المشهد اليمني الأول/ بقلم – ناصر قنديل – البناء
– يحاول بعض الإعلام المرتبط بـ«إسرائيل» من حبل الصرة السعودي، ومَن يستجلبهم من أسماء يمنحها ألقاباً طنانة من عيار، المتخصّص بالشؤون الاستراتيجية، ورئيس قسم البحوث الاستراتيجية العسكرية في مركز ملكي بريطاني، أن يبعد النقاش الناتج عن المواجهات التي شهدها الجولان السوري المحتلّ، والسماء والأرض السورية، عن القضية الرئيسية بافتعال قضايا مختلقة للنقاش، من نوع تحديد نسب الصواريخ التي تساقطت على المواقع العسكرية الإسرائيلية في الجولان، فيما يصرّ المعنيون على الغموض، فتتغاضى سورية عن المصدر، وتنفي إيران قيامها بالردّ، وتعد بأنه لا يزال على جدول الأعمال، أو نوع حجم الضرر الذي ألحقته «إسرائيل» بالحضور الإيراني في سورية، وافتعال النقاش حول مواضيع مثل أنواع السلاح الإسرائيلي والإيراني والمقارنات الفارغة بينهما.
– القضية ببساطة تختصر بما يلي، خلال شهور و»إسرائيل» تكرّر أنها باتت جاهزة للحرب، وأنها واثقة من النصر فيها، وأنها ستعيد إيران وسورية ولبنان إلى العصر الحجري، وأنها كانت وراء إلغاء الرئيس الأميركي شراكته في التفاهم النووي مع إيران، وأنّ إيران التي تبشر بزوال «إسرائيل» لا يمكن التعامل معها إلا بلغة الحرب، وقد جاءت الفرصة، فـ»إسرائيل» عشية الاحتفال بالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لها، والاحتفال بالخروج الأميركي من التفاهم النووي مع إيران، وصواريخ تتساقط على الجولان المحتلّ مستهدفة مواقع عسكرية حساسة، وتصدر «إسرائيل» بياناً تتهم فيه إيران بإطلاق الصواريخ، فماذا عسانا نتوقع سوى بدء الحرب الإسرائيلية الموعودة؟
– يقول الإسرائيليون في كلّ كتابات خبرائهم وجنرالاتهم، إنّ كيانهم لا يستطيع التعايش مع حروب الاستنزاف، ولا المواجهات الطويلة غير المحسومة، وأنّ عقيدة جيشهم القتالية هي الحرب الخاطفة والنصر الحاسم، وفي حالة كالتي نحن أمامها لا تتعايش «إسرائيل» مع حالة حرب، وترتضي صيغة الجولات غير المحسومة النتائج، وتسارع لتفادي التورّط في الحرب، كما حدث بعد عملية مزارع شبعا التي نفذتها المقاومة رداً على غارات القنيطرة، أو بعد إسقاط الدفاعات الجوية السورية لطائرة الـ»أف 16»، إلا عندما تكون واثقة أنها ليست جاهزة للحرب وأنها غير واثقة من تحقيق النصر.
– الذي قاله ليل الصواريخ السوري الطويل، إنّ «إسرائيل» نالت فرصة لخوض حربها الخاطفة وتحقيق نصرها الحاسم، وإنها لم تفرّط بهذه الفرصة من موقع القوة، بل من موقع كونها عاجزة عن الحرب وعاجزة عن تحقيق النصر. وهذا يفسّر الغموض السوري في الإجابة عن سؤال حول مصدر الصواريخ التي تساقطت على المواقع الإسرائيلية في الجولان المحتلّ، والنفي الإيراني للقيام بالردّ الموعود على غارة التي فور. فالحساب لم يقفل، رغم الحماسة التي لا يملكها أحد لإعلان إقفال الحساب إلا الإسرائيليون أنفسهم، سواء عبر القول إنهم تلقوا الردّ الإيراني الموعود وانتهى الأمر، وإنهم دمّروا مقدرات الحضور الإيراني في سورية وانتهى الأمر.
– يحقّ لمحور المقاومة، خصوصاً للقلعة السورية، القول إنّ استراتيجية الردع حققت نقلة نوعية، وإن حرب الاستنزاف بعض من خطة، وإنّ الحساب لم يقفل، وإنّ زمن الحروب الإسرائيلية الخاطفة وانتصاراتها الحاسمة قد ولّى، وإنّ النظر لكيفية تلقي الشعب السوري للمواجهات من جهة، وللجبهة الداخلية الإسرائيلية من جهة أخرى، يكفي لقول الكثير عن زمن جديد يولد مع انتصارات سورية على الحرب العالمية التي استهدفتها، وإنه كما كانت «إسرائيل» في قلب هذه الحرب وصناعتها، فأولى نتائج التغيير الذي ينتجه نصر سورية بدأ يطال موازين المواجهة مع «إسرائيل» نفسها.