المشهد اليمني الأول/
لمع نجم الجنرال الإسرائيلي يوآف بولي مردخاي خلال هذا الشهر في الإعلام الإسرائيلي لينتقل الحديث عنه إلى الصحف العربية وتم توصيفه بأنه الرجل السرّي للكيان الإسرائيلي الذي ينجز له أصعب المهام في الشرق والغرب ويمكن اعتباره “سوبر مان” الدبلوماسية الإسرائيلية كما يريد الصهاينة أن يصوروه لنا.
الحديث عنه بهذه الكثافة في أشهر الصحف العبرية مثل “معاريف” و”يديعونت أحرنوت” يثير لدينا بعض الأسئلة حول سبب ذكر اسمه بهذا الزخم في الإعلام ومن قبل كبرى الشخصيات الإسرائيلية، ولا أعتقد أنه يمكننا عزل ذلك عن نقل السفارة إلى القدس والتمهيد لصفقة القرن، لأن الإعلام أراد أن يقول لنا بأن مردخاي هو الرجل السري وعرّاب جميع هذه الصفقات من خلال زياراته المكوكية التي كان يقوم بها إلى دول شرقية وغربية ومنها دول عربية ذات مواقف معتدلة تجاه “إسرائيل” تم تحويلها فيما بعد بفضل دبلوماسية مردخاي إلى مواقف مؤيدة أو صامتة لما يقوم به الصهاينة تجاه إخوانهم العرب في فلسطين وسوريا ولبنان.
من هو مردخاي؟!
مردخاي”54 عاماً” أو “كابتن أيوب” كما كان يعرف في معظم حياته، تجنّد في لواء غولاني عام 1982، ثم سلاح الاستخبارات ضمن الوحدة 504، التابعة للاستخبارات العسكرية “أمان”، الخاصة بتجنيد العملاء والجواسيس، ثم عمل ناطقاً باسم الجيش بتكليف من قائد الجيش السابق بيني غانتس.
وفي بداية عمله انخرط مردخاي لبعض الوقت في جهاز الأمن العام الشاباك، لتعلم اللغة العربية ومعرفة تقاليد الإسلام والثقافة الدينية للعرب والمسلمين، وعمل بداية عهده بتجنيد عملاء في الجبهة الشمالية حيث سوريا ولبنان.
في أوائل مايو الحالي أنهى منسّق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية الجنرال يوآف بولي مردخاي مهامه، بعد 36 عاماً من العمل بصفوف جيش الاحتلال، وتوليه مهام ذات أبعاد استخبارية وأمنية، لتطوى صفحة لنشاطات مردخاي السرية من خلال الصفة الرسمية لهذا الرجل السري الذي وصفه الخبير العسكري الإسرائيلي بموقع “ويلا” الإخباري أمير بوخبوط، بأنه “مشغل الجواسيس الذي غيّر وجه الشرق الأوسط”، و”وزارة خارجية في شخص واحد”، بعد أن بات يجلس على طاولة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بجانب كبار الجنرالات، ويقوم بمهمات خاصة بتكليف من رئيس الحكومة، حتى أن وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أطلق عليه لقب “وزير خارجيتنا في العالم العربي”.
نشاطات مردخاي
يمكننا القول بأن مردخاي يملك بطاقة خضراء تخوّله الذهاب إلى جميع المناطق الحساسة داخل “إسرائيل” وخارجها وزيارة بلدان عربية، ويمكننا تلخيص مهامه بالتالي:
تجنيد العملاء ومحاولة اختراق صفوف الدول والحركات المعادية لـ “إسرائيل” لفهمهما ومحاربتها بعد معرفة نقاط ضعفها
ملف الصراع مع الفلسطينيين
العمل على تحويل أعداء الأمس إلى أصدقاء اليوم عبر فتح قنوات دبلوماسية معهم والعمل على تجاوز الخطوط الحمراء.
تصفية القضية الفلسطينية عبر زياراته المكوكية، والعمل على صفقات مهمة لـ “إسرائيل” مثل “صفقة القرن”
يقول “بن كسبيت”، الكاتب في صحيفة معاريف، إن “الجنرال يوآف مردخاي، المنسّق السابق لأعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، تحوّل لواحد من أكثر الشخصيات المؤثّرة في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، دون مبالغة، وبات مبعوثاً شخصياً لجميع المستويات القيادية في “إسرائيل”، بدءاً من رئيس الحكومة ووزير الحرب ومَن دونهما”.
وأضاف في تحقيق مطوّل حول مردخاي: إنه “بات صاحب الكلمة المفتاحية للعديد من جيران “إسرائيل” بالمنطقة، يسافر ويعود، يهدّئ الخواطر، يتوسط، يحلّ مشكلات، ليس فقط بالمناطق الفلسطينية، وإنما في هيئة الأركان العامة للجيش، ومؤسسات الحكم في “إسرائيل”، وصولاً للشرق الأوسط والساحة الدولية”.
وتابع كسبيت قائلاً: إن “مردخاي تحوّل إلى شخصية محورية، وتعتبره وزارة الخارجية الإسرائيلية سلاحها السري، والورقة الرابحة لجهازي الموساد والشاباك؛ نظراً لتأثيره المباشر على الدبلوماسيين الأجانب، حيث يلتقي جميع من يزور “إسرائيل” تقريباً، ويحضر اجتماعات الدول المانحة للفلسطينيين في بروكسل، ويطوف مرات لا معدودة لدى دول العالم ذات العلاقة بالصراع مع الفلسطينيين”.
واستطاع مردخاي أن يكسب ودّ الأمريكيين حتى مبعوثي الرئيس الأمريكي جيراد كوشنير وجيسون غرينبلاث، وتمكّن من اختراق أسوار عدة دول عربية، وجلس مع مسؤولين عرب رفيعي المستوى بحسب الإعلام الإسرائيلي الذي قال أيضاً إن مردخاي زار أماكن لا يمكنهم ذكرها لأنه من غير المسموح لهم الحديث عنها.
وحالياً يوشك مردخاي على ترك منصبه والتقاعد، ليحلّ محلّه شخص آخر يدعى كميل أبو ركن، لكن بصلاحيات أقل، وكشف الخبير العسكري بوخبوط أن: “آخر مهام مردخاي كانت محاولة استيعاب ما تقوم به حماس من إشعال حدود غزة عبر مسيرات العودة، وقد نجح القناصون الفلسطينيون بتصويره، ونشر صوره وهو يزور الحدود مع القطاع”.
ختاماً؛ هل حقاً انتهت مهمة مردخاي حتى تم الحديث عن إنجازاته المعقّدة والسرّية والخطيرة لكيان الاحتلال، وهل تعظيمه بهذه الطريقة هو تكريم لإنجازاته التي قدّمها لـ “إسرائيل” أم احترقت ورقته لديهم ويريدون عن طريق استخدام اسمه إظهار تعاطف العالم معهم وبأنهم قادرون على اختراق العرب بسهولة، وكسب ودهم بعد أن كانوا أعداءً لهم تمهيداً لتمرير صفقة القرن، وإظهار أنفسهم بأنهم في موقع قوة وليس ضعف؟!.