المشهد اليمني الأول/ جميل أنعم العبسي
كانوا في المكان الخطأ من زمن التأسيس ضد حركات التحرر الوطني والقومي اليساري، والمُستفيد الغرب والصهيونية وبني سعود وبشعار الوحدة الإسلامية إفكاً وكذباً.. وكانوا في مكان الخطيئة والإثم ضد الدول الجمهورية بثورة ربيع الدم وفتنة التمزيق والعنصرية والمناطقية والطائفية، بوهْم وسراب أمريكي غربي للإخوان بـ”العرض الإستعماري” حمل شعار “الخلافة الإسلامية العثمانية” إفكاً وزوراً، وابتلعوا الطُعم الصهيوني بتدمير الأوطان وتمزيق وإفقار وتجويع الشعوب وبكل إصرار وتصميم غير مسبوق في التاريخ العربي والإسلامي.
تدمير الذات العربي والإسلامي أرضاً وإنساناً وإلحاق الهزيمة المعنوية والثقافية والحضارية بإغتيال الهوية الوطنية والقومية والإسلامية، وبإسناد أمريكي أطلسي مشبوه، والأكثر شبهة دعم قرارات مجلس الأمن لربيع تدمير الأوطان وتمزيق الشعوب، الذي كان مستحيلاً أو شبه مستحيل بدون إستنفار التنظيم العالمي للإخوان كل طاقته أفراداً وجماعات وأحزاب وإمبراطوريات إعلامية ومالية وميليشيات وجيوش ودول من أجل تدمير سوريا واليمن وليبيا، وكان يكفي فقط وقوف حماس الإخوان إلى جانب سوريا لإفشال مخطط تدمير الدولة السورية والتقسيم بربيع الدواعش ومرتزقة السعودية وقطر وتركيا، الذي مهَّد للجيش الأمريكي والتركي إحتلال أجزاء من سوريا، فوقوف حماس إلى جانب سوريا كنوع من الوفاء -إن حدث حينها- كان يعني إحراق الورقة الطائفية ليس في سوريا وحسب بل في الوطن العربي والإسلامي.
وبعد 7 سبع سنوات من القتل والدمار كان إنكشاف المخطط المستور بيهودية القدس وفلسطين وصفقة القرن، بدلاً من سراب ووهْم الخلافة المزعومة التي تحولت إلى لعنة الإرهاب التي تلاحق إخوان طروادة، إرهاب ومشردين ومنبوذين حتى من تحالف بني سعود وقطر تحت حصار مشبوه، وإخوان غزة بالتركيع بالحصار الإقتصادي والرواتب والإبتزاز تكللت قبل عام بوثيقة حماس الجديدة والمشبوهة.. وبالرغم من كل ذلك وأكثر فالإخوان أصبحوا على حردٍ غير نادمين بإستثناء مواقف وعلى إستحياء لاتُذكر من إخوان حماس غزة الخنادق لا دوحة الفنادق، بترميم العلاقة مع محور المقاومة إيران وسوريا والضاحية الجنوبية وتصويب الموقف بمسيرة العودة المرتقبة، وهناك دعوة وموقف لإخوان الأردن من نقل السفارة للقدس وتنظيم مسيرة لها في الأغوار الأردنية، قد يكون ذلك عملاً ربما يؤتي ثماره بمسيرة العودة المليونية يوم الاثنين 14 مايو 2018م الموافق للذكرى السبعين للنكبة واحتلال فلسطين 48م، وهو اليوم الموافق لإحتفال بني صهيون بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة وبصورة مخالفة للقانون الدولي وقرار الأمم المتحدة المُشرعِن للإحتلال بتقسيم فلسطين، وهذا الأمر ما كان ليتم لولا إنشغال سوريا وليبيا واليمن والعراق بحروب التكفير الوهابي والثورات المتصهينة، ولولا محاصرة إيران طائفياً، ولولا تصفية مصر عبدالناصر، وكل ذلك كان بدور وأدوار للإخوان التكفيريين.
مسيرة العودة المليونية يتقدمها كل الفلسطينيين، منهم إخوان غزة إلى جانب جميع الفصائل الفلسطينية المقاومة ولكن الزخم إخواني غزاوي بدرجة أساسية والذي تلقى إسناد من إخوان الأردن، الذين يستطيعون قلب الطاولة على نظام الأردن والكيان الصهيوني إن أرادوا والتحموا مع إخوانهم في فلسطين المحتلة في اليوم الموعود 14 مايو 2018م، وبالرغم من معلومات مخيبة تفيد أن إخوان الأردن هتفوا لحماس أكثر من هتافهم للقدس في المسيرة الأخيرة في الأغوار، لكننا نتمناها مسيرة للقدس وكل فلسطين.
لكن، ما لكن، فالإخوان، هم الإخوان، صنيعة الإستخبارات البريطانية، يتحكم بهم الخارج المُعادي مثلهم مثل الوهابية وبني سعود، نتمنى أن تخيب توقعاتنا هذه المرة، وأن يكون يوم الـ14 من مايو يوم مفصلي وتاريخي في تاريخ الإخوان والمنطقة.. نتمنى ذلك.
