المشهد اليمني الأول/ كتب عبدالباري عطوان – رأي اليوم
نَعتَرِف بأنّ كِتابَة الافتتاحيّات الرَّافِضة والمُدينَة للخَطوات التَّطبيعيّة التي تُقدِم عليها حُكومات عَربيّة مع دَولة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصَّةً في مُعظَم دُوَل الخَليج العَربيّة، لم تَعُد تُثير “قَلق” واهتمام هذهِ الحُكومات التي باتَت تَرى في إسرائيل حَليفًا وحامِيًا وصَديقًا، وفي الوَقتِ نَفسِه يتحوَّل العَرب القابِضِين على جَمر الثَّوابِت الوَطنيّة والأخلاقيّة ويَرون في إسرائيل عَدُوًّا.
أن تُعادِي هذهِ الدُّوَل إيران ومِحوَر المُقاومة وتُرحِّب بإلغاءِ الولايات المتحدة للاتِّفاق النَّوويّ مع إيران، وما يُمكِن أن يترتَّب عليه من مَخاطِر للمِنطَقِة، وتُصبِح أمريكيّةً أكثر من فرنسا وبِريطانيا وألمانيا أمرٌ صادِم، ولكن ما هُو أكثر صَدمة، بَل واستفزازًا، أن تُؤيِّد هذهِ الدُّول العُدوان الإسرائيلي على سورية الشَّقيقة، وأيًّا كانَت الأعذار، وتَعتبِر هذا العُدوان حقًّا مَشروعًا لإسرائيل في الدِّفاعِ عن نَفسِها مِثلما فَعل الشَّيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وزير خارجيّة مملكة البحرين يوم أمس.
الشيخ خالد اعتبر أنّ إيران “أخلَّت بالوَضع القائِم في المِنطَقة، واستباحت الدُّوَل بِقُوَّاتِها وصَواريخِها، ولذلك فأنّه يَحِق لكُل دولة في المِنطقة، ومِنها إسرائيل، أن تُدافِع عن نَفسِها بتَدمير مَصادِر الخَطر”، مِثلَما جاءَ في تَغريدةٍ له على حِسابِه على “التويتر”.
هذهِ التَّغريدة التي وَصفها الوَزير الإسرائيلي أيوب قرة بأنّها “تُشكِّل دَعمًا تاريخيًّا لدَولة إسرائيل، وتَعكِس الائتلاف الجَديد الذي يُنسَج في الشَّرق الأوسَط، وإسرائيل جُزءُ مُهِمٌّ فيه”، دَفَعت بإفيغدور ليبرمان وزير الحَرب الإسرائيلي أن يُخاطِب السعوديّة ودُوَل الخليج بالخُروج من “جُحرِها”، وتَبدأ بالحَديث علانِيَة عن تحالُفِها مع إسرائيل، وقال “مِثلما يُوجَد مِحوَر شَر فقد حانَ الوَقت لأن يكون في الشَّرق الأوسَط مِحور الدُّوَل المُعتَدِلة”.
ربّما يُفيد التَّذكير بأنّ العُدوان الإسرائيلي الذي استهدَف الأمَّةَ العَربيّة بأسْرِها، واحتلَّ فِلسطين ومُقدَّساتِها، وهَضبة الجُولان ومزارِع شَبعا، وارتكب العَديد مِن المَجازِر في قانا وغزَّة وبحر البقر المِصريّة والقائِمة تطول، باتت غاراته على سورية التي فاقَت المِئَة غارة في السَّنوات الثَّلاث الماضِية فقط، حقًّا مَشروعًا في الدِّفاع عن النَّفس أمّا مقاومة الاحتلال فإرهابٍ مُدان، ومن حُكوماتٍ عربيّةٍ، ومملكة البَحرين بالذَّات؟
بالأمس أرسلت حُكومَتا الإمارات والبحرين فريقيّ دَرَّاجات للمُشاركة في مَهرجانٍ رياضيٍّ احتفالاً بالذِّكرى السَّبعين لاغتصابِ فِلسطين وقِيام دَولة إسرائيل، وقَبلها استقبلت دَولة قطر فَريقًا إسرائيليًّا للمُشارَكةِ في مُسابَقةٍ للكُرةِ الطَّائِرة أُقيمَت على أرضِها، وربّما كانَت دولة الكُويت وسلطنة عمان الوحيدتان اللتان لم تَنزلِقا إلى أيِّ خَطواتٍ تطبيعيّةٍ مع دَولة الاحتلال، ولا نَعرِف ماذا سَتكون الخَطوات التَّطبيعيّة القادِمة، ونُؤَكِّد مُقَدَّمًا بأنّنا لن نُفاجَأ بِها، مهما كَبُرَ حجم الخَسارة التي ستَلحق بِهذهِ الأُمّة وعَقيدَتها وإرثِها.
لا نَعتقِد أنّ استجابة حُكومات دول الخليج لدَعوة ليبرمان بالخروج من جُحرِها، (لاحظوا بَذاءَة التَّعبير ودلالاتِه اللَّغويّة المُهينة) ستتأخَّر كثيرًا، وتَنتَقِل مِن السِّريّة إلى العَلنيّة بِوتيرةٍ أسرَع ممّا يَتوقَّعها، ونَتوقَّعها نَحنُ أيضًا.
لم نَتصوَّر مُطلقًا أن نَصِل يومًا إلى هذا الدَّرك من الهَوان المُتمثِّل في التَّطبيع والارتماء في أحضان الإسرائيليين، وتبرئَتِهِم من اعتداءاتِهم ومجازِرهم الدَّمويّة في حَق أهلنا في سُورية وفِلسطين ولُبنان، وقبلها مصر، والقادِم أعظم، ولا نَملُك غير أن نَختِم بالقًول “حَسبُنا الله ونِعم الوَكيل”.