إيران الذي عارَضه الاتِّحاد بقُوَّة.
الأوروبيون باتوا يَشعرون بأنّ التَّحالُف التَّاريخيّ، التِّجاريّ والأَمنيّ بينهم وبين الولايات المتحدة الأمريكيّة باتَ يقترِب من نِهايته في ظِل إدارة ترامب الحاليٍة التي باتَت تتوجّه نحو شرق آسيا واليابان وكوريا الجنوبيّة والصِّين بدَرجةٍ أقل كشُركاء تِجاريين وأمنيين مُفتَرضين.
مؤتمر ميونخ للأمن الذي يُعقَد سَنويًّا في حُضور زُعماء ومَسؤولين من مُختَلف أنحاء العالم، حذَّر في تقريرِه السَّنوي الذي صَدر مطلع هذا العام، من سِياسات ترامب التي تقود العالم إلى حافّة الهاوِية، وطالب بنِظامٍ أمنيٍّ أوروبيٍّ مُستَقِل كُلِيًّا عن الوِلايات المتحدة.
المُشكَلة أنّ ترامب يتعامَل مع الدُّوَل الأُوروبيّة بطَريقةٍ “أبويّة” فَوقيّة، ويُريد ابتزازها ماليًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا على غِرار ما فعل مع الدُّوَل العربيّة الخليجيّة، ولكنّه يَرتِكب خطأً تاريخيًّا في هذا المِضمار، ويُشكِّل جَبهةَ مُعارِضةٍ قويّةٍ ضِدّه تتزعّمها فرنسا وألمانيا، وربّما تتَّجِه إلى تعزيز تعاونها التِّجاريّ والأمنيّ مع الصِّين، أو روسيا، كخَياراتٍ بَديلة.
أصوات عديدة بَدأت تظهر في أوروبا تُشَبِّه ترامب بالزَّعيم الألماني النَّازي هتلر، وتُحذِّر من حُروبِه الاقتصاديّة، ومُغامراتِه العَسكريّة، ويبدو أنّ مَوقِف هؤلاء أقرب إلى الصِّحّة، وقرارات فَرض الرُّسوم الجُمركيّة على الوارِدات الأُوروبيّة هي إشعال لفتيل الحَرب الاقتصاديّة، وقِيادة العالم إلى حالةٍ من الفَوضى وعدم الاستقرار.
هذا الرَّجُل يتصرَّف مِثل الثَّور الهائِج الذي يَضرِب يَمينًا ويَسارًا، وسيُدمِّر العالم إذا لم يتم وَضع حد لتَهوُّره، وهذه مسؤوليّة الشَّعب الأمريكي ومُؤسَّساتِه أوّلاً، والعالم بأسْرِه ثانِيًا.