أما إذا كان للمرشد العثماني العالمي كلام وفِعل آخر فإن مسيرة العودة مصيرها الإفشال كما أُفشلت الثورة الفلسطينية الكبرى 1936م-1939م والتي كان لعز الدين القسام الذي أستشهد في 1935م الدور الكبير في إندلاعها وكانت قاب قوسين أو أدنى من تحرير فلسطين من الإحتلال البريطاني وسلمياً بالإضراب المدني الذي عمَّ كل أنحاء فلسطين المحتلة وشلَّ الإحتلال الإنجليزي، الذي أنقذه عبدالعزيز آل سعود بإقناع شعب فلسطين بفك الإضراب بناءاً على وعد بن سعود بحل قضية فلسطين مع أصحابه الإنجليز، فانقسم أهل فلسطين بين مؤيد ومعارض لفك الإضراب ومواصلة الثورة، وكان ما كان، حسبما أورد الشهيد ناصر السعيد في كتابه “تاريخ آل سعود”.
فهل يُفشل العثماني أردوغان مسيرة العودة كما أفشل عبد الإنجليز آل سعود ثورة 1936م، كما كانت بريطانيا صديقة بن سعود والأردن، فتم شق الشعب الفلسطيني وإفشال أول ثورة عربية عالمية سلمية ضد الإحتلال البريطاني، فهل يتكرر التاريخ بأمريكا صديقة أردوغان والنظام المصري التي شدَّ إليها الرحال “إسماعيل هنية” لمقابلة رئيس المخابرات المصرية لإختزال “مسيرة العودة” من الهدف الأكبر “القدس” إلى الهدف الأصغر “فك الحصار عن غزة جزئياً” بفتح معبر رفح.. وعود لنيل حقوق جزئية في غزة و”مناقشة” موضوع مسيرة العودة قبل إنطلاقها بساعات، نحن بالإنتظار سلباً أو إيجاباً.
ألقينا الضوء على الإخوان لإختبار مدى وفائهم لعزالدين القسام أو تكرار سيناريو آل سعود، أم ستكون القسام والقدس مثل سوريا الأسد ولم نشهد وفاءاً لسوريا والأسد من إخوان الغدر والخيانة، سوريا الأسد إحتضنت حماس وكل فصائل المقاومة وفتحت لهم مكاتباً في العاصمة دمشق، بدون أي إعتبارات مذهبية أو دينية، وبدون أي نوايا إستخبارية كما فعلت وتفعل الدوحة وأنقرة وأسطنبول، فقط لإعتبارات أخلاقية وإنسانية عالمية تتجاوز الوطنية كانت وما تزال مواقف دمشق التاريخية لخدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية، وها هي تتصدر اليوم جبهة كاملة لمواجهة الكيان الصهيوني من الجولان السوري المحتل.
ساعات على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وساعات على إنتقال معركة المواجهة مع بني صهيون إلى أهم وأخطر مراحلها، القدس ليست للصهاينة، القدس لكل العرب بإختلاف أديانهم وأشكالهم وألوانهم، وكم يسعدنا وقوف الكل كالبنيان المرصوص في مواجهة هذا الصلف الأمريكي والتبجح الإسرائيلي حتى على قرارات مجلس الأمن الظالمة إرتضى بعض الأعراب بها جزئياً وشكلياً وكلياً ومع ذلك يتم صفعهم بهذا النقل المؤسف بحق تنازلهم وعمالتهم للصهاينة، وكم يؤسفنا سقوط البعض في هذا الإمتحان الأخير، لأنه سيكون السقوط الأخير وبلا رجعة وتدارك وتصحيح وتصويب في زمن يتعرض الإخوان فيه لأسوأ مكافئة من أسيادهم وشركائهم بجريمة تدمير الأوطان بني سعود وبني زايد فهل يكون ذلك حافزاً للخروج المشرف أم يصبح عاملاً إضافياً يتنافسون فيه لتقديم أرقى خدمات العمالة والخيانة لأسيادهم ومُشغليهم.
أخيراً… السيد “حسن نصرالله” قالها سابقاً عن قدوم الحرب وبمن حضر وفي أي ساحة كانت “إن إجو منيح، وإن ما إجو منيح”.. وأياً كانت نتيجة التفاعل والمواقف، فما بعد نقل السفارة ليس كما قبله، وحلف المقاومة أصبح أقوى من أي وقت مضى، ويعلم جيداً مكامن الوجع، وحيا بداعي الحرب مع الأصلاء وما تبقى من وكلاء ومن والاهم، ولا يحزننا من سارع فيهم خشية أن تصيبهم دائرة، تعرضنا لأخطر المنعطفات واجتزناها برعاية ووعد إلهي ملموس.. اللهم بارك في شامنا ويمننا.. ولا أسف على القوم الظالمين.